رأي ومقالات

لماذا سعت الوكالة الإسرائيلية خلف إدارة أوباما؟


“بلاك كيوب”
لماذا سعت الوكالة الإسرائيلية خلف إدارة أوباما؟
ترجمها عن صحيفة هااراتز: ناجي شريف بابكر

(1)
عندما تم الكشف مبكرا هذا العام أن مؤسسة التخابر المالي قد كانت تستهدف أفرادا في فريق إدارة أوباما، كان من المعتقد أنها تعمل لصالح فريق السيد ترامب. لكن المستندات الرسمية للوكالة والتي قد تسربت لصحيفة “هاراتز” قد كشفت عن هدف ذي قيمة عالية – ألا وهو حجز الأموال الإيرانية عالميا.

كارولين تيس، لم يكن الإسم يعني الكثير لا على الصعيد الإسرائيلي ولا الأمريكي. ولدت كارولين في العام 1979. عملت في الدواوين الحكومية كمساعد للسيد “هاري ريد” رئيس الأغلبية بمجلس الشيوخ الأمريكي. كما عملت كمساعد للسفير الأمريكي بالأمم المتحدة سوزان رايس، وسامانثا باوار. في العام 2014 تم تعيينها لاحقا كمدير للشؤون التشريعية في مجلس الأمن القومي، تحت قيادة الرئيس أوباما. في هذا الموقع قامت الآنسة تيس، بالتنسيق لكل المساقات التشريعية المتعلقة بالصفقة النووية مع إيران، وما يتعلق بتمريرها في مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النواب.

هااراتز، قد تمكنت من التوصل لأن الآنسة تيس قد كانت هدفا لوكالة التخابر الأسرائيلية التي عرفت باسم “بلاك كيوب”، وذلك من خلال تحقيقاتها السرية حول إدارة الرئيس أوباما.

إعتمدت تحريات هااراتز علي عناصر كانت قد عملت في الوكالة، وعلي مستندات داخلية تكشف عن مجمل العملية التي قامت بها ضد موظفين كبار في إدارة الرئيس أوباما، غاية العملية، ومصادر تمويلها.

في مايو الماضي نشرت صحيفتا “الأوبزيرفر” و”النيويوركر ماغازين” مقالات عن عمليات تجسس جرت ضد كبار موظفي إدارة الرئيس أوباما. أبرزهم السيدان نائب مستشار الأمن القومي للإتصالات الإستراتيجية السيد “بن رودز”، بالإضافة لمستشار نائب الرئيس لشؤون الأمن القومي السيد “كولن كال”. بلاك كيوب قامت بإجراء الإتصال بكليهما تحت غطاء وهمي لمناقشة الشأن الإيراني. إلا أن العملية قد فشلت وتم أكتشافها. لكن عملية أخرى كان يفترض أن يتم إعدادها من جديد للإيقاع بالآنسة “كارولين تيس”.

تمثل الجزء الأكثر صعوبة في مهمة “بلاك كيوب” في العمل علي إستدراج الهدف لعقد إجتماع مع عناصرها. بالنظر لطبيعة المهمة، يلزم الأخذ في الحسبان أن الأثرياء من الناس ومديري الشركات وكبار موظفي الحكومة، عادة ما يكونون علي قدر كبير من الحذر في تقبل الإلتقاء بأناس غرباء.

قامت الوكالة بإعداد ملفات متعلقة بكل واحد من أهدافها. تدون تلك الملفات تاريخهم المهني، عناوين إقاماتهم، أسماء والديهم، أشقائهم، أزواجهم، وأطفالهم، وهواياتهم، وذلك حتي يتم التمكن من تحديد نقاط الإهتمام في حياتهم والتي تجعل التلاقي بهم ممكنا.
.
(2)
البحث والتحري حول الآنسة تيس، قد أوضح أن الغوص قد كان هوايتها الرئيسية. وأن صورة لها تعود للعام 2016 خلال رحلة لها إلي كوبا، قد تم العثور عليها في صفحة نادي غوص خاص بالنساء في الفيسبوك تحت مسمى “دايفنك دايفاس”. كما أن موقع آخر قد أظهر ملاحظات كانت قد دونتها هي على مواقع مختلفة للغوص حول العالم. توصلت الوكالة لخلاصة مفادها أن الوسيلة الأنجع للتوصل إلي الآنسة تيس تمر عبر موهبة الغوص.
قاموا عقب ذلك بإنشاء موقع إسفيري لنادي أرجنتيني للغوص تحت مسمي “نيو بورتو أوشن كلوب”. كان المقر الذي إختاروه للنادي 557 بوشارت، عبارة عن مبني في خليج بونس إيرس.

“مرحبا الآنسة تيس”.. كانت تلك الجملة هي بداية رسالة البريد الإلكتروني المفخخة التي قامت بإرسالها بلاك كيوب.. “إن إسمي بيترز رويس، أعمل كرئيس لنادي نيوبورت أوشن كلوب، وهو مؤسسة غير ربحية تعني بهواة الغوص، يقع مقرها في بونس إيرس بالأرجنتين. تعرفت مصادفة علي صفحة بالفيسبوك تحت مسمى “دايفنك دايفاز كلوب” وقد نالني الإعجاب والرغبة في طلب تعاونك”.

“إننا منظمة غير ربحية، وأن كل رحلاتنا مكفولة، (أي مدفوعة القيمة من محسنين)، وأننا نرغب في التعاون مع “دايفنك دايفاز كلوب”. كنت أصبو إن كان بإمكاني التحدث معك علي التلفون للحصول علي بعض المعلومات، كما سأكون في غاية السعادة في أن أعرض عليك مرافقتنا في رحلة علي أية وجه ترينه. حاولي زيارة موقعنا علي الرابط الموضح أدناه. سأكون في إنتظار إفادتك”.. لكن السيدة تيس لم تقم بالرد علي الرسالة الزائفة.
.
(3)
عميل سري للموساد:
أصبحت بلاك كيوب مثار كثير من عناوين الأخبار في السنين الأخيرة، رغم أنها قد تم تأسيسها في العام 2010، بواسطة الدكتور “آفي يانوس” و السيد “دان زوريللا”. إن مصدرا مقربا من الوكالة قد أخبر هااراتز أن مؤسسات قانونية رفيعة في الولايات المتحدة لم يعد لديها الرغبة في التعاون مع وكالة التخابر، لكن فيما يبدو أن هناك من القانونيين من يحمل مبادئا مغايرة لذلك.

ففي فبراير المنصرم، كانت الوكالة قد شرعت في الرحيل إلي موقع بمنشأة جديدة، طابق كامل في برج بانك ديسكاونت تاوار، في تقاطع يهوذا هالفي مع هيرزل بوليفار في تل أبيب. زوار المكتب كانوا يمرون عبر مدخل مدهون بطلاء أسود لا يحمل أية دلالات.
موظفون سابقون في بلاك كيوب قالوا أن الوكالة تعمل كمؤسسة تجسس سرية. وقد كان ذلك لضرورات فعلية وملحة من جانب، ومن جانب آخر كان ذلك في سعي منها لعكس إنطباع محدد.

بوابات المكاتب كانت تفتح من خلال تقنية بصمات الأصابع. وأن مكتب السيد زوريللا المدير العام، كان يحتوي علي أثمن مجموعة من زجاجات الويسكي والكوغنياك في العالم، جاهزة لتقديمها لزوار المكتب، لم يكن ذلك مصادفة البتة. إن غرفة الإستقبال في مكتب وكالة الموساد، في غليلوت شمال تل أبيب، تغدق على زوارها بمشروبات من هذه الشاكلة، فيما يبدو أنها أغلي ما يمكن أن يمنحه لك العالم. بلاك كيوب، ترغب في إعطاء عملاءها الإنطباع في أنها نسخة أخرى للموساد، أيا كان الهدف.

هيكل الوكالة كان يحاكي تشابها واضحا مع وكالات التخابر الإسرائيلية، “هناك عدة أتيام، يطّلع كل منها بدور مغاير ومميز”، ذلك ما قاله أحد الموظفين السابقين.. “كمحلل، فإنه من الصعب عليك أن تطّلع بكافة المحتويات. سيتم مدك بمعلومات تقنية متخصصة (SEI)، تعرفك فقط علي مساقات التخابر المستهدفة بالتحديد، فيما يقوله (س) عن (ص) علي سبيل المثال، يلزمك أن تقرر في جدوى الحصول علي تلك المعلومة ، ومن من الناس يغلب عليه الأحتمال في معرفته وإلمامه بها، وماهي المحفزات والدواعي التي من الممكن أن تجعله يفصح عنها. لكن ما لا يجب علينا أن نعرفه كمحللين هو ماهية المخدمين والعملاء الذين تقوم الوكالة بخدمتهم”.

بالنظر لأن معظم عمليات البلاك كيوب عادة ما تتم تحت غطاء، فإن المحللين يتم تكليفهم بإختلاق قصص متوهمة.. “مثال لذلك يتم شراء شريحة موبايل وفتح حسابات هواتف بأسماء غرباء، بما يتناسب والقصة المتوهمة”.. الحديث للموظف السابق، والذي كان يتحدث دون الكشف عن هويته.. “إن من يردّ علي المكالمة، سيكون في معظم الأحيان في مكتب بإسرائيل. الحصول علي مجال لكل ذلك يتوجب توفره علي بطاقة إئتمانية لا علاقة لها بالشركة، وذلك لإبعاد شبهة المعاملات عنها. إن هناك فريق لوجيستي مهمته الإهتمام بتلك التفاصيل العملية.
.
(4)
النشطاء (زي أكتيفز):
الوكلاء يمثلون قمة الرمح بالنسبة للوكالة، ففي قضية فينستاين مثلا فأن العميل ستيللا بين، التي تعيش في جافا، قد تم التعريض بها كمستهدفة للأمريكيين، ذلك ما يسمونه في المصطلحات المهنية “زي أكتيف”. هؤلاء النشطاء يتلقون الحوافز الأكبر علي الأطلاق، فإن أكثر من 45 إلي 65 شيكلا، ما يعادل 12 إلي 18 دولارا في الساعة الواحدة، هو ما يتقاضاه هؤلاء الموظفون الصغار. والحديث لموظفين سابقين “إنه لمما يدهشني أن أري كيف أن العملاء يتمتعون بكل ذلك القدر، ليس بالتحديد بما يتسق مع النتائج والمحصلات النهائية. ربما أفشي لكم سرا: في أحيان كثيرة، فإن الخلاصات ليست مرضية”، وفقا لإفادة أحد الموظفين السابقين.

“النشطاء”، يلزمهم أن يتوصلوا لإستنطاق السيد كال، الآنسة تيس، والسيد رود، وذلك بعد تأسيس قناة للتفاهم، ومن ثم الحصول علي معلومات ذات قيمة عالية منهم. ذلك لأن الإفتراض أن الغاية الأساسية لبلاك كيوب تتمثل في الحصول علي معلومات تدعم الرأي المساند لإلغاء صفقة الأسلحة النووية مع إيران. لكن المستندات التي تحصلت عليها هااراتز قد كشفت عن غاية مغايرة.
.
(4)
التعويضات:
في التاسع من شهر أبريل من العام 1995، قام إنتحاري من مجموعة جهادية إسلامية بالإنقضاض بسيارته المفخخة علي حافلة كانت تقل عسكريين، بالقرب من كفر دروم في قطاع غزة، سبعة من العسكريين لقوا حتفهم لقاء العملية، كما أدت الحادثة لقتل مواطنة أمريكية في العشرين من عمرها، أليسا فلاتو، التي كانت وقتها تتلقي دروسها في القدس. والدها ستيفان فلاتو، محامي أمريكي من وست أورانج، نيوجيرسي، كان قد شرع في إطلاق حملة ضد إيران. في الوقت الذي وقع فيه الهجوم كانت مجموعة من الدول الأجنبية قد أكملت إجراءات حصانة لتحاشي الإجراءات القضائية الأمريكية. في غضون حملة فلاتو، قام الكونغرس بإجازة قانون في العام 1996 يسمي “بقانون فلاتو”، والذي قد سمح بمقاضاة الدول الممولة للإرهاب.

في العام 1998 قد تم إصدار الحكم التالي: قاضي فيدرالي قام باصدار قرار لإلزام الحكومة الإيرانية بسداد 247.5 مليون دولار، كتعويضات لأسرة فلاتو.
فتح هذا الحكم القضائي الباب واسعا لسلسة لاحقة من القضايا المشابهة. ففي الخامس والعشرين من شهر فبراير، 1996، قام إنتحاري آخر، من حماس، بتفجير نفسه في ثمانية عشر حافلة في جادة جافا بالقدس. كان أمريكيان من بين الضحايا الستة وعشرين الذين كانوا قد قضوا في الحادثة، ماثو إزنفيل، وسارا ديوكا. قامت أسرهما كذلك بملاحقة إيران قضائيا، وفي العام 2000 حكمت لهم المحكمة بتعويض قدره 327 مليون دولار. كما أن أسراً أمريكية أخري قد قامت بإدراج قضايا ضد حزب الله اللبناني، إزاء هجوم كان قد شن علي ثكنات عسكرية لمشاة البحرية الأمريكية في بيروت في العام 1983، وقد تسلموا أحكاما تعويضية في حدود البليون دولار. إن أجمالي التعويضات التي منحتها هذه الأحكام قد تجاوز عشرات البلايين من الدولارات.

إيران، لم تعترف بطبيعة الحال بهذه الأحكام، ولم تقم بسداد التعويضات لأسر الضحايا. مثلت وقتها هذه الأحكام كنوزا موقوته: فإن مجموعة من المحامين أصبحت بإيديهم أحكاما بملايين الدولارات، وكان بوسع أي منهم أن يسعي للتعرف علي أصول إيرانية ليقوم بالحصول علي نسب كبيرة عليها.

وكالات التخابر المالي، مثل بلاك كيوب تتخصص في السعي للحصول علي أصول حول العالم للمساعدة في سداد إستحقاقات تلك الأحكام القضائية، فأن مثل هذه التحديات تكون بمثابة أهداف ذات جاذبية خاصة. فإن نسبا متناهية الصغر من الأصول الإيرانية المجمدة حول العالم قد تعد بثروات لا حدود لها، مقابل تكاليف ضئيلة جدا.
.

(5)
تمويل العمليات:
إن ملاحقة مصادرة الأصول هو في الحقيقة مبادرة مستقلة من قبل بلاك كيوب. رغما عن أنه ليس هناك من جهة محددة كانت قد طلبت مثل هذه العملية، لكنها لم يكن لينقصها الممول.
أحدهم نوبو سو، مليونير بواخر من تايوان، والذي كان قد لجأ إلي بلاك كيوب بخصوص نزاع قانوني. “سو” الذي قيل أنه كان يتمتع بعلاقة صداقة مع مدير الوكالة قد إستثمر نقوده الخاصة مقابل عائد تلقّاه مقابل أصول قامت بلاك كيوب بالتمكن من مصادرتها.

إن بلاك كيوب تقدس أن تسوق لنفسها كواحدة من وكالات التخابر المالي الذكية والأكثر جرأة من بين قريناتها علي الأطلاق، فبينما تنشغل مثيلاتها في وسائل تقليدية للبحث عن الأصول، فإنها من جانبها تسعي لتسخير موظفين حكوميين ذوي مكانة رفيعة للحصول علي خيوط تعينها علي الحصول علي تلك الأصول.

كان كأن قانونا غير مكتوب في عالم التخابر المالي: يقول “إحذر الإقتراب من الأمريكيين”، وتحاشيا لذلك فإن كثيرا من تلك الوكالات تمتنع عن العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتأكيد ليس مع موظفين سابقين رفيعين في البيت الأبيض الأمريكي.
لكن بلاك كيوب قد كسرت تلك القاعدة. ففيما يعنيها، فإنه ما دام مستشارها القانوني لا يمانع في ذلك، فإنها لن تتورع بالإطلاع بأي مهمة كانت.

إن المستند المرجعي للمشروع، والذي تحصلت عليه هااراتز، يؤكد أن ملاحقة رودز، تيس، وكال، كان من المفترض أن تتمخض عن مادة إستخبارية ستمكن الوكالة من عمليات قانونية لاحقة وهامة.
أولاها كانت التوصل لتحديد أصول إيرانية غير معلومة، كالحسابات المصرفية، في الدول الخليجية أو في الشرق الأقصي. أما ثانيها فقد كان خرقا للقانون الأمريكي وربما القوانين الدولية، وذلك بالعمل بالمقابل علي مساعدة إيران في التمويه علي أصولها. إذا ما تم الكشف يوما عن حقيقة أحد المصارف قد ساعد إيران علي تمويه حركة أصولها، فإن بلاك كيوب تعتقد أن ذلك سيكون سببا كافيا لمقاضاته. وثالثة الأثافي هي في مساعدة إيران نفسها،بإعانتها علي تنقل أرصدتها، في خرق واضح للقانون الدولي والأمريكي علي السواء.

في الوقت الذي كانت تجري فيه العملية، عدة أشهر قبل أن يتم إماطة اللثام عن بلاك كيوب، كان السيد زوريللا يختال علي أصدقائه بالحديث عن مصادرة الأصول الإيرانية، بسبب أنه سيضع يده في القريب العاجل علي معلومات عالية الفعالية.

لو كان من الممكن إثبات أن موظفي إدارة أوباما قد قاموا بتصرفات غير قانونية – وهو إدعاء لم يحدث أن تم إقامة الدليل عليه – فإنه من الممكن عندها ملاحقة البنك أو الحكومة الأمريكية قضائيا من أجل الكشف عن الأموال الإيرانية. فإن المصارف والحكومات عادة ما يكونان هدفا للملاحقات القضائية لأن الإثنان يتوفران علي جيوب ضاربة العمق. إن المستند المرجعي لبلاك كيوب يتضمن ذكرا ل “تجميع مادة إستخباراتية لإجبار المصارف للكشف عن معلومات الأرصدة الأيرانية”.
.
(6)
فضيحة المصرف العماني:
إن التركيز الأساسي للتحقيق، قد كان فضيحة المصرف العماني، فإن لإيران حساب بمصرف مسقط العماني، حيث تحتفظ هناك بأرصدة مبيعاتها من النفط. فإنه في العام 2015، قد بلغ حجم الأرصدة ما يعادل 5.7 بليون دولار من الريالات العمانية، سعي الإيرانيون لتغطية الأرصدة باليورو، إلا أن المصارف العمانية قد تمنَّعت عن ذلك لخطورة العملية ولأن العملة العمانية مربوطة بالدولار الأمريكي. لذلك فقد كان لا بد من توسيط مصرف أمريكي لتكتمل عملية تحويل الارصدة إلي اليورو، وبالرغم من التوصل لأتفاقية الملف النووي، لكن كان علي إيران، من أجل التواصل مع شبكة البنوك الأمريكية، طلب المساعدة من إدارة الرئيس باراك أوباما.

بلغ الأمر الكونغرس الأمريكي والذي فتح تحقيقا رسميا في القضية تم نشر نتائجه في شهر يوليو المنصرم. كشف التحقيق عن أن موظفين رفيعين في إدارة أوباما قد عملوا مع قسم الخزانة الأمريكية أوفاك، المسؤول عن إنفاذ العقوبات، من أجل السماح بعملية تحويل الإرصدة الإيرانية، رغم عهود موثقة في عدم تمكين إيران من الحصول علي معاملات شبكة المصارف الأمريكية. في نهاية المطاف، فإن كلا من مصرفي ويلز فارقو بانك و جي بي مورغان قد إمتنعا عن العملية تخوفا من محاذير قانونية.

قامت بلاك كيوب هي الأخري بالشروع في تحقيقاتها في الأمر فيما يتعلق بتلك الأرصدة العملاقة في المصرف العماني والتي كان من المستحيل تجاهلها. إستهدفت الوكالة عددا من العناصر الرفيعة في المصرفين، كأهداف ذات قيمة عالية، وقد تم توثيق أسمائهم في ملفات بلاك كيوب، جنبا إلي جنب مع إسم مدير المصرف العماني. تم كذلك إعداد ملفات متكاملة عن تلك الأهداف للعملاء المكلفين بالتواصل معهم، شملت الملفات معلومات ضافية عن التاريخ المهني، الإقامات، أرقام الهواتف، عناوين البريد الإلكتروني.. إلخ.. علي الأقل ملفان كاملان قد تم إعدادهما لمصرفيين ترتبط وظائفهم بتفعيل العقوبات، لكن كل ذلك لم يتمخص في أخر الأمر عن أي نتائج ملموسة.
.
(7)
رسالة مريبة:
في أعقاب الكشف عن فضيحة وينستاين، في شهر نوفمبر المنصرم، كان قد وضح للسيد كال أن عملاء بلاك كيوب قد تمكنوا من الوصول إلي زوجته ربيكا كال، تحت إسم مستعار، كمندوب لصندوق خيري يهدف إلي تقديم منحة للمدرسة التي تدرس فيها إبنتهما. كان الصندوق الخيري الذي إدعي العميل الإنتماء إليه هو “روبين كابيتال بارتنارز”، نفس المسمي الذي تم إستخدامه عندما تواصل عميل آخر للوكالة مع الممثلة روز ماكوين، خلال عملية فينستاين. قامت ربيكا كال، بتوجيه العميل لأحدى موظفات المدرسة، حيث رأت من اللائق أن يقوم العميل بمخاطبة الموظفة بصفة مباشرة، ثم قامت من بعد ذلك بالتوقف عن التواصل مع رسائل العميل البريدية كليا.
.
لكن التواصل مع ربيكا كال، قد حدث عقب أن نجحت بلاك كيوب في التواصل مع السيد كال مباشرة. للتوصل إليه كانوا قد إستخدموا عميلا تقمص شخصية مبعوث وقام بإرسال الرسالة التالية:

“تحية طيبة بروفيسور كال”.. “عقب الإنتخابات الرئاسية في فرنسا، وإستباقا للإنتخابات البرلمانية القادمة، فإن منظمة نيري فاونديشن تسعي لتنظيم مؤتمر بالتنسيق مع مع كل من معهدي “آي إف آر آي” و “آي آر آي إس” هنا في باريس.. “إن الهدف من المؤتمر هو أن لدينا خبراء في مجال العلاقات الدولية والأمن القومي، يشاركون جنبا إلي جنب مع موظفين سابقين في الأمن القومي، وذلك لتداول خبرتهم ووجهة نظرهم، في القضايا التي تواجهها أوروبا، وفرنسا بصفة خاصة”.

“إن إسمك قد برز من خلال بحثنا كأكاديمي مختص بالإضافة لكونك شخصية حكومية مرموقة. سأكون في واشنطون دي سي في منتصف شهر يونيو، لمقابلة عدة مرشحين كانوا في وقت سابق، قد أكدوا رغبتهم في المشاركة. لقد حاولت التوصل إليك من خلال البريد الإلكتروني بالإضافة لترك رسائل صوتية آملا في أن أتمكن من مقابلتك أثناء تواجدي بالمدينة”
“بإفتراض رغبتك في المشاركة، سيكون من دواعي إمتناني أن تفرد لي زمنا تمكنني فيه من مقابلتك أثناء تواجدي بواشنطن، حتي يمكنني ذلك من أن أشرح لك بإستفاضة كيفية تنسيق الأمر”

“لقد فات علي أن أذكرك أنه بالإضافة لتكفلها بأتعاب المتحدثين في المؤتمر، فإن المنظمة ستكون علي أستعداد لمقابلة كافة المنصرفات المتعلقة بمشاركتك في المؤتمر. يتوقع أن ينعقد المؤتمر في وقت ما في نهاية الصيف المقبل، وذلك لحين الإعلان عن موعده المحدد لاحقا”.
“سأكون في إنتظار ردك”
“مخلصتك، إميل نيري”
كان كال مرتابا، فقد قام بالرد برسالة إلكترونية مفادها:
“سيكون علي مرافقة أسرتي في رحلة من منتصف شهر يونيو وحتي منتصف أغسطس، لذلك فسيتعذر علي لقاؤك في دي سي”.

“هل يا ترى بإمكانك أن تعطيني توضيحا منطقيا لأجندة المؤتمر، وإذا ما كان هناك من راعين آخرين، ومن هم المشاركون الذين تمت دعوتهم؟”.. إتفق الإثنان علي التحدث عبر الهاتف، لكن ذلك لم يحدث إطلاقا لأن موقع نيري كان قد إختفي فجأة من الأسافير.
في ردها علي هذا الأمر قالت بلاك كيوب “إن سياسة بلاك كيوب لا تقبل التعرض لعملائها مع أي أطراف ثالثة، ولا تهدف لتأكيد أو إنكار أي تنبؤات بخصوص مهامها. إن بلاك كيوب تعمل فقط علي تجميع الأدلة في النزاعات الكبيرة حول العالم وليس في أي مجال آخر.

“يجب التأكيد علي أن بلاك كيوب تعمل دائما وفق ما يسمح به القانون في كافة الدول التي تنشط فيها، وأن أنشطتها تتم بالتنسيق مع مجلس قانوني تقوده مؤسسات قانونية مرموقة حول العالم”.
لم يستقبل السيد “نوبو سو” أي إستفسارات من هااراتز.
إنتهي..

ترجمها عن صحيفة هااراتز: ناجي شريف بابكر