اقتصاد وأعمال

سيطرة القمح في السودان.. الذرة تنتظر القرار السياسي


(20 مليون دولار) وقفت حائلا دون انفلات السودان والدول العربية من سيطرة القمح بحسب رئيس اللجنة القومية لشؤون المستهلكين بروفيسور يس الدسوقي في ورشة صناعة الخبز في السودان – الواقع والرؤية المستقبلية – راوياً تفاصيل اختراع العالم السوداني بروفيسور منصور عوض، لمادة تربط إنتاج الخبز من محصول الذرة التي كان يمكنها إخراج البلاد من سيطرة استيراد القمح ودعمه، وقال: “حدث ذلك عندما طلب منصور عوض مبلغ 20 مليون دولار للحصول على البراءة، إلا أن بعض الجهات التنفيذية تعذر عليها توفير المبلغ آنذاك”.

أزمة الخبز.. الموقف الآن
ما كشفه يس ألهب الحماس ودفع الخبراء في الورشة لمطالبة الحكومة بضرورة تملّك الحقوق الكاملة للمادة الرابطة التي تتيح إنتاج الخبز بنسبة 100% من الذرة السوداني، إضافة إلى اتخاذ القرار السياسي الداعم لأمر التحول من الاعتماد على القمح المستورد إلى الذرة.
مدير عام قطاع التجارة وشؤون المستهلك بولاية الخرطوم د.عادل عبد العزيز، ابتدر حديثه بتقديم عرض لموقف استهلاك الدقيق والخبز بولاية الخرطوم، متطرقا للمعالجات المطلوبة، كاشفا عن أن حجم الاستهلاك الدقيق الفعلي اليومي للولاية يتراوح بين 45-50 ألف جوال، أي نصف استهلاك كل ولايات البلاد البالغ 102 ألف جوال يومياً.
معدلات توزيع الدقيق خلال شهر نوفمبر الماضي، طبقا لعادل لم يبلغ متوسطها اليومي 43 ألف جوال، معتبرا أن ذلك حد الأمان للولاية، ولا يجعل هناك صفوفا أمام المخابز، وأنه عندما يقل التوزيع عن هذا الرقم تبرز الصفوف لشراء الخبز.

ما هي أسباب الأزمة؟
عبد العزيز أرجع الأزمة إلى الفرق الكبير بين سعر جوال الدقيق المدعوم والسعر في السوق الحر وصعوبة السيطرة على مختلف مراحل توزيع الدقيق، فضلا عن وجود عدد هائل من المصانع والصناعات الغذائية التي تعتمد على الدقيق؛ كاشفا عن معوقات وعقبات تبرز في العدد الهائل للمخابز في ولاية الخرطوم البالغ نحو 3438 مخبز، معتبراً ذلك معيقاً للرقابة على المستوى الميداني ويجعلها باهظة الثمن فضلاً عن العدد الكبير للوكلاء الرئيسيين والفرعيين بالإضافة إلى عدم إتاحة المعلومات بسهولة من قبل بعض المطاحن والوكلاء مما يزيد من تعقيد عمليات الرقابة، مشيراً إلى أن عدم التمييز بين جوالي الدقيق المدعوم والتجاري يصعب من عملية الرقابة، قاطعا بأن الخيار الاستراتيجي الأفضل للسودان هو التحول لإنتاج الخبز من الذرة ما يقضي بنقل الدعم من القمح المستورد للذرة، إضافة إلى جاهزية خطة تنفيذ التحول من استهلاك القمح إلى الذرة، التي تحتاجه فقط إلى للقرار السياسي.

ثلاثة خيارات
عادل عبد العزيز طرح (3) خيارات لمعالجة المشكلة، أولها بالتحرير الكامل لسعلتي القمح الدقيق في الإنتاج والاستيراد والتوزيع والتصنيع، فضلا عن إتاحة الفرصة للمخابز لإنتاج أنواع مختلفة من الخبز تناسب كل الفئات والطبقات مع تحقيق الوفرة.
أما الخيار الثاني، بحسب عادل، فيتلخص في إعادة توجيه الدعم إلى مستحقيه، لأن الدعم الحالي غير عادل ويستفيد منه الأجانب والأثرياء إلى جانب الطبقات الفقيرة، مقترحا تطبيق نظام البطاقة الإلكترونية الذكية لتوزيع الخبز لجهة أن الأسرة تستحق بناء على الرقم الوطني (5) قطع خبز لكل فرد بالسعر المدعوم.
أما الخيار الثالث طبقا لعبد العزيز فيقضي بالاستمرار في الدعم وسداد وزارة المالية مبالغ متزايدة من الدعم، مما يعني أن تحرك سعر الدولار صعوداً يعني زيادة مبلغ الدعم بصورة مستمرة والبقاء في مأزق الدعم واصفاً له بـ(الثقب الأسود).

مصيدة المحصول السياسي
من جانبه، أكد مقدم ورقة (تجربة الخبز المخلوط في السودان)، د. فتح الرحمن محجوب، أن محصول القمح سلاح سياسي استخدم ويستخدم مستقبلاً ضد الدول العربية، مستشهداً بقول هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق إبان حرب العبور 1973م عندما استخدم النفط كسلاح عربي بقوله “لقاء كل قطرة بترول سنعطيهم حبة قمح”. منوها إلى أن إنتاج الذرة في السودان يصل إلى 5 ملايين طن، وأضاف: البلاد لا تأكل مما تزرع وهذا يعني أن الأمن الغذائي مكشوف وأن التغيير في نمط الاستهلاك من الذرة والدخن إلى القمح تم بمخطط محكم من الدول المنتجة للقمح عالمياً، مشدداً على أن الحل تحقيق الأمن الغذائي والخروج من مصيدة الدعم بالعودة لاستهلاك الذرة كغذاء رئيسي.
محجوب قطع بأن المادة الرابطة لخبز الذرة زرعت في السودان وتم التأكد من صحتها، وبأنها عبارة عن مادتين زراعتين غلاليتين يمكن توطينهما بالسودان بكل يسر، إضافة إلى وجود توصية بامتلاك هذه المادة وامتلاكها، وحتمية تبني الدولة لإنتاج الخبز المخلوط من الذرة والقمح بنسبة 50% لكل.

نقطة الاختلاف
رئيس اللجنة القومية لشؤون المستهلكين، بروفيسور يس الدسوقي، كشف عن أن مخترع المادة الرابطة لدقيق الذرة هو عالم سوداني بجامعة شيكاغو، وأن عدم توفر المال عام 2013م ساهم في عدم امتلاك المادة، وأضاف: تم تكليفي ضمن لجنة بدراسة هذه المادة وذهبنا لمجلس الوزراء وقدمنا التقرير ولكن الاختلاف حدث في المبلغ، معتبرا أن خطورة تغير النمط الغذائي للمواطن لا يمكن إدراكها إلا بمرور سنوات، مؤكدا أن تغيير النمط الغذائي أثر على صحة العامة وتسبب في انتشار السرطانات.

العودة إلى الأصل
الخبير الزراعي بروفيسور عبد المنعم إبراهيم، وصف مشروع الدقيق المخلوط أو الذرة كاملا بأنه يعد أمراً ناجحاً، مقترحا أن تكون البداية باستخدام الدقيق المخلوط بنسبة 10% فقط الأمر الذي سيوفر للبلاد مبلغ 100 مليون دولار في العام، موصيا بتبني المادة الرابطة لدقيق الذرة، ويتم استخدام الدقيق المخلوط بنسبة 10%، ثم توفير خبز من دقيق الذرة بالتركيز على زراعة الذرة وإنتاجه بكميات كبيرة ومن ثم تصديره.

الخرطوم: ابتهاج متوكل
صحيفة السوداني.