بالصورة .. «الميت الحي» بحلوان .. عثروا على جثمانه بالنيل وعاد بعد نشر صورته على «فيسبوك»
رمضان علاء الدين، شاب ثلاثينى، يعمل طعمجي، قبل 4 سنوات، أصيب بحروق بوجهه وصدره إثر سقوط ماء مغلى من قدرة فول، كان يحملها، لتبدأ مأساة الشاب المتزوج والأب لطفل عمره 5 سنوات، فصاحب المحل الذي جرت داخله الواقعة اضطر لإغلاق محله، وزادت المأساة مع رفض أصحاب المحلات تشغيله «علشان شكلي بقى وحش.. فأصبحت عاطلاً لنحو 3 سنوات»، كما يقول، مضيفًا أنه حاول العلاج من الحروق بمستشفى قصر العينى لكن الأطباء تعنتوا معه وطلبوا أوراقًا كثيرة، وانتهى به الحال إلى تمزيق الأوراق.
اتخذ «رمضان»، كما يقول لـ«المصرى اليوم»، قراره في منتصف فبراير الماضى، بترك منزله في مدينة حلوان، والسفر إلى محافظة الإسكندرية للبحث عن عمل، وغاب عن أسرته لنحو 60 يومًا أو ما يزيد، لتبحث عنه أسرته في كل مكان، وحُرر محضر باختفائه حتى أبلغتهم الشرطة بوجود غريق بدار السلام، وللصدفة تشابهت أوصاف الغريق مع «رمضان»، وشيعت جنازة الغريق باعتباره الشاب المختف، حتى فوجئت أسرة الأخيرة بعودته إليهم حيًا، لتتحول مراسم الحزن إلى فرح كبير شارك فيه كل أهالى المنطقة الشعبية.
روى الشاب المٌلقب بـ«الميت الحي» بداية خروجه من منزله:«سافرت إلى منطقة المتنزه وحدى، دون أن أحمل شنطة سفر، خرجت من بيتى بملابسى فقط (بنطلون جينز وتيشرت وجاكيت أسود)، كانت الوقت متأخرًا من الليل، وكان بحوزتى أقل من مائة جنيه بالكاد تكفى مواصلاتى، ولم أكن أحمل تليفونًا محمولاً، ولم أخبر أحدًا من أهلى بسفرى، بالفعل نجحت في الحصول على فرصة عمل بمحل مأكولات شهير، بعد اجتيازى اختبارات الطهى المختلفة (بعرف أعمل طعمية وأطهو جميع أنواع اللحوم)، وتسلمت عملى الجديد عقب 5 ساعات من الاختبار (نزلت شيفت مسائى بذات اليوم)».
اختار «رمضان» توقيت سفره بعناية فائقة، لأن تلك الفترة كانت موسم «قرب دخول شهر رمضان والصيف داخل»، إضافة إلى أن المحل الذي وقع اختياره عليه للعمل، يديره سوريون يتميزون بحرفتهم في طهى جميع أنواع اللحوم التي يريد أن يتعلمها، بخلاف أن أصحاب العمل: «أكثر رأفه من مصريين يعايرونني بإصابتى ويسخرون من مظهرى».
وجد الشاب الثلاثينى حياة جديدة تفتح آفاقها أمامه، إذ حصل على راتب شهرى معقول، وسكن لدى أصحاب المحل، وارتاحت نفسه كثيرًا، لأن مديريه أصبحوا ينظرون إلى عمله وليس لشكله، فبحسب قوله:«فى عملى الجديد الحساب كان على جودة شغلى وفقط، وعمر ما حد قال لىّ لا تظهر أمام الناس شكلك وحش».
يتذكر «رمضان» فترة ما قبل الإصابة، ويضحك على أحواله حيئذ: «كنت بحط قدم فوق أخرى، واتأمر على صاحب الشغل، بعد الحروق التي أصابتنى تبدلت الأحوال».
وعندما اتخذ الشاب قراره بالسفر إلى الإسكندرية، لم يكن في نيته الاتصال على أحد من أسرته: «لا أستطيع حفظ أرقام التليفونات»، كما أنه لا يفتح حسابه بموقع فيسبوك ليتواصل مع الأهل والأصدقاء.
الصدفة البحته دلت «رمضان» على مأساته بأنه توفى بالنسبة إلى أهله، فكما يقول إن زميله في العمل ويُدعى «عبده» صاح به وهما جالسين معًا بالسكن، قائلاً: «الحق صورتك منشورة على الفيسبوك، والناس بتقول إنك مت واتدفنت، وعثروا على جثتك بمياه النيل».
لم يصدق «رمضان» حيئذ ما رأى، إلا أنه اتخذ قراره على الفور بالعودة إلى القاهرة، وكان ذلك ليلة شهر رمضان الكريم، وقبل رحيله أخبره صاحب العمل بقوله: «إنت ماشي في بداية الموسم، لا تأت للعمل تانى».
وصل الشاب الثلاثينى إلى منزله في حلوان، طرق باب شقة أسرته ليفتح له شقيقه الأصغر «صلاح»، ليغشى عليه في الحال، قبل أن يقول له: «إنت مش مت»، ليرد الأخ المختفى بكلمات ممزوجة بالفرح والحزن في آن واحد: «أنا قدامك أهه عايش».
يروى «شيف المأكولات» أن ما أحزنه «منظر أبويه وحزنهما عليه ظنًا أنه مات»، وأن ما أسعده أنه رأى الابتسامه تعلو وجهيهما بعد عودته إليهما.
كان والدا «رمضان» يجلسان في محل تصليح الأجهزة الكهربائية الذي يمتلكاه، وعندما تقدم نحوهما الابن، أصيبت الأم بلوثة ومشاعر لم تستطع السيطرة عليها، فقالت إنها كانت تلطم وجهها تارة، وتارة تضحك بصوت عالٍ، ومن حولها النسوة يطلقن الزغاريد: «حسيت إننا يوم القيامة وبعث كل شخص من جديد، وأمطرت جسد ابنى بالقبلات».
في غمرة فرحة أم رمضان لم تنس زوجها الرجل المُسن، والمريض بالضغط، فاقتربت منه تهدئه وتفهمه على مهلٍ، لأنها كانت تخشى أن يموت بعدما رأى ابنه يعود إليهم بعد تشييع جنازته: «كنت خايفة الراجل يروح منى وهو أعصابه على قده، وفعلاً حدثت له تشنجات».
تروى الأم أن قلبها كان يُحدثها بأن ابنها حيًا ما يزال «زارني في الحلم مرتين»، حتى أن الجنون أصابها بعدما أخبرها ابنيها «صلاح وعبدالله» بأنهما تعرفا على جثة «رمضان»، حين أخبرتهم الشرطة بالعثور عليه غريقًا.
وبعد هدوء الأم، ناشدت الحكومة أن تعالج ابنها من الحروق «ظروفنا على قدها، ومستشفى قصر العينى طلبوا مننا أوراق كتيرة جدًا، وابنى زهق من كثرتها، وفى النهاية مزقها»، كما تطالب بتوفير فرصة عمل لنجلها المصاب بحروق:«ليس ذنبه أنه اتحرق».
يعتبر والد الشاب رمضان أن ما حدث كرامة من كرامات أوليات الله الصالحين، ولا يجوز التحدث عنها إطلاقًا، لذا لاذ بالصمت، ولا يريد التعليق.
تحدث شقيقا رمضان فقال إنهما حررا محضرًا بقسم شرطة حلوان باختفاء شقيقهما، وبعد العثور على جثة غريق توجهها إلى مشرحة زينهم، وقالا إن جثة الغريق هي لشقيقهما، إذ تتطابقت بعض الملامح مع أخيهما: «جثة الغريق بها جرح في الرأس وحروق في اليدين وتحت العين، والشفاه، وبه سنة أماميه مكسورة، وهى العلامات الموجودة برمضان شقيقنا».
وبكلمات تسبقها الدموع، قالت زوجة رمضان: «لم أصدق نفسى وعودة زوجى إلينا.. وأتمنى تحسين ظروفه وحصوله على فرصة عمل»، واحتضن الابن «إسلام»- 5 سنوات، والده دون أن يعرف بتفاصيل الواقعة.
ودعت أسرة الشاب رمضان للضحية الغريق بالرحمة، وتنموا لو تعرف أسرته بمصيره، وروى أن جنازة هذا الشاب التي خرجت باعتباره ابنهم «شيف المأكولات والطعمية» كانت مهيبة: «الآلاف خرجت بها، وكانت الخشبة بتجري لوحدها».
وما تزال أجواء الفرح تعم المنطقة التي يقطنها رمضان، وفقًا لأصدقائه «رجب وخالد وماجد ومحمد»، فإنه بعد عودة صديقهم إلى المنطقة لم يصدقوا ما حدث، وكان سرادق العزاء ما زال منصوبًا لأنه كان اليوم الثالث للعزاء، وتبدلت الأحوال إلى فرح وظلت الأغانى تصدح إلى الصباح.
وتوجه والد رمضان وشقيقاه وزوجته إلى النيابة العامة، لسماع أقوالهم، وأمرت النيابة بإخلاء سبيلهم بعد ورود تحريات أجهزة الأمن التي أكدت صحة أقوالهم، وإنهم كانوا يظنون جثة الغريق لذويهم.
المصري اليوم