تحقيقات وتقارير

دراسة تُطالب بزيادتها ضعف أجور العاملين.. دعوة صريحة للفساد مجلس الأجور: نقدم سنوياً التوصية بزيادة الأجور.. ولكن!!

اتحاد العمال: الدولة لن تستطيع توفير راتب مساوٍ لتكاليف المعيشة
وزير مالية سابق: ضعف الأجور سبب في الفساد وهدر ممتلكات الدولة

آدم الذي يعمل بوزارة خدمية بولاية النيل الأزرق، وحينما سألته عن رأيه عن وجود اتجاه لزيادة أجور العاملين بالخدمة المدنية، لم يتركني أكمل حديثي، وقال وقد كسا الغضب ملامح وجهه “خليهم أول يدونا مرتباتنا في زمنها “، وواصل حديثه مبيناً أن العاملين في أجهزة الحكومة بالنيل الأزرق لم يتسلموا راتب شهر سبتمبر حتى الثلاثين من أكتوبر، ويعتقد أن الزيادة تفرضها الضرورة الاقتصادية.

وذات الشكوى التي جرت على لسان الخمسيني آدم الذي يتملكه الاستياء، فإن منسوبي الخدمة المدنية الذين يربو عددهم على 770 ألف عامل توجه ناحيتهم 25% من الموازنة العامة، عبروا عن غضبهم من تأخير أجورهم منذ بداية هذا العام، واعتبر عدد مقدر منهم أن انتظام الراتب في موعده هو حلمهم الأول، فيما يعتقدون أن الزيادة مطلب ملح يجب أن تسعى إليه الحكومة وتعمل على تحقيقه على أرض الواقع.

معاناة حقيقية

المعلم حسن بولاية الجزيرة يعتقد بأنهم باتوا الحلقة الأضعف بين شرائح المجتمع، ويشير في حديث لـ(الصيحة) إلى أن منسوبي الخدمة المدنية عامة والمعلمون على وجه الخصوص يتعرضون لظلم واضح من قبل الحكومة اتحادياً وولائياً، مفسراً حديثه هذا بالإشارة الى تأخير صرف أجورهم الشهرية التي يلفت إلى أنها وعلى قلتها لم تعد تأت في موعدها كما كان سابقاً، ضارباً المثل بهذا العام الذي قال إنهم كثيراً ما استلموا اجورهم بعد مرور 45 يوماً وفي كثير أحيان بعد خمسين يوما، مؤكداً على أنهم يواجهون أوضاعاً معيشية بالغة السوء، ويرى أن زيادة الأجور التي أعلنتها الحكومة يجب أن تحدث اليوم قبل الغد.

أما آدم بولاية النيل الأزرق، فقد أكد على أنهم حتى الآن لم يستلموا أجورهم الشهرية، وأن هذا وضعهم تحت ضغط نفسي يصفه بالرهيب لجهة اعتمادهم الكامل على رواتبهم، وقال لـ(الصيحة) إن النقابات بالولاية ضعيفة ولا تستطيع الدفاع عن حقوقهم، وذلك لأن جل منسوبيها أعضاء في الحزب الحاكم، ويعتقد أن حكومة الولاية بقيادة خالد حسين سجلت فشلاً ذريعاً في أبسط مهمة وهي توفير الأجور الشهرية للعاملين.

أما عثمان الذي يعمل بوزارة اتحادية فيعبر عن بالغ سخطه من عدم انتظام الأجور الشهرية للعاملين في الدولة ويرى أن هذا مدعاة للفساد، لأنه لا يمكن أن يصرف العامل أجره لمدة أربعين يوماً، وفي ذات الوقت تتم مطالبته بعدم الاعتداء على المال العام، ويطالب تضمين زيادة الأجور في موازنة العام 2019.

احتجاج ورفض

وعلى ذات الصعيد، فقد شهد هذا العام ارتفاع أصوات عاملين في الحكومة احتجاجاً على عدم انتظام صرف الأجور في موعدها المحدد، وفي هذا الإطار فقد تجمهر في النصف الثاني من هذا العام مئات الأساتذة أمام بوابة وزارة التربية والتعليم في الخرطوم، احتجاجاً على تأخر صرف رواتبهم، وانعكاس ذلك على أوضاعهم الاقتصادية، وطالبت لجنة من الأساتذة، وزير التربية والتعليم بتحديد الخامس من كل شهر موعداً لصرف مستحقاتهم، إلا أن وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم فرح مصطفى، قال إن تأخر صرف الرواتب تم بسبب عدم وجود سيولة بالمصارف، نافياً مسؤولية وزارته عن التأخير، وبجنوب دارفور احتج أيضاً العاملون بالدولة على عدم سداد أجر شهر يوليو، وفي تصريحات لنقابي بالولاية، قال إن الضغوط المعيشية أجبرت المئات من الموظفين على أخذ إجازات بدون راتب والبحث عن أعمال أخرى لتغطية نفقات أسرهم، وفي أكثر من ولاية، فإن الاستياء على تأخير الأجور كان القاسم المشترك بين منسوبي الخدمة المدنية الذين اعتبروا الحديث عن الزيادة لا معنى له في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يرزحون تحت وطأتها بسبب تأخير استلام رواتبهم.

معاناة حقيقية

ورغم المعاناة التي يتكبدها العاملون بالخدمة المدنية في استلام رواتبهم في توقيتها الطبيعي، كما كان يحدث سابقًا فإن الحكومة قفزت خطوة الى الأمام حينما قررت زيادة الأجور في موازنة العام 2019، زيادة يرى كثير من العاملين أنها مطلوبة لجهة أن الحد الأدنى للأجور لا يغطي 16% من حاجة العامل.

وفي هذا الصدد، قال الأمين العام لمجلس الأجور عبد الرحمن حيدوب، إن المجلس يقدم سنوياً التوصية بزيادة الأجور، إلا أنها “تُؤخذ جزئياً أو لا تُؤخذ”، مشيراً إلى أن تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من 5 أشخاص لا تقل عن 9800 جنيه في حدها الأدنى، وقال إن الحد الأدنى للأجور للعيش تحت مستوى خط الفقر المدقع يجب أن يكون لكل شخص حوالي (2-7) دولارات لخمسة أشخاص يومياً بحسب البنك الدولي إلى وضع سياسات مستقرة للأجور، وتابع: “هناك صعوبة في ذلك، لجهة الظروف الاقتصادية الحالية”، وشدد على أهمية دراسة أثر زيادة الأجور على الأسعار، وقال: (الحقيقة أن وزارة المالية هي التي تحدد الأجور وليس مجلس الوزراء)، وكشف حيدوب عن مفارقات كبيرة في الأجور بالدولة، مشيراً إلى أن مرتب الخريج في الدرجة التاسعة في بعض الأحيان يكون أعلى من وكيل وزارة وطالب بأن تحظى سياسات المجلس الأعلى للأجور بالاهتمام الكامل من الحكومة، وشدد على تنشيط التعاونيات، مشيراً إلى أنها انهزمت لسوء الإدارة.

اعتراف صريح

سعينا في الصيحة الى استنطاق رئيس اتحاد نقابات عمال السودان عن اسباب تأخير صرف أجور العمال في موعدها وجهودهم التي بذلوها من أجل زيادتها، إلا أننا وجدنا صعوبة بالغة في ذلك، غير أن علي عبد الكريم وفي تصريح سابق للصيحة أقر بوجود مشكلة حقيقية في الأجور التي اعترف بأنها لا تفي لمواجهة تكلفة المعيشة، قال فلسفتهم قائمة على التصالح مع الحكومات، وجزم بأن الدولة لن تستطيع توفير راتب مساوٍ لتكاليف المعيشة التي تزداد غلاء يوماً بعد يوم.

ومضى عبد الكريم معترفاً بوجود فرق بين الأجر الذي يتقاضاه العامل وتكلفة المعيشة بالسودان، ويجد عدم مقدرة الدولة على رفع الأجور تفهمًا لدى رئيس اتحاد عمال السودان، ويبرر قوله هذا بالتصالح مع الحكومة في سبيل الضغط عليها من أجل الوصول إلى الحد الأقصى للأجور وإلزامها بزيادتها، ومع ذلك نجده يقول إن الدولة غير قادرة على هذا الدفع، مفسراً قوله: نحن لسنا مثل دول الخليج التي وصلت إلى قدر عال من الرفاهية حتى أضحى المواطن فيها منعماً في ظل ظروف اقتصادية مواتية والسودان مواجه بوضع اقتصادي أقل ما يوصف بأنه صعب ولا تستطيع الدولة أن توفر مرتباً يعادل تكلفة المعيشة.

البون الشاسع

عدم مقدرة الدولة على رفع الأجور كانت هي الشماعة التي ارتكز عليها رئيس اتحاد عمال السودان والذي بدا أكثر صراحة حينما ذكر لـ(الصيحة) أن الأجر غير مساوٍ لتكلفة المعيشة ولا يوجد تناسب منطقي بينهما والبون شاسع، مع الأخذ في الاعتبار أن الحد الأدنى للأجور ما بين 425 و600 جنيه، وهذا الأجر المتواضع لا يفي بحاجة من يقتات عليه ولا يكفي لسد 18 أو 19% من حاجة العاملين أو من تكاليف حياتهم اليومية، وحتى عدم قدرة الدولة على سداد المرتبات تعد واحدة من العقبات التي تواجه العامل السوداني، فإقرار الزيادة على الرواتب الذي يدغدغ أحلام العاملين سرعان ما يتبخر ويصبح عبارة عن متأخرات تعجز الدولة عن سدادها.

أسباب متعددة

ضعف الاجور وتأخيرها ينظر إليها وزير المالية السابق بولاية القضارف، الخبير الاقتصادي، معتصم هارون من زوايا متعددة، ويشير في حديث لـ(الصيحة) إلى أن كل الدراسات أثبتت أن الأجور التي يتلقاها العاملون في الخدمة المدنية تعد متواضعة ولا تفي ولو بنسبة محدودة المنصرفات الشهرية، ويقول إنها ورغم ذلك باتت تتأخر عن موعدها في الفترة الأخيرة، ويلفت إلى أن المرتبات تدخل ضمن المنح الاتحادية أو التحويل الجاري، مشيراً إلى وجود توجيه من رئيس الجمهورية يشدد على أن تضع حكومات الولايات الأجور الشهرية للعاملين على رأس أولوياتها، كاشفاً عن التحويلات الجارية في عدد مقدر من الولايات لا تكفي لتغطية الأجور وأن هذا يلقي بأعباء إضافية على الحكومات التي تعمل على تغطية العجز من الموارد المحلية، ويرى أن لهذا انعكاساً مباشراً على تسيير دولاب الدولة، فيما يتعلق بالخدمات، ويرى أن توجيه الموارد ناحية الأجور يعني مباشرة تراجع نسبة الصرف على التنمية والخدمات، واصفاً المعادلة بالشائكة.

اختلاف بين الولايات

ويمضي الخبير الاقتصادي معتصم هارون في حديثه ويشير إلى أن الفصل الأول يختلف من ولاية إلى أخرى، وأن بعض الولايات لا تواجه مشكلة في هذا الإطار، ويستلم عمالها أجورهم في توقيتها المعروف، وقال إن هذه هي الولايات التي تنفذ مشروع تشغيل الخريجين الذي أكد أنه ضاعف من الصرف على الفصل الأول، ويعتبر من الأسباب المباشرة في تأخير استلامها، ويلفت إلى سبب ثان يتمثل في الزيادة التي طرأت على المرتبات والتي بلغت 20%، وقال إنها ضاعفت من الضغط على الموارد الولائية، معتقداً أن تجفيف السيولة من البنوك تعد من أبرز أسباب تأخير صرف المرتبات، ويقول هارون إن قرار الحكومة القاضي بإغلاق كل الحسابات الحكومية في المصارف وحصرها على بنك السودان سبب أزمة أخرى أسهمت سلبًا في توفير الأجور للعاملين.

زيادة حتمية

ويتفق الدكتور معتصم هارون مع المجلس الأعلى للأجور حول أهمية زيادة الحد الأدنى إلى ثمانية آلاف جنيه للعامل، وذلك لأن التضخم أسهم في ارتفاع الأسعار ووضع أصحاب الدخول المحدودة أمام امتحان قاسٍ جعل كثيرين يكتفون بتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة وصرف النظر عن ضروريات أخرى باتت في خانة الترف رغم أهميتها،لافتاً إلى أن ضعف الأجور وتأخيرها ينعكس سلباً على دولاب العمل، ويضعف من ولاء العامل، وقد يكون سبباً في الفساد وهدر ممتلكات الدولة وعدم الرضا الوظيفي، ويؤكد هارون أن زيادة المرتبات باتت أمراً ملحًا وضرورياً بالإضافة إلى توفيرها في موعدها، وذلك من أجل استمرار دولاب العمل في الدولة.

الخرطوم: صديق رمضان
صحيفة الصيحة.

تعليق واحد

  1. سؤال الى السيد رئيس الجمهورية عمر حسن احمد البشير وكل مسؤلين الدولة الكبار
    هل تقدرون على توفير الاحتياجات اليومية من اكل وشرب وتعليم عيال ومجابهة مرض وغيرها من الاشياء الضرورية للحياة البسيطة بمبلغ 6000 الف جنية فى الشهر ؟ اي ما يعادل 200 جنية يوميا … مع العلم هذا مرتب دكتور كبير فى الجامعة , ما بالك بمرتبات صغار الموظفيين والعمال فى الدولة …..
    كلكم راعى وكلكم مسؤل عن رعيتة يوم القيامة , حيث لاينفع مال ولا بنون ولا سلطة , سوف تحاسبون على كل صغيرة وكبيرة …من يعمل مثقال ذرة خيرا او شرا سوف يراها ان شاءالله يوم القيامة …اتقوا الله فى شعبكم …..من الذى وضع الحق لكبار المسؤليين من رئيس الجمهورية الى اصغر دستورى العالج فى ارقى المستشفيات الخاصة بالبلاد وخارجها و من الذى وضع الحق لضباط الشرطة والجيش والامن ومنسوبيهم من العلاج فى مستشفيات مؤسساتهم التى شيدت من المال العام ويحرم منها المواطن البسيط … مع العلم ان العلاج فى الدول المحترمة مجانى لجميع افراد الشعب من الرئيس الى الغفير وجميعهم يتعالجون فى نفس المستشفيات …