غنم إبليس
مرات كثيرة يهيأ لك أن الدنيا قد أظلمت إلى ما لا نهاية، وأن الأفق قد اطبقت جنباته عليك حتى أن صدرك قد تداخلت أضلاعه.. تفكر في الكثير من المخارج.. قد ترى وراء الحدود والمهاجر مخرجاً.. أو أن تنتقض على تفاصيل حياتك البائسة ومسرح شخوصها التعيس، أو تنطوي على ركن قصي منعزلاً عن حراك الناس وسعيهم، قد تنسد أمامك كل الحلول فتعمد إلى البكاء والصراخ الداخلي.. قد يلحظ الناس أنك بدأت تحادث نفسك ببعض الهمس جهراً، أو أنك نزعت عنك سترة التريث والتعقل.. قد تستطيع أن تكبح جماع نفسك مرات… وتفر إليه.. تتوضوأ من درن الذنب وتنحني خاشعاً، فتجد الحلاوة الروحية، ولكنك ما إن تفارق مواقع السجود والركوع إلا ويزاورك إبليسك اللعين ويأخذك إلى رعي أغنامه الشاردة، فتسرح معها من جديد في مراعي ومراتع الوجل والأنا والذات، وتعود وقد فرت منك زمامتها وفارقتك أماني امتلاكها، وتعرف انك عدت بلا ضرع ولا عشب ولا ماء.. وتزاورك أنفاس اللعنة مرة من بعدها.. لتبثك أشواق الانفلات والانطلاق إلى أعلى مراتع الآمال.. تحبطك الأيام وتستلب منك بعض إرادة، وتذرك وحيداً تتلفت، تبحث عن معالم الطريق وملامح الرفيق.. ثم لا تلبس أن تعود من جديد تتفيأ الظلال وتمكث عند أطراف الأنهار لتقول بكل تودد.. عودي إليّ أيتها الأغنام السارحة.. وتمارس الأغنام الرعي الجائر تتعدى على المرعى والزرع وتستلب الأغصان والأوراق والأفرع وتترك الجذور تغوص بحثاً عن عمق الماء، ولا شئ ينبئ بالإخضرار إلا بصيص الشعيرات وكشح التشربات وتقفي عائداً تستلب التصبر، وتشحد الرغبة، وتعاود المسير، ولكن الرفيق مزمار من قوص الوجع ولهف النفس.. لتأخذك الوهاد إلى النجار وتعود بك إلى حياة الناس.. لتعرف أنك مازلت راعياً للأوهام والأحلام.. تحاول عبثاً أن تكون قدر الزمن وتحديه وتعلن داوية الأيام، وترفث فسوق العجز والوهن وتكبر فجائية الرأس عندك وتتحسس الأقدام شيئاً من مواقع.. إن قوم إلى الحياة بلا توانٍ أو كسل.. فتوغل في فيافي البراري وتعمق في لجج البحور، وتعبر بك الأيام إلى الشواطئ، لتجد أغنام إبليس على الضفة تنتظرك، وقد اكتزت باللحم والضرع.. تفكر فيها مرة أخرى وتصوب إليها سهام السعية والتبني، فتدخل إلى دوامتها «الفظيعة».. وكل مرة تهجرك عندما تتشتت في الجهات الأربع، وتختلط عليك محالك الليالي، ومسارب النهار، لتعود دامع العينين تندب الحظ البليد الذي رفض الانقياد لك، وتملأ الكون الساكن بضجيج الوجع والانتحاب، وتنهر الأيام وكسب حظوظك، وأنت تعرف أنك لا يمكن أن تصيب الدهر بسهام اللعن والسباب، فمازالت أجواؤك الداخلية تعرف أنه هو الدهر والأقدار.. فتقف عند السدرة والمنتهى.
آخر الكلام:-
وراء أغنام أبليس موارد الكثير من الهلاك، ولا تتركك هذه الأغنام إلا بعد أن تشبع كرشها وتجترك ألماً وحسرة، ثم تذرك هناك باحثاً عن طرائق العود.. (أحي حي يا جنا.. الفاتن خلهن.. أقرع الواقفات)… ووداعاً غنم أبليس ….
[/JUSTIFY]
سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]