تحقيقات وتقارير

التعايش بين الأديان سبيل للسلام

(الحُريات الدينية في السودان) عنوان ورشة قدمتها لجنة الحُريات الدينية التي يترأسها المدير العام للإدارة الأوربية والأمريكية بوزارة الخارجية السفير “عمر الصديق”، بالتنسيق مع المجمع الكنسي أمس الأول بقاعة الصداقة بالخرطوم، بحضور وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية، السفيرة “الهام شانتير” وكبير أساقفة “كانتريبري” “بيشوب نيك بينز” ممثلا للكنيسة الانجليكانية وممثل منظمة “سانت جايدو” والسفير البريطاني والقائم بالأعمال الأمريكي وعدد من ممثلي السلك الدبلوماسي ورجال الدين وممثلي المجتمع المدني .

#الجلسة الافتتاحية

المدير العام للإدارة الأمريكية والأوروبية ورئيس لجنة الحريات الدينية السفير “عمر الصديق” أكد خلال مخاطبته الجلسة الافتتاحية للورشة اهتمام الجهات المختصة بتوصيات الورشة وأنها سترفع للجنة الدستورية والجهات المعنية بتعديل القوانين.
من جانبه قال كبير أساقفة “كانتريبري” “بيشوب نيك” إن الحريات الدينية موضوع مهم في العالم ككل وليس السودان فقط لأنه يتعلق بالمجموعات التي تعيش مع بعضها، مبينا أن الدين والسياسة مرتبطان لعدم مقدرة الفرد على فهم العالم بدون فهم الدين، “بيشوب” أشار إلى وجود توجهات علمانية تسعى لإقصاء الدين، مبيناً أن الدين هو لب اهتمامات المجتمع، وقال نحن لدينا أيضا تحديات لكنها على مستوى مختلف، مشدداً على أن حُرية الأديان لا تقف بمعزل عن حقوق الإنسان.
وأضاف كبير الأساقفة (إن هنالك مواضيع أساسية للنقاش مثل التشريع الخاص بولاية الخرطوم وعطلة يوم الأحد وإزالة الكنائس والأراضي، ومسألة تسجيل الأطفال في الطوائف الدينية، وفيما يلي الأقليات، قال “بيشوب” (يجب أن ينال الجميع حقوق متساوية لتساويهم في المواطنة، وأضاف (يجب أن تحدث بعض التغييرات للتأكيد على أن الأديان تعيش جنبا إلى جنب، مشيرا إلى وجود تحدي بخصوص تنشيط مجلس الكنائس وإيجاد أرضية مشتركة للحريات الدينية كمفهوم وواقع.

#أقليات دينية

من جانبه تحدث القائم بالأعمال الأمريكي في السودان “استيفن كوتسيس” عن أهمية وجود تمثيل أكبر للأقليات الدينية في الحكومة بما في ذلك المكاتب الفنية التي تتعامل مع تصاريح الأراضي والإدارة التعليمية، فضلا عن التوزيع المتساوي للموارد لجميع الجماعات الدينية لتصاريح البناء لدور العبادة .
مشيراً إلى أن موضوع الحريات الدينية حقوق الإنسان وإيصال المساعدات الإنسانية أحد المحاور الأساسية للمرحلة الثانية للحوار الأمريكي السوداني، وقال من الواضح أن هنالك العديد من قضايا حقوق الإنسان التي يجب معالجتها في السودان، وجدد دعم واشنطن لحق الشعب السوداني في التجمع السلمي للمطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، والمظالم المشروعة للسكان، مطالبا الحكومة بخلق بيئة آمنة للتعبير والحوار مع المعارضة والمجتمع المدني لعملية سياسية أكثر شمولاً وقال إن الحرية الدينية ضرورية لمجتمع متساوي، مؤكدا أن أمريكا تقف إلى جانب الحرية الدينية والتعدد الديني في جميع أنحاء العالم، وأن إدارة “ترمب” والشعب الأمريكي يناصرون أهل الإيمان.
وقال القائم بالأعمال الأمريكي إن المسلمين والمسيحيين السودانيين وغيرهم من المؤمنين يعيشون جنبا إلى جنب ويحافظون على الصداقات ويدعمون بعضهم بشكل عام، وأضاف (لكننا منشغلون بإدخال تحسينات على سياسات الحكومة لحماية التسامح الديني، مشيراً إلى ضرورة أن يكون لدى السودان على الصعيدين الوطني والمحلي قوانين وسياسات لا تسمح بالترخيص فحسب بل تعزز بنشاط قدرة التجمع والأفراد من جميع الأديان بجميع معتقداتهم بالحرية والحماية المناسبة، وإقامة دور العبادة دون تعرض ممتلكاتهم للتهديد من قبل جهات حكومية أو خاصة بنزع الأراضي، وعدم تعرض المتعبدين للمضايقات والترهيب من قبل المسؤولين، مطالبا مسؤولي الحكومة باحترام الشؤون الداخلية للجماعات الدينية بما في ذلك السماح لهم بانتخاب مجالسهم، مؤكدا على جهود حكومة السودان التي وصفها بالمهمة لضمان حرية الممارسة الدينية عن طريق تنظيم هذه الورشة لافتا إلى أنها فرصة لتوجيه السياسة العامة السودانية لدعم الواقع الديني المتعدد في السودان.

#الحوار الديني

من جانبه أكد ممثل منظمة سانت جايدو الايطالية “باولو انيافيتو” أن الحوار الديني هو الوسيلة للحريات الدينية، وقال إن التعليم المفتوح يساعد على الحوار والحريات الدينية .
أما ممثل الطوائف المسيحية “وليم دينق” فقال إن التعايش بين الأديان هو السبيل للسلام الذي يتوق الجميع لحدوثه مؤكدا على ضرورة سلامة النوايا لتحقيق ذلك.

# الحريات الدينية في الفقه والقانون

الجلسة الأولى للورشة تحدثت عن الحريات الدينية في الفقه والقانون من خلال ورقتين، الأولى بعنوان حرية الدين والمعتقد في القانون قدمها د. “علي سليمان”، وأخرى بعنوان “الرؤية الفقهية للحريات الدينية” قدمها “أحمد محمد عبد المجيد” وعقب على الجلسة المحامي “نبيل أديب” .
الجلسة الأولى التي كان مقررها دكتور “طارق المجذوب” خلصت إلى أن حرية الاعتقاد يؤيدها الدستور السوداني الذي يقوم على المواطنة كحق أساسي للحريات وأن وثيقة الحقوق هي عهد بين السودانيين، وأكدت على أن القانون يأتي منظماً لحريات المواطنين، وليس منتقصا لها ومناقضا للدستور ولفتت الجلسة إلى أن الإساءة للأديان جريمة بثوابت قضائية قديمة، وأكدت أن بعض مع مبادئ حقوق الإنسان والحقوق الدستورية التي تتمثل ايضا بالزي الفاضح ليست جريمة لها علاقة بالدين مثل مادة الزي الفاضح والتي لا يمكن قياسها بمعايير واضحة لافتة إلى أنها لا تتفق مع أساس القانون المبني على معايير واضحة بل بالعكس تضع السلطة لتقييم ذلك في يد أفراد، وأن صدى وتداعيات هذا القانون كبيرة وتضع السودان في صورة المنتهك لحقوق المرأة .

وناقشت الجلسة الحكم الذي صدر على “محمود محمد طه” بالردة، وقالت إنه كان قرارا سياسيا، وأكدت على حرية الاعتقاد من خلال عدد من النصوص الدينية، وأشار مقرر الجلسة لقول مقدم الورقة الثانية (إن تجريم الردة يرجع إلى أن إعلانها يكون ترويجا لأفكار جديدة تفتح بابا للفوضى في المجتمع وأنها ممنوعة في كل الأديان) الأمر الذي أثار جدلاً قانونياً واسعاً واعتبره دكتور “نبيل أديب” مناقضا للدستور ومساندة للدولة وسياستها، وقال أديب (لم تكن منصفة ولا ضرورية) وخلص إلى أن جريمة الردة ضد حرية الاعتقاد وأشار إلى أن الورقة الثانية التي قدمت خلصت إلى أن جريمة الردة يقصد بها حماية الدولة وكأنها خيانة عظمى)، وأضاف (بما أن الدولة السودانية حتى الآن دولة مواطنة فلا مكان لوجود مثل هذه المادة في القانون.

وتحدث أديب أيضا عن المادة (152) الزي الفاضح ووصفها يمهد إلى معيار ذاتي للشرطة والقضاء في تحديد التكييف القانوني وبالتالي تخالف مبدأ المشروعية، مشيراً إلى عدم وجود جريمة أو عقوبة واضحة، وأوضح أن استخدام الشريعة وفقا للتشاريع المتعددة بها اشكالات .
وأشار مقرر الجلسة دكتور “طارق” ايضا إلى ما قاله “أحمد عبد المجيد” عن أن الدين رسخ للمساواة وعلى أن الأحوال الشخصية هي مسألة دينية سواء مسيحية أو مسلمة، وعدم ارتباط ذلك بالمبادئ الحقوقية في الدستور، وتساءل مقرر الجلسة عن اتساق ما قاله الشيخ مع بعض الاتفاقيات، سيداو مثالا.

# إجراءات تشييد دور العبادة والعطلات المدرسية

رئيس لجنة الحريات قال خلال مخاطبته الجلسة (إن أكثر التوجسات كانت من إجازة يوم السبت للطلاب المسيحيين، وتم اليوم التأكيد بإزالة هذه العقبة) مشيرا إلى قرار وزارة التربية والتعليم الذي أعلن عنه دكتور “أبو الطيب حسن” بفك تجميد يوم السبت للطلاب المسيحيين لتمكينهم من الاستفادة من اليوم في الدراسة باعتبار أن يومي (الجمعة والأحد) عطلة.
السفير “عمر الصديق” أكد حرصهم على وجود مسيحيين في المجلس الأعلى للشؤون الدينية، مشيراً إلى تعيين عدد منهم، وأكد أن المادة ( 152 ) من القانون الجنائي السودان الخاصة بالزي الفاضح، تحتاج لتعديل لأن المتضررين منها نساء ووصفها بالـ(الفضيحة) وأنها تظهر السودان كمنتهك للحقوق، مشيراً إلى التعامل الإعلامي معها .

#توصيات

الورشة أوصت بتعديل القوانين التي لا تتماشى مع الدستور وإنشاء لجنة لإصلاح القوانين بالإضافة إلى إدراج أعياد ومناسبات المسيحيين ضمن أجندة الدولة الرسمية وتوفير المعلم والفصل للطلاب المسيحيين وإعادة صياغة مقررات التربية المسيحية بما يتماشى مع إعمار الطلاب على أن يكون ذلك تحت إشراف الكنيسة وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، وضرورة إشراك مجلس الكنائس في عضوية لجان التخطيط المختلفة، فضلا عن حث الجهات ذات الصلة بالإسراع في إنشاء مفوضية حقوق غير المسلمين في كل أرجاء السودان، وإعادة الثقة بين أجهزة الكنيسة ومؤسسات الدولة وتشكيل جسم أو آلية تعبر عن الطوائف الكنسية في السودان.
وطالبت التوصيات مجلس الكنائس بالدخول في حوار إيجابي وفاعل من أجل تعزيز روح الوحدة المسيحية وفكر الاتحاد الكنسي بين الطلاب المسيحيين في السودان، وأكدت على ضرورة إقامة مؤتمرات وندوات لإحياء روح التعايش وعدم تسييس الدين، وناشدت الكنائس بالتعاون مع الآليات الوطنية لحل المشاكل وعدم تصديرها للخارج.

صحيفة المجهر السياسي.