قراءة موضوعية حول ما حدث يوم الجمعة 11 يناير 2019 في مسجد الشيخ عبد الحي
تابعت خطبة الجمعة 11 يناير 2019 في مجمع خاتم المرسلين الذي يرتاده الآلاف من المصلين من أنحاء العاصمة المثلثة منذ ما يزيد على العقدين من الزمان فيعودون مستفيدين منتفعين من خطب الشيخ ودروسه وفتاويه…
وهو كالعادة لا يكاد يمر حدث من الأحداث العامة أو الخاصة يتطلب الأمر فيه بيانا للحق ونصحا للخلق إلا ويتناوله الشيخ بما يروي الغليل، ويشفي العليل…
ودونكم قوائم عناوين خطب الجمعة على الشبكة العنكبوتية والوسائط المختلفة فانظروها…
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره*
تجد خير نار عندها خير موقد
لم تخالف خطبة الأمس نهج مثيلاتها…
ومن تابع تعليقات المتابعين لها يرى عدد الراضين عنها الذين أصابت عندهم ماأضمرت نفوسهم فيما يجب أن يقال حيال الواقع والأحداث الجارية في البلاد.
وثم فئة تصطاد في الماء العكر ممن تعكر صفوهم وتكدر خاطرهم، وساءهم كثرة الخطا إلى المساجد، وكثرة المزاحمين للعلماء بالركب يرمون الكلمة بين الكلام والإساءة وسط الإحسان… وهم معلومون بعضهم من بقايا الشيوعيين والعلمانيين وأعداء الدين والمتدينين…ويضارعهم بعض مرضى النفوس من المنتسبين إلى التدين شكلا ومظهرا…والمخالفين لهديه سلوكا ومخبرا ممن ابتلوا بتتبع العثرات وغض الطرف عن الحسنات….وهي شنشنة عرفها الناس قديما وتجاوزها الزمن…
ما الذي حدث بالأمس؟ وما الدوافع؟
لن أشير إلى تفاصيل الهتاف واللغط الذي وقع بعد الصلاة داخل المسجد وشوش على المصلين، وأزعج الذاكرين…لأنه معلوم للشاهدين والمتابعين…
أصدر الشيخ بيانا مقتضبا لا تتجاوز مدته ثلاث دقائق ونصف: كشف فيه التدليس والتلبيس الذي زورته وسائل الإعلام كذبا وزورا بغية الفتنة… كادعائهم بأن الخطبة لم تكتمل! وأن الصلاة لم تقم في المسجد! وأن الشيخ خرج بنفسه يقود مظاهرة…!إلى غير ذلك من الإفك والزور…
بين الشيخ أن هذا الهتاف والصياح الذي صدر لا يليق بالمساجد؛ لأن المساجد أقيمت لذكر الله والصلاة وتلاوة القرآن… وهو محق في ذلك، ولا يقول بخلاف قوله إلا جاهل بالشرع أو متبع للهوى…
*بعد بيان الشيخ انهالت الاتهامات والشتائم والتخوين والتجريح والتجريم…وانقلب المدح إلى قدح تجاوز حدود أدب الاختلاف بل تجاوز أخلاق المسلمين بل العقلاء من أي ملة كانوا!
إن المتابع لتلك التعليقات والتعقيبان ليعجب من الهوة السحيقة التي انحطت إليها أخلاق هؤلاء، بل إن المرء ليعجب أن تصل أخلاق بعض أبناءالسودان -وهم قلة- إلى هذا الحد؛ فإن السودانيين عرفوا بحسن الخلق، واحترام المخالف، وقلة التجني والسماحة في التعامل واللطف واللطف في الكلام… ودونكم حلقات ما يسمى بالرأي والرأي المخالف أو (الاتجاه المعاكس) في عدد من وسائل الإعلام فإن المشاهد يجد السودانيين من أكثر الشعوب هدوءا، حتى باتت الشعوب الأخرى تضرب بهم المثل في السماحة وحسن الخلق وسعة البال…فسبحان مغير الأحوال…أسأل الله أن يغير الحال إلى أحسن حال…
*وهذه إضاءات حول ما حدث فإنه قد كثر الكلام وتتابع اللغط (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم )
1- هذا التصرف -أعني-الهتاف والصياح وماتبعه…لم يكن عفو الخاطر، ولا وليد اللحظة بل مبيت بليل…(والله يكتب ما يبيتون)
إن تلك الفئة قد بيتت الفتنة وأرادت أن توقع الناس في حرج وهم في غفلة، ووضع الشيخ أمام أمر واقع:
إما أن يخرج معهم وهو احتمال ضعيف واحتمال إرادة القوم له أضعف…
وإما إحراج الشيخ ومن ثم الوقيعة به…واستغلال الحدث للتشهير والإسقاط… بغية إظهار كل من له علاقة بالدين والعلم بمظهر المعارض لحقوق الشعب ومطالبهم!
يدل على ذلك الهجوم المسعور بعد إفشال الشيخ للمؤامرة وبيان جهلهم بحرمات المساجد بيوت الله…
كما يدل عليه بعض تغريداتهم وهم يتنادون لإشعال المناطق الآمنة وسمو هذا المسجد تحديدا…فهذا يدل على الإعداد للحدث مع سبق الإصرار…
2- هذا الفعل قد تكررأكثر من مرة بذات الأسلوب وإن اختلفت المناسبات… ففي عام2002م وكنت شاهد عيان تنادى بعض طلاب المؤتمر الشعبي في جامعة الخرطوم وغيرها وأعلنوا عن قيام ندوة بعد المغرب في مسجد الشيخ يتحدث فيها اثنان من كبار رموزهم والشيخ ولم يعلم الشيخ إلا قبيل المغرب… فصلى الشيخ المغرب بالناس ثم انصرف إلى بيته وقد توافدت الجموع رجالا ونساء راجلين وركبانا وأغلبهم يظن أن الأمر كما أعلن…ولم يحضر المتحدثين الآخرين؛ فقام أحد أولئك المتجمعون فهتف وردد وراءه أصحابه في ساحة المسجد وذكروا للناس أن الأجهزة الأمنية منعت الشيخ من الحضور!
مع أنه صلى المغرب وانصرف…ومن سوء حظهم أن تلك الليلة كانت ليلة الجمعة فأجل الشيخ كشف الحال إلى الخطبة وكانت عن الصدق ثم بين ما أشيع أنه محض كذب واستغلال رخيص لبيت من بيوت الله لتصفية الحسابات السياسية…
وكان قصد القوم إحراج الشيخ بأحد الأمرين المذكورين أعلاه…
3- تناسى أولئك الشانئون كل مواقف الشيخ السابقة -القريبة والبعيدة- منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي…فما تكاد تنزل نازلة بالبلد تتطلب موقفا وبيانا إلا وتصدى لها بكل صدق وشجاعة، في وقت كان كثير من الشانئين والمشنعين من خفافيش الأجهزة اليوم يتقاسمون الكعكة مع القوم…
هل نسيتم أو تناسيتم أيها المرجفون في المساجد مواقفه وزملاءه من أهل العلم في صد هجوم الرافضة على البلاد، والتحذير من خطرهم، وبيان ضررهم على عقائد الناس حتى تكللت بقطع الصلة بهم؟
هل نسيتم أو تناسيتم مواقفه أيام مؤامرة تقسيم السودان وفصل جنوبه عن شماله…أم كنتم وقتها جزءا من المؤامرة على التقسيم؟ بعضكم كان كذلك…
هل نسيتم آلاف الخطب وآلاف الفتاوى ومئات المحاضرات في تبصير الناس بأمور دينهم…؟
هل نسيتم قوافل الدعوة التي تسير لفيافي السودان ومدنه وقراه دعوة وتعليما وإرشادا وتبصيرا؟
وهل تناسيتم فتاواه المنذرة في بداية هذه الأحداث الحالية، محذرة للنظام بأقوى عبارات التحذير من مغبة سفك دماء المتظاهرين…حتى وهو خارج البلد…!
هل تجاهلتم الخطبة التي هلل لها أكثركم…ثم يتجنى عليه السفهاء من المحسوبين على الانتفاضة لأنه فند الكذب الذي قيل، وأنكر انتهاك حرمة المساجد بالصراخ والعويل!
4- لم يكن أكثر الناس يصدقون أن ثمة من يستغل انتفاضة الجياع ليحرف مسارها إلى أجندته الخاصة وأيدلوجيته الخائبة، وكان الناس يظنون أنها شماعة يتعلق بها النظام حتى ظهرت أصوات هنا وهناك من جهات مختلفة من المحسوبين على الانتفاضة تنادي بإقصاء الإسلام والإسلاميين حتى الذين هم خارج النظام،،، ويلصقون فشل النظام بالإسلام، وينادون بكل جرأة بالتحرر من قيود الشرع…
يضاف إلى ذلك انتهاك حرمة المساجد أكثر من مرة ومحاولة تسييسها لتوافق أهواءهم أو تدنيسها وأذية الركع السجود بالصراخ والهتاف الذي شابه أفعال الذين ما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية…
5-يخرج من تلك الأصوات المقذعة في فحش القول من يصف بيان الشيخ بأنه دعوة إلى العلمانية! ألهذا الحد بلغ الجهل المركب ببعض المنتسبين إلى التدين؟ وبهذه السهولة ينساق العاقل وراء كل ناعق؟ والله إنه لجهل قبيح، واقتحام لحرمة الأحكام صريح، لا يجرؤ عليها من عرف قدره وتأدب بأدب الإسلام…
أي علمانية تتحدث عنها؟ أصار النهي عن المنكر الصريح الذي هو أذية المصلين في بيت الله؟ ورفع الصوت فيها بغير ذكر الله؟ هي العلمانية عند هذا القائل؟ هل يعي هذا ما يقول؟ أو يردد قول كل جهول؟!
ولا يخلطن أحد بين ما يجوز تداوله في المساجد من الشؤون العامة والخاصة وبين رفع الأصوات بغير ذكر الله في بيوت الله فإن الفرق بينهما أوضح من الفرق بين ضوء النهار وظلام الليل… وثم أدلة صحيحة صريحة في تحريم مثل هذا التصرف
من تطلبها وجدها في مظانها…
6- إن كانت هذه أخلاق بعض من يرومون الإصلاح والتغيير… بهذه اللغة الإقصائية، واستهداف رموز الإصلاح قبل وبعد الأحداث، وعدم القبول بأي رأي مخالف فعلى الإصلاح السلام؛ إذ هذه التصرفات تسقط أصحابها أخلاقيا وهي هدية ثمينة مجانية على طبق من ذهب لمن خرجوا يريدون إسقاطه…
7- الحذر كل الحذر من الاستهانة بحرمة المساجد، برفع الأصوات الصاخبة فيها؛ فإن هذه المنادات من داخل المساجد هي مناداة بإسقاط حرمتها والتنفير منها، وإزعاج وأذية مرتاديها ممن لبوا نداء الصلاة وعليهم السكينة والوقار…
فهل أخطأتم الطريق إلى قصر الحكم حتى تنادون بالإسقاط من داخل المساجد…أم قصدتم إسقاطها هي نفسها؟
8- من حقك أن تختلف مع الشيخ وغيره، لكن ليس من حقك مصادرة حق الاختلاف…وليس من حقك إساءة الأدب مع من تختلف معهم…
علي الشايب
أحسنت يا رجل .. بارك الله فيك و جزاك خبرا
عبد الحي دم السوداني ما في حساباته من دماء دارفور إلى هبة سبتمبر 2013 اديه غزة و سوريا و بورما