تحقيقات وتقارير

مرتبات الدبلوماسيين.. الأزمة تعود مجدداً


إبريل الماضي وضع وزير الخارجية السابق بروفسير إبراهيم غندور حداً لأزمة منسوبيه من طواقم البعثات الخارجية، جاهراً بأن أوضاع البعثات الخارجية وصلت حداً دفع بعضهم لطلب العودة إلى الخرطوم.. لم يُمهل غندور كثيراً بعد حديثه فكان إعفاؤه. ولم تمض 48 ساعة على إقالة غندور، إلا وأقرت الجهات المعنية بتوفير استحقاقات وزارة الخارجية بذلك، وسارعت بتسديد جزء من تلك الاستحقاقات..

التزام مبتور
لا يبدو أن عملية السداد تلك تواصلت لجهة أن مرتبات البعثات الخارجية مرتبطة بأزمة النقد الأجنبي التي تعاني منها البلاد ـ إذ نقلت تقارير إعلامية أواخر الأسبوع الماضي أن الوضع عاد مجدداً، لتقود الخارجية مساعي جديدة مع كل من وزارة المالية وبنك السودان المركزي لتسريع دفع تلك الاستحقاقات التي تراوحت ما بين شهرين إلى ستة أشهر لبعض السفارات.

إجراءات تحجيم

الخرطوم سعت لاتخاذ إجراءات من شأنها كبح جماح تعطش الخارجية للعملة الأجنبية كمستحقات واجبة الدفع.. فلم يمض شهر على حديث غندور آنذاك، إلا وأعلن الرئيس البشير
في مايو الماضي قرارات تقضي بإعادة هيكلة وزارة الخارجية وتقليص عدد البعثات الدبلوماسية السودانية في العالم، وقتها تم تفسير الخطوة باعتبارها نوعاً من التقشف الحكومي لتقليل استنزاف النقد الأجنبي الذي تعاني منه البلاد.
القرارات الرئاسية حينها استهدفت إغلاق (13) بعثة دبلوماسية في الخارجية واعتماد بعثة الرجل الواحد، وإغلاق(4) بعثات قنصلية، وإلغاء جميع الملحقيات عدا ثلاث (لندن ، القاهرة، الدوحة).

20مليون دولار:

قرارات إعادة الهيكلة واجهت عملياً صعوبات جمة، فضلاً عن التكلفة المالية لعملية الهيكلة نفسها وقدرت حينها بـ25 مليون دولار، الأمر الذي دفع مختصين للمطالبة بضرورة بقاء بعض السفارات التي شملها قرار الهيكلة، بالإضافة إلى منح الأخريات مهلة لجهة أنه تم افتتاحها قبيل فترة بسيطة من القرار.
الوقائع تقول إن الخارجية التزمت بالقرار الرئاسي ونفذته، ما دفع وزير الخارجية الدرديري محمد أحمد بأن يكشف في تصريحات إعلامية، عقب اجتماع المجلس القومي للسياسة الخارجية برئاسة البشير فى أكتوبر الماضي بأن قرار إعادة هيكلة وزارته وفرت 20 مليون دولار لخزانة الدولة.

خط أحمر

وعلى الرغم من تحاشي الدرديري الخوض في تفاصيل مرتبات الدبلوماسيين، بدليل أنه وفي أول بيان له أمام البرلمان بعد تقلده المنصب في مايو الماضي رفض الرد على تساؤلات نواب البرلمان بشأن استحقاقات الدبلوماسيين بالخارج التي أثارها غندور، واكتفى بأن وزارته ستمد البرلمان بتقرير تفصيلي بشأن المسائل المالية خلال الفترة المقبلة، وستعرض التقارير على البرلمان في وقتها.
ونبه الدرديري وقتها إلى أن معالجات الأزمات الاقتصادية بالبلاد مرتبطة بقرارات سياسية، موضحاً بأن السودان لن يحصل على استحقاقاته المالية لبرنامج وأجندة التنمية المستدامة ما لم يطبع علاقاته السياسية مع الدول صاحبة القرار وكسب أصوات إيجابية من الدول للإفراج عن تلك المستحقات.

مبررات الأزمة

محللون يذهبون إلى أن أزمة مرتبات الدبلوماسيين والعاملين في البعثات الخارجية لم تنته منذ أن فجرها الوزير السابق بروفسير إبراهيم غندور في إبريل الماضي داخل قبة البرلمان، منوهين إلى أن ما قدمه البنك المركزي ووزارة المالية معالجات وقتية فقط، وكشف دبلوماسي –فضل حجب اسمه- في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن الخارجية سعت عبر تكوينها للجنة لتوزيع ما وضع في حساباتها إلى تلك البعثات لحل مشكلة دفع الإيجارات ومرتبات الموظفين المحليين وجزء من مرتبات الطواقم الدبلوماسية، وأضاف: منذ ذلك الوقت وحتى الآن لم يتسلم الكثير من السفراء كامل استحقاقاتهم.

واعتبر المصدر الدبلوماسي أن شح النقد الأجنبي الذي تعاني منه البلاد بصورة عامة، ألقى بآثاره على العمل الخارجي على الرغم من إعادة هيكلة الوزارة وتخفيض البعثات الخارجية إلى نحو 50%، مشيراً إلى أن جملة ما توفره البعثات التي شملها القرار لا تتجاوز (3) ملايين دولار لأن معظمها فى دول تنخفض فيها كلفة التشغيل، فيما أبقى قرار الهيكلة السفارات ذات التكلفة العالية كما هي دون أن يشلمها القرار. ونبه المصدر إلى أن أزمة المرتبات لن تحل بصورة جذرية ما لم تنته أزمة النقد الأجنبي في السودان، منوهاً إلى صعوبة التحويلات في بعض السفارات. وأضاف: الأمر مرتبط بالكثير من الخطوات على رأسها تدفق الاستثمارات بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
السفير الطريفي كرمنو انتقد في حديث سابق لـ(السوداني) ارتفاع كلفة العاملين بالسفارات المصنفة بالفئة (أ) لجهة أنها تحتاج ما بين (10- 15) ألف دولار في الدول الكبرى الغنية كاليابان وغيرها، فيما يتناقص المبلغ للعاملين بالسفارات المصنفة بالفئة (ب) في الدول المتوسطة، وأقل بنسبة أكبر للعاملين بالسفارات المصنفة بالفئة (ج) في الدول النامية.

صحيفة السوداني.