تحقيقات وتقارير

الوثيقة الدستورية .. في كف عفريت التفاصيل

تأبى قوى إعلان الحُرية والتغيير، إلا أن تضاعف من تعقيد المشهد السياسي بالبلاد كل صباح، فخلافاتها لم تتوقف عند المجلس العسكري فقط، بل طرأت انقسامات داخلها، بعد تسليمها للوثيقة الدستورية للمجلس العسكري الانتقالي، بيد أن بعض القوى المنضوية تحت لواء قوى الإعلان، تبرأت من الوثيقة، وقطعت بأنها لا تمثلها، في وقت خرج تجمع المهنيين الواجهة الأبرز لقوى التغيير، غاضباً منتقداً خلافات التحالف، مما دفع كثيرون للمطالبة بفك ارتباط المهنيين مع قوى التغيير، لاسيما وأن للأول وزنه في ساحة الاعتصام، وفي الضفة الأخرى تباينت آراء القوى السياسية حول المقترحات التي دفعت بها الوساطة الوطنية والتي أبرزها تكوين (مجلس سيادي مدني 7 مدنيين و 3 عسكريين برئاسة البرهان، ومجلس آخر سيادي عسكري موازي 7 عسكريين و3 مدنيين برئاسة البرهان أيضاً)، في وقت لم تتضح الرؤية بعد، فيما يتعلق بالمآلات التي ستمضي بالمشهد السياسي إلى بر الأمان.

الوثيقة.. في مهب الريح

ويبدو أن الوثيقة الدستورية التي سلمتها قوى إعلان الحُرية والتغيير، الخميس الماضي في مهب الريح، بعد أن تبرأت منها بعض الأحزاب، وانتقدها البعض بأنها لا تحوي المطالب التي تنادي بها الثورة، وقال رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، لا نعترف بالوثيقة الدستورية التي قدمتها قوى الحرية والتغيير للمجلس العسكري، نعتبرها نوع من الاختطاف، وأضاف المهدي نحن قلنا لا تمثلنا حيث لم تتم استشارتنا بخصوصها.
فيما الأرجح أن تخطف وثيقة الوساطة الوطنية الاتفاق من وثيقة قوى التغيير، وهنا يقول المهدي، عندما جاءت وثيقة الوساطة رأينا أنها مناسبة وأعتبرنا وثيقة قوى الحرية والتغيير كأنها لم تكن، وحزب الأمة سيكسب أي انتخابات تجري، وليس بعيداً عن ذلك وأعلنت قوى الحرية والتغيير، قبولها المبدئي بمقترح الوساطة بمجلسين سيادي وأمني، كما أقرّت القوى بقصور الوثيقة المقدمة للمجلس الانتقالي السوداني، وقال القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير، عمر الدقير، إن لدى القوى ملاحظات على وثيقة الدستور التي قدمتها للمجلس الانتقالي العسكري، وأضاف أن القوى قد تعجلت في تسليم وثيقة الدستور لمقابلة الموعد المحدد من قبل المجلس العسكري، وتابع الدقير أن مدنية الحكم ضرورة، وأن الشعب يريد ذلك.

الوساطة .. رفض الشيوعي

بالرغم من إعلان حزب الأمة برئاسة الصادق المهدي، موافقته على مقترح الوساطة، إلا أنها لم تجد إلاتفاق الكامل من قوى إعلان الحرية والتغيير، حيث اعترض الحزب الشيوعي على المقترح ورفض تماماً وجود الجيش ضمن عضوية المجلس العسكري، وطالب القيادي بالحزب مختار الخطيب، العسكري بتسليم السلطة إلى قوى الحرية والتغيير والعودة إلى ثكناته، وقال إن مقترح الوساطة بشأن الخلافات حول المجلس السيادي يفتح الباب أمام الثورة المضادة، وأضاف نرفض رئاسة أي رتبة عسكرية للمجلس السيادي، ومشاركتهم ضمن عضويته، وقال الخطيب في بيان، إن الحزب يرفض تكوين مجلس عسكري للأمن القومي خارج المؤسسة المدنية كواحدة من مستويات هياكل السلطة القادمة، وأوضح أن مجلس الأمن القومي هو هيئة يكونها مجلس الوزراء وتتبع له ويحدد مهامها وفق احتياجات الوطن، وألمح إلى حصوله على ورقة محاصصة مقترحة بين قوى التغيير والمجلس الانتقالي.
وطالب الحزب الشيوعي، بقصر عضوية المجلس التشريعي كما جاء في الإعلان الدستوري على الكيانات السياسية والهيئات المكونة والموقعة على ميثاق إعلان الحرية والتغيير فقط إلى أن تنتهي الفترة الانتقالية ويعقد المؤتمر الدستوري ويكتب الدستور الدائم، وأكد تمسكه بفترة الأربع سنوات للحكومة الانتقالية استناداً على تجربتي أكتوبر 1964م وأبريل 1985م ولتحديد فترة كافية لفتح الطريق لحل الأزمة العامة وتنفيذ مهام الفترة الانتقالية.

العسكري .. خط أحمر

وفي الضفة الأخرى أعلن المجلس العسكري رفضه أغلبية مدنية بالمجلس السيادي، وقال عضو المجلس الفريق صلاح عبد الخالق، إن الجيش لن يقبل بأغلبية مدنية في مجلس مؤقت لتقاسم السلطة، معتبراً ذلك الأمر خطاً أحمراً، وقال إن المجلس يمكن أن يقبل بتمثيل متساو للمدنيين والعسكريين، لكنه لن يقبل بأغلبية مدنية في المجلس السيادي، تعليقاً على مطالب قوى الحرية والتغيير.. في سياق آخر أعلن المجلس العسكري عن عقد مؤتمر صحفي اليوم لايضاح ما دار حول الوثيقة الدستورية ومقترح الوساطة، مؤكداً أنه لن يفض الاعتصام بالقوة .

(المهنيين) .. الموقف التفاوضي

تجمع المهنيين السودانيين لم يقف صامتاً حيال تلك الأحداث، أصدر بياناً أمس الأحد، أكد فيه أنه لن يقبل إلا بمجلس سيادي مدني انتقالي واحد بتمثيل محدود للعسكريين، بحيث تتلخص مهامهم في الأمن والدفاع، وأوضح التجمع أن مجموعة من السودانيين الوطنيين تقدموا بوساطة مع المجلس العسكري، مشيراً إلى أن هذه الوساطة وجدت موافقة جماعية من قوى الحُرية والتغيير، وقال البيان إن مهام الأمن والدفاع تشمل فيما تشمل الأدوار المختلفة للمؤسسة العسكرية بما في ذلك إعلان الحرب والمشاركة مع الجيوش الأخرى وقضايا الحرب على الإرهاب أو مواجهة التطرف، وهذه كلها حزمة واحدة ينحصر دور المدنيين فيها في متابعة التقارير ووضع التوصيات، وهذا ما يحدده ويصيغه ويضبطه القانون، وأضاف البيان على العسكريين القيام بهذا الدور أن يضعوا الموقف الوطني المطلوب لصيانة سيادة الوطن وكرامته، وتابع هذا هو موقفنا التفاوضي الذي يمكن أن يكون أرضية مرنة للتفاوض والاتفاق، وهو موقف ينبني على رؤية متبصرة لما يحيق بالبلاد، ودعا البيان جميع جماهير الشعب السوداني للتمسك بأشكال الحراك السلمي الجماهيري كافة، مع ترتيب الصفوف وزيادة وتيرة العمل التنظيمي والاستعداد للاحتمالات كافة.

فك ارتباط

وفي تطور متسارع للأحداث تعالت أصوات تنادي بفك ارتباط تجمع المهنيين من قوى إعلان الحرية والتغيير، بعد الخلافات التي ضربتها وعدم الاتفاق على موقف واحد، وتطرق لهذه الخطوة التجمع، قائلاً: (في خلال الأسابيع القليلة الماضية ظللنا ندور في حلقة مستمرة من الاختلاف بين بعض التنظيمات السياسية والتي لم تلتزم بالقرارات الجماعية والإعلام الموحد والمشترك في إصدارها للبيانات المنفردة والأحادية، بحثاً عن مصالح حزبية مُتعجلة ما خلق وباستمرار ربكة وسط الجماهير وقواها الحية المحبطة أصلاً من أسلوب وطرق العمل السياسي في البلاد، إن البيانات والصراعات والأصوات الحزبية المتضاربة تضرب الثقة بين مكونات الشعب السوداني في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للوحدة لإكمال مهام ثورتنا التي لا زالت تواجهها تحديات عديدة وأعداء كُثر يتربصون بها من كل جانب، نعلم أننا في تجمع المهنيين قد تقاصرت بعض من رؤانا مؤخراً عن رؤى الشارع المعلم، ولكنا نعدكم بأننا لازلنا على عهدنا معكم بأن تكونوا حُداتنا الذين نتبعهم، وبوصلتنا التي نستهدي بها).

لكن تجمع المهنيين عاد وأكد أن موقفه ثابت من التحالف القائم مع قوى الحرية والتغيير وفق إعلان الحرية والتغيير، وهو موقف ينبني على استقلالية التجمع كشرط لأي تحالف أو شراكة من ناحية، ومن ناحية أخرى إيمانه اللامحدود بأن العمل الجماعي مع التيارات الوطنية سيفضي بلا شك لمواقف تجد التفاف قطاعات واسعة من الشعب السوداني وهو المبتغى والمرجو، بحيث يحدث توافق من أجل تمام الحرية والسلام والعدالة.

هل وصل التفاوض لطريق مسدود ؟

وفي السياق استبعد الناطق باسم قوى الإجماع الوطني، ساطع الحاج، الوصول إلى طريق مسدود مع المجلس العسكري، في ظل النقاش الدائر حالياً بشأن إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد، وقال الحاج إن قوى الاجتماع الوطني لا تتوقع الوصول إلى طريق مسدود مع المجلس العسكري الانتقالي، بشأن أعداد الممثلين في المجلس السيادي من المدنيين أو الجيش، وتوقع الحاج أن يرد المجلس العسكري الانتقالي على مقترح القوى بشأن الوثيقة الدستورية، التي ستحدد ملامح الفترة الانتقالية في السودان قريباً، من دون مزيد من التفاصيل.

من جانبها كشفت القيادية بقوى إعلان الحرية والتغيير (مريم الصادق)، أن مقترحات الوساطة جبت وثيقة قوى إعلان الحرية والتغيير وتم تجاوزها فعلياً، وأضافت ستكون هناك مشاركة في المجلس التشريعي من القوى السياسية والمجتمعية ونسبة كبيرة منها للقوى غير المنضوية تحت إعلان الحرية والتغيير، فضلاً عن تمثيل للمرأة بنسبة 40% في كل مستويات الحكم، كما تحدثت عن زيارتها للإمارات وقالت إنها ذهبت لشكر السُلطات الإماراتية على وقوفها وتعاونها معهم واستجابتهم لاستضافة الإمام الصادق المهدي، وأكدت المنصورة أن الشباب هم حراس الثورة وهناك حديث عن برامج لهم، مبينة أن سُلطات المجلس السيادي الذي تحدثت عنه الوساطة رمزية محدودة وهو محل إجماع، إلى جانب وجود مجلس خاص بالدفاع والأمن القومي أما الحكومة فهي حكومة أكفاء يتم التشاور مع الآخرين من أصحاب الكفاءة لتنفيذ برامج تدعم بواسطة مجلس تشريعي قوي يحرس مكاسب الثورة ويتابع أداء الحكومة بعين فاحصة.

اجتماعات مكثفة

وفي الأثناء برزت تسريبات بأن المجلس العسكري وافق على مقترح الوساطة بتكوين مجلسين، واشترط بأن تكون الرئاسة والنائب عسكريين، على أن تكون الأغلبية للمدنيين، كما وافق على مجلس (دفاع وأمن) بأغلبية عسكرية وصلاحيات واسعة.
في وقت نما إلى علمنا بأن قوى إعلان الحُرية والتغيير، انخرطت في اجتماعات مكثفة مساء أمس لم تنفض حتى كتابة هذه السطور، من أجل الاتفاق على خارطة طريق للاتفاق مع المجلس العسكري، وطوى الخلافات التي ضربت الإعلان، ومن المتوقع أن تفضي الاجتماعات إلى التأمين على مقترح الوساطة.

تقرير: جاد الرب عبيد
الخرطوم (صحيفة آخر لحظة)

تعليق واحد