تحقيقات وتقارير

عدد مقدّر منهم ترك الدراسة الطلاب الجنوبيون بالخرطوم.. لمن تقرع الأجراس

المعلمة نصرة: إيجارات عقارات المدارس أكبر هاجس

طالب جامعي: الرسوم الدراسية سبب أساسي لتوقف مشوارنا التعليمي

مدرسة كمبوني: نُقدّر ظروف الطلاب الجنوبيين ولا نتشدَّد في الرسوم

أرسل بصره بعيداً، وبدا لي كأنه يحمل على عاتقه ما تنوء به الجبال، ملامح وجهه كساها حزن ليس من العسير تبينه، لم أجد غير أن أعيد عليه سؤالي مرة أخرى عن واقع الطلاب الجنوبيين بالخرطوم، أجابني باقتضاب بيتر طالب كلية الطب “بامانة تعبانين جداً”، ويعتقد أن الرسوم الجامعية والدراسية تمثل لهم هاجساً مؤرقاً ومزعجاً لجهة عدم قدرتهم على الإيفاء بها، وكذلك ضعف استجابة حكومتهم في حاضرة دولة الجنوب جوبا بشكواهم التي يبثونها بين الحين والآخر من أجل تذكيرها بحجم معاناتهم والصعوبات التي تواجههم مادياً.

جوفري مثله والآلاف من الطلاب الجنوبيين الذين اختاروا السودان مقصداً لتعليمهم قبل وعقب اندلاع الحرب التي وضع لها السودان أخيراً حداً بقيادته طرفي النزاع الى توقيع اتفاقية سلام، والواقع يؤكد أن عدداً مقدراً منهم عجز عن إكمال مسيرته التعليمية لأسباب مادية بحتة.

الظروف تقهر الشباب

جوفري وفليب وكريستينا ثلاثتهم طلاب بجامعات بالعاصمة السودانية الخرطوم ألقى عليهم الانفصال الذي حدث في العام 2011 بظلاله السالبة، فقد ظلوا وآخرون ضحايا عدم إكمال مشوارهم التعليمي، كل واحد منهم يسرد قصته الحزينة التي تبدو خاتمتها واحدة وتتمثل في توقف مسيرتهم التعليمية ويعلقون تبخر أحلامهم على مشجب التقلبات السياسية بالدولة الوليدة، الشاب الجنوبي جوفري لم يجد أمامه غير هجر التعليم لظروف أسرته القاهرة ـ كما يؤكد، بعد توقف مسيرته التعليمية فضل البقاء في الخرطوم حيث يعاني أوضاعاً اقتصادية يصفها بالصعبة، ويقول إنه وحتي يبدد حالة الاستياء التي تعتريه بداعي البطالة، فإنه يحضر يومياً إلى مدارس كمبوني بوسط الخرطوم وهي المنطقة التي يتوافد إليها الجنوبيون المقيمون بالخرطوم من كل الأحياء خاصة الطرفية.

كمبوني والعشق

حتى أتلمس معاناة الطلاب الجنوبيين لم يكن أمامي غير التوجه ناحية وسط الخرطوم، حيث مجمع مدارس كمبوني التي ما تزال تحتفظ برمزيتها بحكم أنها مخصصة للتعليم باللغة الإنجليزية ويرتادها الجنوبيون والصورة الثابتة هي جلوس المئات من الجنوبيين في مجموعات بالقرب من بائعات الشاي الجنوبيات اللواتي ينتشرن في الخرطوم، كل مجموعة تتحدث بلغة مختلفة عن الأخرى، فهنا نوير وهناك شلك، وفي موقع آخر يجلس الدينكا، وفي محل رابع يوجد خليط جنوبي من كل القبائل، مجمل الحديث يدور حول قضاياهم، جلست إلى عدد من المجموعات وفضلت الاستماع فقط، وجدت نفسي وسطهم واتجاهات الحديث تتنوع، بل حتى قضايا ظلت شائكة منذ فترة الاستعمار مثل قانون المناطق المقفولة وجدتها حاضرة، أكد الجالسون أن لها آثاراً سالبة ألقت بظلالها على الجنوب وقادت إلى الانفصال، والحديث عن الحرب وتوقيع اتفاقية سلام كان أيضاً عنواناً بارزاً.

مخاوف وهواجس

وجدت صعوبة في بداية الأمر في استنطاق الجنوبيين، ولم أتمكن من معرفة السبب، غير أنه وفي خضم حيرتي يبدو أن أحدهم رق قلبه لحالي، وهو الطالب أكول الذي يدرس بإحدى الجامعات السودانية الذي أرجع التحفظ إلى الخوف من وسائل الإعلام، غير أنه أكد أن الطلاب الجنوبيين يواجهون معاناة حقيقية خاصة فيما يتعلق بالرسوم التي اعتبرها الهم الشاغل، مبيناً أن الانفصال ألقى بظلاله السالبة عليهم، لأن الجامعات السودانية باتت تعاملهم بوصفهم أجانب وعليهم تسديد الرسوم بالدولار، الأمر الذي يؤكده أكول أنه أدى إلى تشريد معظم الطلاب من الجامعات أو تجميدهم الدراسة.

فيما طالبت الخريجة الجامعية جاكلين سايمون بمراعاة ظروفهم الاقتصادية، وأن تتم معاملتهم أسوة بإخوتهم السودانيين، مؤكدة أنها تشكل لهم هاجساً مؤرقاً.

توقف مشوار طالب

من جهته، أكد طالب الطب بإحدى الكليات بالخرطوم بيتر فشله في أكمال دراسته الجامعية بسبب الرسوم المفروضة عليه التي عجز عن سدادها، متحسراً على ضياع مستقبله، مبيناً أنه بات دائم الحضور مع رفقائه إلى وسط الخرطوم بعد أن فقد فرصة مواصلة دراسته الجامعية، وقال إن عدد الطلاب الذين تخرجوا من الجامعات يعانون من عدم الحصول على وظائف، وقال إن الوضع في الشمال بالنسبة للمواطن الجنوبي بات معقداً للغاية.

هاجس اللغة

لمعرفة مشاكل الطلاب الجنوبيين أكثر، توجهنا ناحية مدارس كمبوني، وفي هذا الصدد، فإن المعلم إبراهيم محمد، يشير إلى أن التعليم بكمبوني يبدأ من الأساس حتى الجامعة باللغتين العربية والإنجليزية، مبيناً أن أعداد الطلاب كبيرة خاصة القادمين من دولة الجنوب خصيصاً للدراسة، موضحاً أن الرسوم ليست عالية وأنه تتم مراعاة ظروف الطلاب.

زهرة التعليم

ظللتُ مرابطة لفترة ليست قصيرة بإحدى المدارس المسائية التي تقوم بتدريس الطلاب الجنوبيين، إلى أن التقيت بمديرها الذي رحب بحضوري، حيث أشار فكتور قارويج مدير مدرسة (برلنت)، وتعني زهرة التعليم الجديدة وتقع جنوب الخرطوم، وقال إن طلاب مدرسته نزحوا من دولة الجنوب، ولم يسبق لهم الدراسة بمدارس بالخرطوم، واشتكى قارويج من مشكلة ترحيل الطلاب لحضورهم من مناطق بعيدة بالعاصمة منها جبل أولياء، مايو، الأزهرى، الكلاكلة الوحدة، الدخينات وتريعة البجا، موضحاً في حديثه لـ(الصيحة) أن تسديد قيمة إيجار المدرسة يتم من خلال المساهمات التي تتم من قبل أولياء الأمور، نافياً وجود جهة تدعمهم، وقال إنهم يعملون متطوعين بعد أن كانوا قبل الانفصال موظفين في الحكومة، إلا أنهم فقدوا وظائفهم، وكشف قارويج أن مدرسته تضم حوالي (250) طالباً وطالبة في مرحلة الأساس، وقال إن عدد الذين تم إعفاؤهم من الرسوم يبلغ 41 تلميذاً لجهة أنهم أيتام.

بيئة متردية

ويشير فكتور قارويج في حديثه، إلى أن إيجارات المباني تمثل لهم مشكلة كبيرة يعملون على تجاوزها عبر استقطاب المزيد من الدعومات حتى لا يتأثر الطلاب برفع قيمة الرسوم، موضحاً أن من ضمن العقبات التي تواجههم تفاوت أعمار الطلاب، وأنهم في سبيل ذلك يعملون على تصنيفهم حتى يتمكن الكبار منهم من مواصلة مشوارهم التعليمي، ورأى أن المعاناة الحالية تعد أفضل حالاً من أن يترك الصغار وهم يهيمون على وجوههم ويتعرضون للتشرد في الأسواق ومكبات النفايات، معتقداً أن تعليمهم يسهم في إبعادهم عن دائرة الجريمة، ولفت إلى أن تعليم أبناء الذين يقطنون المعسكرات من اختصاص المنظمات الطوعية.

اختلاف في المناهج

من ناحيته، كشف شان كوث، معلم مادة التاريخ والعلوم العسكرية بمدرسة مخصصة للطلاب الجنوبيين بالخرطوم عن اختلاف منهج دولتي الجنوب والشمال، مبيناً أن بعض الطلاب يجدون صعوبة بالغة في التعلّم بالمنهج السوداني خاصة لأولئك الذين حضروا من دولة الجنوب إلى السودان، وأضاف: هذه المدرسة تم افتتاحها قبل أربع سنوات، والهدف منها أن يسهم التعليم على امتصاص الخلافات القبلية التي يمكن أن تؤثر مستقبلاً على الطلاب خاصة مع الذين توفي أولياء أمورهم بسبب الحرب من الناحية النفسية، وأكد أن المحلية ساعدتهم في إجراءات افتتاح هذه المدرسة، وانهم تلقوا تعاملاً جيداً من قبل الجهات المختصة

شكوى

سايمون، طالب بإحدى الجامعات السودانية، تخصص تمريض، حدثني عن معاناتهم في الدراسة بسبب اشتراط الجامعات السودانية تحصيل الرسوم بالعملة الصعبة، وقال إن لديه عدد من الأشقاء تركوا الدراسة لهذا السبب، وطالب وزارة التعليم العالي بإعفائهم من الرسوم الجامعية لأوضاعهم المادية التي يصفها بالحرجة.

وشكا سايمون من الحروب التي دارت بدولته، واعتبرها سبباً مباشراً في ضياع مستقبلهم الأكاديمي.

عدم قبول

من ناحيتها، تكشف المعلمة نصرة، التي تعمل بمدرسة مخصصة للاجئي دولة الجنوب عن وجود مشاكل تعرقل تعليم الطلاب الجنوبيين خاصة فى مدارس الجريف، تتمثل في عدم قبول الطلاب الجنوبيين في المدارس الحكومية بداعي عدم امتلاكهم المستندات الرسمية التي ضاعت بسبب الحرب، وقالت إن عدداً مقدراً من الطلاب الجنوبيين ونسبة لظروفهم المادية اختاروا الدراسة بعد المساء وغيرها، وأن الظروف المادية دفعت عدداً منهم لتفضيل الدراسة المسائية حتى يتمكنوا من العمل في الفترة الصباحية، مشيرة إلى عدم استيعاب المدارس الحكومية الطلاب الجنوبيين لعدم وجود معلمين يدرسون مادة التربية المسيحية، وقالت إن الطلاب الذين تتمتع أسرهم بأوضاع مادية جيدة فإنهم يلتحقون بالمدارس الخاصة، وكشفت عن أن معظم المعلمين في مدارس الجنوبيين من المتطوعين، معتبرة أن أكبر العقبات التي تواجههم تتمثل في ارتفاع قيمة إيجارات العقارات التي يستغلونها بوصفها مدارس للجنوبيين، وتؤكد وجود خلافات قبلية بين الطلاب يعملون علي احتوائها، وقالت إنه نتيجة لذلك، فإن اللجنة الشعبية بالحي الذي توجد به المدرسة التي تعمل بها هددت بإغلاق المدرسة حال تكرار الخلافات القبلية.

ضحايا نزاعات

من جهته، يقول الأمين العام لولايات غرب بحر الغزال الكبرى حسين، إن الطلاب الجنوبيين ضحايا للحرب العبثية التي دارت رحاها بدولة جنوب السودان الذي يؤكد أنها خلفت الجهل والأمية بصورة مخيفة، مشيراً إلى أن نحو (3660) طالب وطالبة من الجنوب بمحلية جبل أولياء أصبحوا خارج مقاعد التعليم، وقال إن الحرب التي دارت بدولة جنوب السودان كانت السبب الأساسي لارتفاع نسبة الأمية والبطالة، وخلقت ظروفاً اقتصادية حرجة، ولفت إلى أنهم أخطروا منظمة الدعوة الإسلامية حتى يتمكنوا من إلحاق طلابهم بالتعليم، مبيناً أن عدم استيعاب المدارس الحكومية بجبل أولياء أبناء الجنوب نسبة لضيق الفصول التي يصل عدد الطلاب إلى (75) طالباً في الفصل الواحد، بالإضافة إلى مشكلة الإجلاس. وأضاف أن منظمة الدعوة الإسلامية وعدتهم بحل مشكل الطلاب الجنوبيين.

مشاكل اقتصادية

من ناحيته، يقول جعفر مبارك إن طلاب الجنوب بالمدارس في الخرطوم يواجهون مشاكل أكبر من طاقاتهم تتمثل في الظروف الاقتصادية الراهنة، عطفاً على عدم استقرار الأوضاع الأمنية بالجنوب بصورة كلية حتى الآن رغم دخول اتفاقية السلام حيز التنفيذ، وقال إن الحرب بالجنوب انعكست سلباً على شريحة الطلاب الذين لم يجد كثير منهم غير اللجوء إلى السودان ويؤكد أن وجودهم في دولة أخرى بوصفهم لاجئين ساعد في تخفيف حدة النزاعات القبلية بينهم، مؤكداً حاجة طلاب الجنوب لعناية خاصة.

الخرطوم: مياه النيل مبارك
صحيفة الصيحة.

تعليق واحد

  1. اقتباس: (كمبوني والعشق
    حتى أتلمس معاناة الطلاب الجنوبيين لم يكن أمامي غير التوجه ناحية وسط الخرطوم، حيث مجمع مدارس كمبوني)
    قبل ان تتلمسي معاناة الطلاب الجنوبيين والتباكي على وضعهم المذري والذي صنعوه بأيديهم وكما يقول المثل (على نفسها جنت براقش)

    ارجو ان تلتفتي لمعاناة أهل البلد وابنائهم فهم أحق بدموع التماسيح تلك التي زرفتيها على هؤلاء الاوغاد والذين لم يجني البلد منهم غير التصرفات السالبة من قتل وسرقة ونهب وقطع الطرقات وتصنيع جميع انواع الخمور عليهم اللعنة أينما حلوا أو ارتحلوا