اجتاحت منابر الخرطوم تسييس المنابر .. حالة “استقطاب حاد “
منتصف ديسمبر الماضي تعرض إمام في أحد المساجد الطرفية بأمدرمان للركل والضرب من قبل المصلين وتم إنزاله من المنبر عنوة واستبداله بآخر ليكمل الصلاة، وتم التعامل العنيف معه من قبل المصلين عندما حاول الإمام التبرير للضنك وشظف العيش الذي يعايشه المواطنون لابتعاد الإنسان عن ربه وتبرج الفتيات في الطرقات، وعندما وصل الإمام إلى هذه النقطة بالذات بدأت الهمهمات من قبل المصلين وكان الإمام قد شدد على أن الخروج على الحاكم حرام شرعاً داعياً المواطنين إلى ترك أكل الربا، وقبل أن يكمل الخطيب خطبة الجمعة التي ازدادت فيها الهمهمات الاحتجاجية كان قد اتجه الشباب إلى منبر الخطيب وطالبوه بالترجل عن المنبر لكنه رفض في بادئ الأمر مما دفعهم إلى ركله وضربه واستبداله بآخر ليكمل الصلاة . منابر كثيرة أصبح أئمتها يتحسسون خطبهم قبل أن تجري ألسنتهم بنطقها في منبر الجمعة، وذلك لأن المنابر أصبحت تؤدي دوراً ليس دينياً فقط بل وسياسياً في أغلب الأحيان الشيء الذي جعل مساجد بعينها تكتظ بالمصلين مقارنة بمساجد أخرى.
نفي قاطع
أمس الأول حذر إمام وخطيب “سيد المرسلين” بضاحية جبرة د. عبد الحي يوسف من التساهل في حرمة الدماء ودعا يوسف لمحاسبة المفسدين وعدم استغلال المظاهرات في تشويه الدين، ولعل حديث يوسف عن عدم التساهل في حرمة الدماء وحديثه عن عدم استغلال المظاهرات في تشويه الدين أغرى بعض مصلي المسجد الشهير على الهتاف بشعارات مناوئة للحكومة – نقلتها الفضائيات الأجنبية – مما دفع خطيب المسجد لإصدار بيان نفى فيه دعوته المصلين للتظاهر قائلاً “هذا الكلام عار من الصحة وواجب الناس أن ينزهوا بيوت الله من الخلافات السياسية ” ذاكراً أن أحد المصلين ومعه فئة قليلة هتفوا بشعارات محددة ضد الحكومة داخل المسجد ثم خرجوا إلى الشارع ولم يستغرق الأمر سوى دقائق معدودة مشدداً على أن المساجد لم تجعل للهتاف والصيحات وتبني المواقف السياسية حكومة كانت أو معارضة .
استقطاب حاد
في الجهة الشرقية من العاصمة الخرطوم، حيث يقبع مسجد “مجمع النور الإسلامي” بضاحية كافوري –والذي بناه رئيس الجمهورية – قطع إمام المسجد د. عصام أحمد البشير بأن التعبير السلمي حق كفلته الشريعة الإسلامية قبل أن يكون حقاً مكفولًا بالدستور والقانون واصفاً مطالبات المتظاهرين بالمشروعة ،وطالب البشير المسؤولين بتوسيع صدورهم للهواء الساخن، مشيراً إلى أن المسيرات التي خرجت كانت نتيجة لسياسات الدولة وتضييقها بسبب شح الوقود والخبز مضيفاً بأن المواطنين أضحوا في حالة استقطاب حاد بين فريقي “تسقط بس ” و”تقعد بس ” داعياً المواطنين إلى الاصطفاف حول ثوابت الوطن باعتبار أنه أكبر من الزعامات والأحزاب والطوائف .
مطالب مشروعة
ووصف البشير بأن صفوف الخبز والوقود مثلت “مسيرات صامتة ” والتي عبر فيها الناس بأفعالهم معتبراً أن الدعوة التي خرجت مطالبها مشروعة وأن من حق الناس أن ينادوا بها مضيفاً بأن الدولة بعد أن وصلتها الرسالة عليها أن تفي بالوعود، فالناس تريد إنجازات على أرض الواقع، مشيراً إلى أنه لا يستقيم ألا يستطيع الإنسان أن يتحكم بماله .
مواجهة الاستهداف
في الجهة الجنوبية من العاصمة، حيث مسجد “الفتح بضاحية “المعمورة، شدد أمام المسجد محمد حسن طنون على أن السودان يواجه الاستهداف باعتبار أنه جزء من الأمة الإسلامية داعياً المصلين إلى الرجوع إلى الله خاصة عند الشدائد والضيق والإكثار من الدعاء بجانب العمل مشيراً إلى إدارة سيدنا يوسف لمصر في وقت المجاعة، وخطته المحكمة في زيادة العمل والإنتاج والتخزين، منوهاً لضرورة تبصير الحكومة الناس بالواجبات والحقوق، مشيراً لواجب الحكومة في حفظ الدين والحياة والنسل والأعراض والأمن والأموال وتوفير الغذاء والدواء والبنيات الأساسية وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين .
مساجد مناوئة للنظام
في الضفة الغربية للنيل، حيث مسجد ودنوباوي الذي درج على تقديم خطب منبرية يمكن القول بأنها ذات طابع سياسي، ومنذ ثلاثة أسابيع- بعيد التظاهرات – تعودت أحياء الهجرة وودنوباوي على سماع أصوات الهتافات المناوئة للنظام، ومن ثم تبدأ أبخرة البمبان في الانطلاق إلى العنان ومن ثم تنطلق عمليات “الكر والفر” بين المتظاهرين والجهات النظامية الأمر الذي جعل مسجد “ود نوباوي ” من بين المساجد التي تحرس بوابتها الجهات الشرطية ليقينهم بأن الخطبة ستنتهي بتظاهرات.
تعدد أغراض المسجد
أشار د. الطيب زين العابدين إلى أن المسجد على الرغم من أنه مكان للصلاة، إلا أنه يمكن أن يقوم بمهام أخرى كثيرة وأكد زين العابدين في حديثه لـ”الصيحة “أمس أن الشأن السياسي لا ينفصل كثيراً عن الشأن الديني، فالمسجد منذ زمان الرسول صلى الله عليه وسلم كانت به أحاديث ليست عن السياسة فحسب بل كانت فيه أحاديث عن الجهاد أيضاً عندما يراد تسيير الجيش للحرب بالإضافة إلى أن المسجد نفسه كان مكاناً للمحكمة نفسها، وكان مكاناً لمداواة الجرحى، مضيفاً بأن الرسول(صلى الله عليه وسلم) لم يكن لديه سجن إنما كان يطلب من الشخص المراد حبسه أن يبقى بالمسجد، فالمسجد منذ ذلك الزمان كان مكاناً متعدد الأغراض، مشيراً إلى أن الراحل د. عون الشريف في عهده بدأ تعدد أغراض المسجد. وأشار زين العابدين إلى أن تعدد أغراض المسجد يحتاج إلى صرف بينما تعطي الحكومة إمام المسجد مبلغاً زهيداً لا يتجاوز المائة وخمسين جنيهاً، وبهذا فقد تناقص دور المسجد ، وأشار زين العابدين إلى أن الحكومة الحالية من أوائل الذين استغلوا المسجد لأغراض معينة، مشيراً لمسجد الجامعة والذي كان مكاناً ثابتاً للمتحدثين باسم الحكومة، وبذا فالحكومة “ليس لها وش ” لتمنع الآخرين من الحديث السياسي في المساجد.
حديث مشروط
وأضاف زين العابدين بأنه منذ زمان ليس بالقريب كان المسجد مكاناً تعليمياً، مشيرا إلى أن الحديث في السياسة مباح للجميع، ولكن في أوضاعنا الحالية يبقى من حسن الأدب والذوق أن يكون الحديث المنبري في السياسة أن يتضمن موجهات محددة منها ألا يستفز الخطيب مشاعر الآخرين، والأ يكون الحديث السياسي فيه فحش أو بذاءة، وألا يتحدث خطيب المسجد في حديث من شأنه أن يفرق بين جماعة المسلمين وألا تكون لغة الحديث كالتي تقال في الخطب السياسية ، ولكنه عاد ليقول: هناك مساجد معروفة بأنها لطوائف محددة فهناك مسجد ودنوباوي وهو معروف بأنه مسجد لطائفة الأنصار، وهناك مسجد لجماعة “أنصار السنة ” وغيرها من المساجد المعروفة لطوائف بعينها، فالذي لا يريد أن يستمع لما تقدمه مثل هذه المساجد فعليه إلا يذهب إليها .
حق مشروع
وأشار الأكاديمي والمفكر الإسلامي محمد المجذوب في حديثه لـ”الصيحة “أمس إلى أنه لا يؤمن بالفصل ما بين السياسي والديني لأن الفصل يعني التسليم بفكرة “العلمانية “، مشيراً إلى أن الحديث في السياسة حق مشروع للجميع سياسيين وغير سياسيين، مضيفاً بأن المشاركة في الشأن العام ليست حكراً على فئة بعينها، وبالتالي الحديث عن السياسة في المنابر مطلوب، وذلك لأن المجتمع السوداني ككل ثقافته في الأصل دينية، مشيراً إلى أن الدين أوصاهم بذلك “الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”، فالذي لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم . مضيفًا بأن المشاركة في الحياة السياسية تدخل من باب أنها واجب ديني في “المناصحة ” وهناك آراء تصدر باعتبار أنها آراء اجتهادية من الأئمة ولكنها في الأساس حق مشروع لهم .
صحيفة الصيحة.
لعل من إضاءات هذا التخريب المسمى مظاهرات انه ادخل الشيوعيين ملحدهم ومسلمهم الى المساجد…