رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: لا.. يا هارون!


-1- كنتُ أُتابع نهار أمس، تغطية عددٍ من القنوات الفضائية العالمية، لقضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
القضية أصبحت الأُولى دون منازع، في أجندة الدَّوائر السياسية والاقتصادية والإعلامية العالمية.

يقف العالم أجمع على أصابعه، في انتظار ما ستُسفر عنه التحقيقاتُ والتداعياتُ المُتسارعة، ما بين اسطنبول والرياض وواشنطن.
لو كان جمال خاشقجي يشغل أية مهنة أُخرى غير أنه صحفي، لما وجد كُلَّ هذا الاهتمام العالمي.
مصدر الاهتمام والمتابعة لارتباط خاشقجي بمهنة مُسالمة سلاحُها القلم، ومُرتبطةٌ بحُريَّة الرأي والتعبير والضَّمير.
العالم أجمع، أصبح شديد الحساسية تجاه ما يُلاقيه الصحافيون من اعتداءات وتجاوزات، تمسُّ حُريَّتهم وتُمثِّل خطراً على حياتهم.
-2-
نبَّهني وزيرُ الدولة بالمالية السابق، مجدي يس، في مُناسبة اجتماعية، لما كشفتْ عنه المُتابعة العالمية لقضية اختفاء خاشقجي؛ عن أهمية الصحافة كمهنة إنسانية رفيعة، يحرسها رأي عامٌّ عالميٌّ يقظ.
ستكشف الأيام القادمة حقيقة ما حدث لجمال خاشقجي، وسيتمُّ تحديد الجناة بالاسم والعنوان، عندها سيقول العالم كلمته وسيُصدر أحكامه، قبل أن تُحدِّد الحكومات مواقفها بدراسة جدوى الرِّبح والخسارة، وقبل انعقاد المُحاكمات القضائية.
-3

المُهم، أثناء مُتابعتي النهارية تلك، فُوجئت على الشريط الإخباري لعددٍ من القنوات العربية، بخبر اعتقال السلطات الأمنية السودانية 20 صحافياً من أمام البرلمان!
أعرف كثيراً من تفاصيل الخلاف بين إدارة الإعلام بالبرلمان، وعددٍ من المُحرِّرين المُكلَّفين بتغطية الجلسات.
هذه القضية الصغيرة، لها أكثر من شهرين، تهدأ إلى حين، ثم تُعاود الاشتعال في دوائر أهل المهنة وقروباتهم الواتسابية.
تلقَّيتُ قبل فترة اتصالاً من الأستاذ عبد الماجد هارون، مسؤول الإعلام في البرلمان وقائد المواجهة مع المُحرِّرين، وسرد لي تفاصيل الخلاف من وجهة نظره.
كان تعليقي: بإمكانكم إيجاد معالجات موضوعية مع المُحرِّرين أو إدارتهم التحريريّة، فالأمر سهل وبسيط وخالٍ من التعقيد، ويحتاج إلى قليل من السعي والاتصالات.

-4-
في اجتماع مدير جهاز الأمن والمخابرات، الفريق أول صلاح قوش، بعددٍ من القيادات الصحافية بمباني البرلمان، بحضور رئيسه البروفيسور الجليل إبراهيم أحمد عمر، أُثير الموضوع وقُدِّمَتْ مقترحاتٌ لاحتواء المُشكلة في ذلك الطَّور.
كنتُ أتوقَّع انتهاء تلك الأزمة الصغيرة، في ذلك الحيِّز الضيِّق الذي لا يتجاوز أهل المهنة وإدارة البرلمان.
للأسف، تصاعد الخلاف، وأصبح مادة إخباريةً في القنوات العالمية، وموضوع اهتمام مُنظَّمات حماية الحُريَّات الصحفية، وموضع سؤال السفارات الأجنبية!

-5-
هكذا تكبر المشكلاتُ الصَّغيرة في السودان، فتخرُجُ من نطاقها المحدود جدَّاً، لتُصبح بحجم الأزمة العامَّة!
الخلافاتُ تبدأ صغيرةً ثم تتحوَّل إلى مشكلات، وإذا لم تجد الحلَّ الحكيم تُصبح أزمات.
يحدث ذلك لضعف التَّعامل معها في الطور الأول بحكمة، والرغبة في المُزايدات والانتصار للذَّات وركوب قطار العناد، فما كان صغيراً يكبر، وما كان محدوداً سيتمدَّد.
كان بإمكان الأخ عبد الماجد أن يحتوي المُشكلة بقليلٍ من الصبر والحكمة وحُسن التعامل، وألّا يجعل منها معركةً ينتصر فيها لنفسه أو الجهة التي يُمثِّلها.
عددٌ من الذين تعاقبوا على موقعه في البرلمان، حافظوا على علاقةٍ إيجابيةٍ بينهم والمحررين، وحتى في حالة الخلاف لا يمضي الأمر بعيداً ليصل إلى تدخُّل السلطات الأمنية!
المشاهدون الذين يقرأون على شاشة الفضائيات الكُبرى احتجاز السلطات الأمنية في السودان لعشرين صحافياً، لن يدور في خلدهم أن الاعتقال مُترتِّبٌ على خلاف شخصي أو إداري محدود.
ومُنظّمات حقوق الإنسان والحريات ستأخذ من الخبر دليلاً على انتهاك حُريَّات الصحافة والتعبير في السودان!

-6-
أعتقد أن الذهنية والنفسية التي تَعامل بها الأخ عبد الماجد هارون، تُعبِّرُ عن كثيرين غيره في الحكومة، يَمليون لحسم الخلافات مهما كانت صغيرةً عبر أدوات السلطة!

أعرف عدداً من المسؤولين عن الإعلام في أجهزة الدولة، استطاعوا أن يبنوا علاقات جيدة بينهم ومُحرِّري الصحف، دون أن تخصم تلك العلاقة من مهنية الصحفيين أو تنتقص من واجب المسؤولين.
-أخيراً-

وجد الأخ مجدي عبد العزيز معتمد أم درمان، الثناء والتقدير حين ارتبط اسمه أمس، بإطلاق سراح المُحرِّرين. ونال الأخ عبد الماجد هارون استياء الكثيرين، لأنه فشل في إدارة الخلاف بينه والمُحرِّرين في نطاقه الطبيعي والموضوعي: البرلمان ومكاتب إدارات الصحف.

بقلم
ضياء الدين بلال