الطاهر ساتي

وهذا مُعيب ..!!


:: عند تنفيذ قرار رئيس الجمهورية الخاص بفك احتكار استيراد الأدوية، بحيث لا يكون هناك وكيل حصري يحتكر استيراد الأصناف الدوائية، وعندما يطرح المجلس القومي للأدوية عطاءات أدوية العام 2019 لكل شركات الأدوية المسجلة بالسودان،

بحيث يكون التنافس شريفاً بالجودة والأسعار، هنا يبقى السؤال المهم للغاية: بأي أسعار الدولار الحالية سوف يتم طرح هذا العطاء؟.. لو طرح مجلس الأدوية العطاء بسعر الآلية والذي لا ينقص كثيراً عن سعر السوق الأسود، فهنا تكون الحكومة قد تمادت في تحرير أسعار الأدوية ورفع الدعم عنها، وهذا ما لم يعد يطاق!
:: نعم للأسف، ليس جشع الوكلاء وحده، بل رفع الدعم أيضاً يساهم في تشكيل هذا الواقع البائس.. والشاهد رغم تحكم وزارة المالية ومجلس الأدوية على السعر التأشيري لدولار الدواء، وهو حالياً (30 جنيه)، فما تزال أسعار الدواء في بلادنا هي الأعلى في دول الشرق الأوسط، حين تقارن الأسعار بمستوى دخل الفرد، حسب التقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في العام (2007)، وكان التقرير الأخير، إذ يقول: (أسعار الدواء في السودان هي الأعلى في هذا الإقليم، وتضاعفت أسعار بعض الأدوية (18 ضعفاً) عن أسعارها في المؤشر العالمي).. ويمضي ذات التقرير قائلا: (الكويت – تلي السودان في الترتيب – وصلت أسعار بعض الأدوية فيها فقط خمسة أضعاف سعرها في المؤشر العالمي).

:: وفي ذاك العام، أي قبل (11 سنة)، بحيث سعر الدولار لم يكن جنونياً كسعر هذا اليوم، ختمت المنظمة تقريرها موضحةً أسباب الغلاء بالنص: (يعزى ذلك إلى هامش الربح الكبير الذي تضعه شركات الأدوية غير الملتزمة بالتسعيرة وإلى الرسوم الحكومية المفروضة).. هكذا كان الحال.. أي لم يكن المجلس رقيباً فاعلا بحيث لا يكون هامش ربح الشركات كبيراً، وكذلك لم تكن الحكومة رحيمة بحيث لا تفرض رسوماً.. وعليه، إن كان ذاك حالنا قبل قرار التحرير وارتفاع سعر الدولار، فكيف وأين يكون يكون ترتيب السودان في قوائم منظمة الصحة العالمية بعد سياسة اقتصاد الصدمة.. أي لم يعد تحالف أطماع الشركات وأثقال الرسوم الحكومية فقط هو المسؤول عن الغلاء، بل رفع الدعم أيضاً.

:: ثم صحيح أن نهج مجلس الأدوية كان يشجع الشركات على احتكار الأصناف الدوائية، إذ لم يكن هناك تنافس في استيراد الأصناف، ولم يكن هناك تنافس في تسجيل الأصناف الدوائية، أو كما نتوقع بعد قرار فك الاحتكار.. فالنهج الإداري والقانوني لمجلس الأدوية كان عقيماً ومتخلفاً طوال العهود الفائتة، ولم يكن يشجع إلا على الغلاء والاحتكار و(الاستيراد).. سوريا، على سبيل المثال، تنتج (97%) من أدوية شعبها محلياً.. تنتج مصر (93%) من أدوية شعبها محلياً، وتنتج تونس (80%) من أدوية شعبها محلياً، وكذلك الجزائر ذات النسبة.. أما نحن في السودان – تحت ظل شعار توطين العلاج بالداخل – نستورد (80%)، وهذا معيب للغاية.

:: فالصناعة الدوائية في بلادنا لا تطلب المستحيل عندما تطالب بالدعم غير المباشر، بحيث تكون قادرة على استيراد مدخلات الصناعة بسلاسة، وقد أحسن القرار الرئاسي عملاً بمنع استيراد الدواء المصنع محلياُ بغرض الحماية.. فالشاهد ما يحدث في سوق القمح يحدث في سوق الدواء أيضاً.. هناك يدعمون شركات الدقيق ثم يسجنون المزارع بتهمة الإعسار، وهنا يدعمون وكلاء الأدوية المستوردة ثم يعطلون المصانع الوطنية.. علماً بأن شعار كل البرامج الاقتصادية – الثلاثي منها والخماسي – هو زيادة الإنتاج وتخفيض الوارد.. ولكن الشعار شيء والواقع ( شيء مؤلم).

 

 

اليكم – الطاهر ساتي
صحيفة السوداني


تعليق واحد

  1. للاسف نحن في بلد تحكمها عصابات الجريمة المنظمة و تسيطر على دولتها و تجارتها و صناعتها و جميع اوجه الحياة بقوة السلطة … هذه عصابات لا يهمها الا تحقيق اعلى الارباح و كنز المال بلا دين او اخلاق او ضمير …. محتكري الادوية نافذون في التنظيم الحاكم يحميهم و يحمي مصالحهم كل العقود الماضية … السلطة الحاكمة نفسها – غير محتكري الدواء – تتكسب من صحة المواطن مباشرة و غير مباشرة فمن الرسوم التي تفرضها المجالس المختلفة الى الجبايات و الضرائب و العوائد المختلفة التي تتحصلها من الدواء و من الصيدليات …. يتم ذلك دون ادنى ضمير او احساس بالمسئولية …. دعك من الدين فهؤلاء لا دين لهم الا مصالحهم الذاتية … الادادات الطبية و التي كانت توفر كل الادوية الاساسية و غير الاساسية و تمد بها مشافي الوطن مجانا اصبحت هي الاخرى قط سمين تتاجر في الدواء و تسعى نحو الربح و تستجلب اسوأ انواع الدواء لتبيعها باغلى الاسعار و انا مسئول عن هذا الكلام …
    التصنيع ايضا سئ و لا يخضع لرقابة و لا ضمير … بعض زملائي من الصيادلة الذين قاموا باجراء بحوث و دراسات علمية على كثير من اصناف الادوية المصنعة محليا و من مصانع مختلفة بينت الدراسة انخفاض مريع في المادة الفعالة لكثير من الادوية…. هنالك مافيا اخرى تقوم باعادة تعبئة الدواء و تغيير تواريخ الانتاج !
    نحن في بلد تحكمها الجريمة و تعمها الفوضى مع غياب تام للضمير و الاخلاق على مستوى الحاكمين و اتباعهم من السماسرة و المنتفعين.