تحقيقات وتقارير

حصيلة رحلة جرَّافة مصرية تعادل إنتاج شهر..السودان يستغل 8% من الثروة السمكية التي تُقدّر بعشرة ملايين طن


الإنتاج اليومي لألف مركب يبلغ ثلاثة أطنان فقط والجرافة الواحدة تستخرج ثمانين طناً

رامي عبد الرحمن: مواعين الصيد بدائية وموغلة في التقليدية

صيادون: الدولة غير مهتمة بهذا القطاع الذي يمكن أن يوفِّر عملة حرة ووظائف

تجاوزت البيئة المتردية في سوق الأسماك الذي يقع إلى الشرق من مدينة بورتسودان وعلي مقربة من الميناء الشمالي، وركزت على معرفة إنتاج البلاد من الأسماك لجهة أن هذا القطاع يفترض أن يرفد البلاد بعملات أجنبية تبدو خزانة الدولة الخاوية على عروشها في أمس الحاجة إليها، ولكن وبعد جولة استمرت ساعات تفاجأت بحقيقة مؤلمة، أكدت أن هذه البلاد التي حباها الله بالكثير من الموارد ما تزال عاجزة عن استغلال ثرواتها.

تردٍّ في كل شيء

الذي يريد الاستيثاق من حقيقة واقع الصيد في ولاية البحر الأحمر عليه التوجه في الصباح الباكر ناحية البر الشرقي بمدينة بورتسودان، حيث يوجد سوق متوسط الحجم يطلق عليه اسم “السقالة “، يتكون من خمسين متجراً صغيراً يستعمله الصيادون مخازن لأدواتهم، وفي منتصف السوق يوجد جملون كبير الحجم يحوي عدداً من المساطب التي يتم فيها عرض السمك للبيع بالإضافة إلى مساطب أخرى لعمليات نظافة الأسماك تمهيداً لشحنها للصادر أو ترحيلها إلى أسواق العاصمة.

في سوق السمك، فإن التردي البيئي يبدو واضحاً وغير خافٍ، الواقع يؤكد أن السلطات المحلية المسؤولة عن نظافة وترقية بيئة السوق غائبة تماماً، فالأسماك تباع في مكان أقرب إلى الكوشة، بل حتى إن بعضها يعرض على الأرض بعد وضعه في مشمعات وتتحرك بالقرب منه الأرجل في تحدٍّ واضح لأبسط الاشتراطات الصحية.

المشهد برمته غارق في الفوضوية، ويصلح ليكون عنواناً مثالياً يوضح حقيقة قطاع الأسماك بولاية البحر الأحمر .

تواضع وافتقار

في ذات السوق، تجولت في أكثر من مكان، وفي الجزء الشمالي الشرقي توجد كميات كبيرة من مراكب الصيد التقليدية التي خرجت نن الخدمة، وتحولت إلى خردة وبالقرب منها، وعلى البحر ترسو مراكب أخرى لا تختلف عن التي توقفت كثيراً من حيث الشكل والتقليدية. وكان هذا أيضاً عنوان آخر بائس كشف لنا ملامح عن واقع هذه المهنة، بعد ذلك بدأنا في تقصي واقع الصيد، وعرفنا انه وبالرغم من أن ساحل البحر الأحمر يتمدد على مسافة سبعمائة كيلو متر مربع، إلا أن عدد المراكب التي يستعملها الصيادون لا تتجاوز الألف مركب فقط، تتوزع على مناطق صيد محددة ومعروفة، وحينما اخترنا إلقاء نظرة على نموذج لهذه المراكب تفاجأنا بأنها موغلة في التقليدية، إن لم تكن متخلفة لأنها مصنوعة من الخشب والفايبر، ومواد أخري لا تقوى على الصمود لتطيل عمر المركب أو تساعدها على صيد كميات كبيرة من الأسماك. وأكبر مركب صيد لم يتجاوز طوله الثمانية أمتار، وهو أمر يبدو غريباً ومثيراً للدهشة، لجهة أن مواعين الصيد التي وقفنا عليها في ميناء جدة كانت حديثة ومتطورة .

أسباب مباشرة

قلت لحامد، وهو من قدامى الصيادين بالبحر الأحمر، إن وسائل الصيد لديكم متخلفة، اتفق معي في حديثي، وقال إن هذا يعتبر من الأسباب المباشرة التي تقف وراء محدودية كميات الأسماك التي يتم صيدها، مشيراً إلى أنها لا تتجاوز في أفضل الحالات وعبر أكبر المراكب الأربعمائة كيلو في الرحلة الواحدة للمركب، وأضاف: هنا نعمل بنظام التعزيبة حيث يشتري كبار الصيادين مراكب صغيرة من الفابير، وقد يمتلك الصياد الواحد عشرة منها ويوجهها نحو مناطق معروفة بوفرة الأسماك مثل هديبة بجنوب سواكن، وتظل هذه المراكب موجودة فيها بصفة دائمة، وكل ثلاثة أيام يذهب صاحبها بعربة إلى الموقع الذي اتخذته مراكبه مكاناً للصيد، ويحضر كميات من الثلج لحفظ السمك ثم يحمل الإنتاج لبيعه في الأسواق، وخلال الأيام الثلاثة، فإن الصيد مهما كان وفيراً ونسبة لضيق المواعين التي نستعملها فإنه لا يتجاوز في أحسن حالاته الأربعمائة وخمسين كيلو.

ثراء كبير

الصيادون الذين تحدثت إليهم أجمعوا على أن البحر الأحمر توجد به كميات ضخمة من الأسماك التي يمكن صيدها بكل سهولة، وأوضح أنه يوجد عدد كبير من المناطق التي اشتهرت بوفرة الأسماك طوال أيام السنة وأبرزها الشام التي توجد بالقرب من محمد قول، ومن أبرز مناطقها دلاو ودبا، وتقع هذه المناطق شمال مدينة بورتسودان. أما إلى الجنوب منها فتسمى المنطقة باليمن وأشهر مصائدها هيدوب وبرموتات، وتتمدد إلى الحدود الإرترية، وكذلك توجد جزر في البحر منها تمرسي، رأس عسيق، جبل تلتلا، ويقطعون بأن هذه المناطق إذا تم استغلالها بالشكل الأمثل فإنها ستوفر للبلاد كميات ضخمة من الأسماك للاستهلاك المحلي والصادر.

رحلة طويلة وحصاد متواضع

وحتى يتمكن الصيادون من الحصول على كميات كبيرة من الأسماك فإن عدم تطور مراكبهم تسهم في إطالة عمر الرحلة التي تستمر بحسب الصياد أوهاج إلى أسبوعين يظلون خلالها في البحر ذهاباً وإياباً، وقال إن المركب الصغيرة وطوال هذه الفترة، فإن ما يتحصل عليه من أسماك لا يتجاوز المائة وخمسين كيلو، مبيناً أن أعداد “السمّاكة” تتراوح في المراكب بين الأربعة عشر في الكبيرة والسبعة في الصغيرة، موضحاً أن الرحلة إلى مناطق الصيد البعيدة عن ساحل البحر الأحمر تستغرق أكثر من يوم، فيما يوجد صيادون يفضلون العمل في المناطق القريبة، وهؤلاء يتحركون في الساعات الأولى من الصباح ويحضرون منتصف اليوم ولا تتجاوز حصيلتهم من الصيد العشرة كيلو، ويوضح أن عدد الصيادين في البحر الأحمر عددهم ليس كبيراً ولا يتجاوز الاثنين ألف صياد، معتبرًا أن هذا الرقم متواضع ويعد دليلاً واضحاً على أن هذه المهنة ليست جاذبة، وإذا كان الأمر بخلاف ذلك، فإن الكثير من الشباب الذين لا يجدون عملاً لا يتجهون إليها لجهة أن دخلها متواضع ولا تحظى بأدنى اهتمام من الدولة لتطويرها .

ازدهار وأسماك

البحر الأحمر الذي يعتبر كنزاً لم تستفد البلاد منه حتى الآن يحوي في باطنه كميات ضخمة من الأسماك، وهذا ما يتضح جلياً طوال أيام السنة، ويشير الصيادون إلى أن المهنة تزدهر بحسب تحرك الأسماك ابتداء من شهر ديسمبر إلى مارس حيث يطلق الصيادون على هذه الفترة الموسم، وفي أعماق البحر الأحمر توجد أشهر الأسماك عالمياً مثل الناجل والهامور والجمبري والعربي والفاس والكوريب السلمان، وأكثر الأسماك التي تجد طلباً عالياً تتمثل في الهامور والناجل التي يتم تصديرها خارج البلاد وتحديدًا إلى السعودية والأردن، ولكن وفقا ًلكميات متواضعة لا تتجاوز في الشهر العشرين طناً، ويقول التاجر عثمان إن اسعار الناجل والهامور والجمبري والاستكوزا والريسان والهريد مرتفعة والإقبال عليها من قبل المواطنين بالسوق المحلي في بورتسودان ليس كبيراً وعلى النقيض تماماً، فإن أسماكاً أخرى تجد رواجاً لزهد سعرها، ويوضح أن الصادر إلى السعودية والأردن يتراوح بين عشرين إلى ثلاثين طناً شهرياً، وذلك في أفضل حالات الصيد، فيما تتراجع هذه النسبة في فترات أخرى.

ويلفت إلى أن سوق السمك “السقالة” يعتبر بكل المقاييس متردياً رغم الرسوم الكثيرة التي يتم تحصيلها، وقال إن الكثير من الزوار يعبرون عن استيائهم من واقع السوق وتردي البيئة، ويؤكد أنهم يحرصون على سداد ما عليهم من التزام مالي لاحكومة وغيرها من جهات حتى تتمكن من تغيير شكل السوق نحو الأفضل، إضافة إلى نظافته وترقية بيئته .

استغلال متواضع

تقدر ثروة البلاد السمكية بأكثر من عشرة ملايين طن في مواقع اشتهرت بوجود مصائد غنية ومنها القطاع الغربي في عقيق وطوكر وسواكن والقطاع الأوسط يتمثل في بورتسودان والقطاع الشمالي يضم أوسيف وحلايب وجبيت المعادن، وصولاً إلى منطقة إيت، وبحسب إحصاءات رسمية، ورغم الثروة الضخمة التي توجد في باطن الأرض، إلا ان نسبة استغلالها تبلغ 8%، ويمتاز البحر الأحمر بـ 300 نوع من الأسماك، إضافة إلى 142 من الشعب المرجانية، وأكدت داراسات أن هذا التنوع هيأ للبيئة البحرية السودانية لأن تكون أغنى البيئات البحرية في العالم، إذ تعتبر محمية دونقناب أكبر المحميات داخل البحر الأحمر، وهي من أغنى المحميات تنوعاً حيوياً والتي أعلنت كمحمية بحرية في العام 2004.

من المسؤول

رغم هذه الكميات الضخمة، فقد ألجمتنا الدهشة حينما علمنا أن الإنتاج اليومي الذي يرد إلى سوق الأسماك ببورتسودان “السقالة “، وهو السوق الرئيس بالولاية لا يتجاوز في أفضل حالاته ثلاثة أطنان، رغم أن بعض الصيادين أشاروا إلى أن صِغر حجم مواعين الصيد من الأسباب المباشرة، إلا أن التاجر جعفر، أشار إلى أن العمل برمته يعاني الكثير من المشاكل، واعترف بأن الصياد السوداني يعمل وفقاً لمزاجه، وهذا يعود إلى أن المواعين التي يعمل فيها تعد متواضعة رغم أن الأسعار تعد مجزية، ويعتقد أن عدم إخضاع الصياد السوداني لدورات تدريبية إضافة إلى إهماله من قبل الحكومة وعدم سعيها لتطوير مهنته جعلته يبدو كسولاً وغير مهتم كثيراً بهذه المهنة، وقال إن الصيادين الذين حضروا من اليمن وبذات المراكب التي يستعملها السودانيون ظلوا يحققون إنتاجاً عالياً، وهذا يوضح الاختلاف الكبير في التعامل مع هذه المهنة، التي أكد أنها يمكن أن توفر فرص عمل كبيرة إذا ما وجدت اهتماماً من الدولة.

مفارقة عجيبة

سألت أحد كبار الصيادين بالبحر الأحمر، وهو رامي عبد الرحمن الذي يعتبر من الشباب الذين ورثوا هذه المهنة من أجدادهم وآبائهم عن أسباب تواضع الإنتاج اليومي من الأسماك، فأرجع هذا الأمر إلى أن المراكب التي يعمل بها الصيادون السودانيون عفا عليها الزمن، ولم تعد مواكبة، مشيراً إلى أن السودان لا يمتلك جرافات كتلك التي يستعملها الصيادون المصريون، وقال: هل تعلم أن إنتاج جرافة واحدة خلال رحلتين لا تتجاوز مدتهما الستة أيام يعادل إنتاج شهر كامل لألف مركب يمتلكها صيادون سودانيون، أعتقد أن عدم الجرافات ومواعين الصيد الحديثة والمتطورة له دور مؤثر في ضعف إنتاجنا، وقال غن تصديق الجرافة المصرية في الموسم لا يتجاوز الاثني عشر ألف دولار، تذهب لخزينة ولاية البحر الأحمر، مبيناً أن هذا المبلغ تستخرجه الجرافة المصرية من رحلة واحدة في مياه السودان وذلك لأن حصيلتها تتجاوز الستين طناً وأحياناً تصل إلى ثمانين، وهذا يعادل إنتاجنا في شهر كامل، ويؤكد رامي الذي بات خبيراً في هذه المهنة، أنه إذا امتلكت البلاد جرافات فإنها يمكنها أن تصدر كميات كبيرة إلى الخليج تتجاوز في الشهر الألف طن على أسوأ الفروض، ويؤكد رامي على أهمية توطين صناعة الجرافات في البلاد أو العمل علي استيراد عدد منها وتمليكها عبر التقسيط للصيادين، ويرى أن اتحاد الصيادين يبدو بعيداً عن تطوير هذه المهنة.

ويؤكد رامي أنه وفي حال اهتمام الدولة بقطاع الأسماك وتوفيرها الجرافات ومواعين الصيد المتطورة، فإن العائد سيكون كبيراً على صعيد الصادر والاستهلاك المحلي.

حسرة

ودّعنا سوق الأسماك بالبر الشرقي ببورتسودان، والحسرة قد تملكتنا تماماً بداعي تواضع إنتاجنا من الأسماك التي وفي ظل الحاجة المتصاعدة إلى الغذاء داخلياً وخارجياً كان من شأنها إن اهتمت الدولة بهذا القطاع الحيوي أن تدر دخلاً جيداً للخزانة العامة.

ويبدو أن الخطوة التي أقدم عليها الصياد الشاب رامي عبد الرحمن بشرائه لجرافة حديثة تستحق الإشادة، ولكن يجب أن تتبعها خطوات أخرى من الحكومة والمستثمرين الوطنين للاستفادة من الثروة السمكية الضخمة التي تتمتع بها البلاد خاصة في البحر الأحمر.

بورتسودان: صديق رمضان
صحيفة الصيحة.


‫2 تعليقات

  1. لم يفهم رجال الاداره والمال والاعمال حتي الان الفرص الاستثماريه الموجوده في البلاد والتي ان تم استغلالها تدر ذهبا للفرد المستثمر والدوله وتحقق الوفره للمجتمع!! امارجال السياسه والحكم فالصراع مايزال محتدما لاقتسام كعكه السلطه (وفتات امتيازاتها الصغيره) يعمي الجمبع ويبتلع الاوقات والجهد !!! اما الموارد المتعدده التي حبانا الله بها فيصيبها الاهمال التام ليتم نهبها من المتربصين !!!! ووالله ان المرء ليستغرب من لماذا لايتم تسويق مثل هذه الفرص الاستثماريه للمغتربين بالخليج مثلا وهناك نجربه شركه الاسماك الكويتبه السودانيه الناجحه اولماذا لاتمول المصارف السودانيه ببورتسودان صغار الصيادين او جمعيتاهم لشراء ادوات الصيد المتطووره او لماذا لايتم فتح الباب لشركات شرق اسيا التي تستهلك الاسماك كغذاء رئيسي او حتي لشركات الاسواق الخليجيه او الروسيه !!! الطلب علي الاسماك داخل السودان نفسه في ازدياد وكذلك دول المنطقه وفي المقدمه مصر ولكن …….المشكله في العقول التي تضارب في الدولار وتستثمر في شراء المنازل وتعمل بغسيل الاموال والتهريب وتظن انه استثمار جيد وآمن ولايعلمون انهم سبب كوارث هذا البلد المنكوب بهم. .

  2. لم يفهم رجال الاداره والمال والاعمال حتي الان الفرص الاستثماريه الموجوده في البلاد والتي ان تم استغلالها تدر ذهبا للمستثمر والدوله وتحقق الوفره للمجتمع!! امارجال السياسه والحكم فالصراع مايزال محتدما لاقتسام كعكه السلطه (وفتات امتيازاتها الصغيره) يعمي الجمبع ويبتلع الاوقات والجهد !!! اما الموارد المتعدده الغنيه التي حبانا الله بها فيصيبها الاهمال التام ليتم نهبها من المتربصين !!!! ووالله ان المرء ليستغرب من لماذا لايتم تسويق مثل هذه الفرص الاستثماريه للمغتربين بالخليج مثلا وهناك نجربه شركه الاسماك الكويتبه السودانيه الناجحه اولماذا لاتمول المصارف السودانيه ببورتسودان الصيادون او جمعيتاهم لشراء ادوات الصيد المتطوره اوبالعدم لماذا لايتم فتح الباب لشركات شرق اسيا التي تستهلك الاسماك كغذاء رئيسي او حتي لشركات الاسواق الخليجيه القريبه او الروسيه !!! الطلب علي الاسماك داخل السودان نفسه في ازدياد ناهيك عن دول المنطقه وفي المقدمه مصر ولكن …….المشكله في العقول التي تعتقد بان المضاربه في الدولار والاستثمار في شراء المنازل الاسمنتيه اوالعمل بغسيل الاموال والتهريب افضل واسهل ومربح وتظن انه استثمار ولايعلمون انهم سبب نكبه هذا البلد وسبب كوارثه …. ومتي نفهم كيف نستثمر في عماره الارض والاستفاده من نعم الله الوفيره لاادري…والله اعلم.