استشارات و فتاوي

استصغار الذنوب وتهوينها.. حذرنا منه الرسول وتجنبه الصحابة


حذر كثير من الدعاة والمشايخ من إثم خطير وخلق ذميم، وهو أن كثيرًا من الناس أصبحوا يقللون من أثر الذنوب، ويستصغرون الآثام والمعاصي الصغيرة التي يرتكبونها ويكررونها بشكل مستمر حتى تصبح عادة بدعوى أنها معصية صغيرة.

وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خطورة هذا الأمر؛ لأن من يرتكب هذه الصغائر ويحقرها ولا يلقي لها بالًا ينساها بمرور الوقت ولا يتوب منها فتتكاثر عليه حتى تصبح مثل الجبل الضخم، لا يقوى على حمله فيهوي بذنوبه في النار.
وعن ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قومٍ نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه”.
ومعنى الحديث أن التقليل من شأن هذه الذنوب التي تكون في عين الإنسان ونفسه صغيرة ولا يلتفت إليها ويعتبرها لن تضره شيئًا قد تكون سببًا لهلاك الإنسان ودخوله النار.

وصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدركوا خطورة هذا الأمر، وامتثلوا للتحذير النبوي منه، فكانوا يتوبون من كافة ذنوبهم كبرت أو صغرت، حتى أن الصحابي الجليل أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الموبقات”.
بل إن من الصحابة رضوان الله عليهم من ذهب لأبعد من هذا عند الوقوع في معصية صغيرة، أو سهو في صلاة قد يحدث لأي أحد منا، ومن هؤلاء طلحة الأنصاري رضي الله عنه الذي كان يصلي يومًا في بستان له يحبه جدًا، وأثناء صلاته رأى طيرًا يخرج من بين الشجر، فتعلقت عيناه بالطائر حتى نسي كم صلى، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي ويقول: يا رسول الله .. إني انشغلت بالطائر في البستان حتى نسيت كم صليت، فإني أجعل هذا البستان صدقة في سبيل الله، فضعه يا رسول الله حيث شئت لعل الله يغفر لي”.

وفي كتاب “إحياء علوم الدين” هذا المصنف الفريد تحدث الإمام أبوحامد الغزالي عن مسألة تحقير الذنوب وأن استضغار الذنب قد يحوله إلى كبيرة، فيقول: “تصير الصغيرة كبيرة بأسباب منها الاستصغار والإصرار فإن الذنب كلما استعظمه العبد صغر عند الله، وكلما استصغره عظم عند الله، لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب منه وكراهته له، وذلك النفور يمنع من شدة تأثيره به. واستصغاره يصدر عن الألفة به، وذلك يوجب شدة الأثر في القلب المطلوب تنويره بالطاعة والمحذور تسويده بالخطيئة”.

مصراوي