سياسية

“ميل آند قارديان”: قيادة الجيش للمجلس السيادي لا تُقوِّض الديمقراطية

اشترطت صحيفة ميل آند قارديان الزمبابوية، وصول الثوار السودانيين إلى حل توافقي مع الجيش من أجل ضمان نجاح الثورة، وقالت الصحيفة إن الثوار في السودان بحاجة إلى كسب الجيش إلى جانبهم من أجل الانتقال السلس للديمقراطية، كما هو الحال في تونس وتجنب السيناريو المصري.

ونفت الصحيفة أن يكون رئاسة المجلس السيادي من الجيش يقوض الديمقراطية، وقالت إن التحول الديمقراطي يحتاج إلى الصبر والعمل الجاد من قبل الطرفين، وأن على الثوار قيادة عمليات تفاوض ومصالحة مع شريكهم في الثورة للحفاظ على مكاسبها، وطالبت الصحيفة بالأولوية للانتقال التدريجي للسلطة بدلاً من الانتخابات الفورية. وأضافت قائلة: من المؤكد أن الاندفاع نحو صناديق الاقتراع على الفور يمنح الأحزاب القديمة الأكثر تنظيماً فرصاً للفوز على الجماعات المشكلة حديثًا التي تقود الثورة، حيث تتنافس على السلطة. تعتبر مصر مثالاً جيدًا على الطريقة التي يمكن بها للنظام القديم استغلال التوترات بعد الانتخابات بين العلمانيين الليبراليين والإسلاميين المحافظين لشن انقلاب ضد الرئيس المنتخب.

أطياف متنافرة

وحذّرت الصحيفة من اندلاع ثورة مضادة حال استمرت قوى الحرية والتغيير في مطالبها الرامية لتشكيل حكومة مدنية دون مشاركة الجيش، وقالت الصحيفة إن محاولات إحداث تغييرات جذرية من خلال معاقبة واستبعاد جزء كبير من النخبة القديمة، ليست ممكنة بالوسائل الديمقراطية، بل لأنها ستؤدي إلى ثورة مضادة تفضي إلى العنف والقمع، واصفة قوى الحرية والتغيير بالمزيج غير المتجانس كونها تتكون من أطياف سياسية ومدنية متنافرة، وقالت إن المتظاهرين ليسوا كتلة متجانسة وإن إحداث التغيير الجذري يأتي فقط عندما يتمكن فصيل من فرض إرادته على البقية، وغالباً ما يكون ذلك من خلال العنف، وأضافت بأن الثورات العميقة ليست سلمية، وعادة ما تؤدي إلى الديمقراطية وليس إلى أشكال جديدة من الاستبداد، واضافت بأن المحتجين يريدون إزالة النظام، وليس مجرد عدد قليل من الأشخاص في القمة، وتشكيل حكومة مدنية، كما يريدون الانتصاف من المظالم الاجتماعية والاقتصادية، وهذا لن يتحقق من خلال الديمقراطية التى ينادون بها وأن عليهم التمييز بين التغيير الديمقراطي والتغيير الجذري، مشيراً إلى أن التغيير الديمقراطي يأتي من خلال الوسائل السلمية والديمقراطية وقبول الحلول الوسط، بينما يؤدي التغيير الجذري إلى العنف الدموي واندلاع الثورات المضادة.

ديمقراطية ثورية

هناك العديد من الدراسات حول التحولات الديمقراطية السلمية في أمريكا اللاتينية، ولكن المثال الأكثر إثارة للاهتمام للمنطقة العربية هو تونس، البلد الذي يعتبر عموماً أنه الأقرب إلى الديمقراطية بعد عام 2011
لقد تجنبت تونس العنف والقمع والتدخل العسكري بعد أن شكلت جميع الحكومات بعد عام 2011 من خلال الانتخابات والمفاوضات.
ولكنها أيضاً البلد الذي لعب فيه الشباب دورًا حاسمًا في الشارع عامي 2010 و2011 وخاب أملهم تماماً بسبب التغيير المحدود، مما دفعهم لرفض المشاركة في الانتخابات التي لا يتوقعون منها إحداث التغييرات المطلوبة، مما أدى إلى تنامي ظهور الشباب الراديكالي الذي فضل الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية.

وكانت عملية العدالة الانتقالية – محاولة إلقاء الضوء على أخطاء النظام القديم وجاءت المعالجات محدودة وقصيرة الأجل، إذ تمت إعادة تأهيل العديد من الأشخاص المقربين من النظام القديم، والحفاظ على أموالهم وإعادة دخولهم العملية السياسية في نهاية المطاف.
تطهير عميق
ولا يعني ذلك أن تونس لم يكن بمقدورها تجنب ما حدث، إذ كان من الممكن أن تستمر لجنة الحقيقة والكرامة في عملها لفترة أطول وبمزيد من الطاقة، مما يوفر قدراً أكبر من الوضوح.
وكان قانون المصالحة الذي أعاد تأهيل الأعضاء الفاسدين في النظام القديم أقل تساهلاً. لكن التطهير العميق لأولئك المرتبطين بالنظام القديم كان يتطلب إجراءات قوية لا تتوافق مع العملية الديمقراطية، وزرع بذور الاستبداد الجديد.
وهذا هو الدرس الصعب من نتائج انتفاضات 2011 لدول مثل الجزائر والسودان: إذ يمكن أن يحدث التغيير من خلال الوسائل السلمية والديمقراطية، لكنه يتطلب الكثير من التسوية، وبالتالي سيكون غير مكتمل وغير مُرضٍ لطموح الكثيرين الذين خرجوا إلى الشوارع.

كما أن محاولات إحداث تغييرات جذرية أكثر، بمعاقبة واستبعاد جزء كبير من النخبة القديمة، ليست ممكنة بالوسائل الديمقراطية، لأن مثل هذه الجهود تستدعي رد فعل قوياً أي ما يعرف بالثورة المضادة والتي تؤدي إلى العنف والقمع.
كرة عمياء

وانتقدت الصحيفة سياسات الرئيس دولاند ترامب الدولية، والتي ادت إلى اهتزاز النموذج الغربي الديمقراطي، وقالت إنها أهملت ثورات التغيير في كل من دول شرق أفريقيا والشرق الأوسط، وأضافت: منذ أمد ليس بالبعيد، مثلت الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً يحتذى به بالنسبة للدول الأخرى. غير أن الشغب الدولي غير المبرر من قبل إدارة ترامب أذن برحيله، وشمل هذا الشغب عمليات التنمر خارج الحدود الإقليمية لمنافسيها في مجالي التجارة والاستثمار والتهديدات العنيفة ضد إيران وخطة سلام سخيفة في فلسطين والاعتداء على حرية الصحافة العالمية.
وأضافت أن الغضب والفزع من لعبة كرة دونالد ترامب المتدحرجة العمياء تحجبهم عن السبل التي يمكن أن تستخدم بها الولايات المتحدة قوتها التي لا تضاهى لإفادة الآخرين، لكنها ترفض القيام بذلك مما يجعل التعريف الأمثل لسياستها الحالية بالغياب التام. ومرة أخرى، يموت المدنيون السوريون في حرب مروعة ولم يفعل ترامب شيئًا لوقفها. تدق أجراس الإنذار حول أزمة المناخ.

تجاهل غربي

ووقفت الولايات المتحدة ذات مرة في طليعة الدول الغربية التي تروج للحكم الديمقراطي واحترام الحقوق الإنسانية والمدنية العالمية. وبالرغم من أن نموذجها لم يكن مثالياً إلا أنها فى معظم الأوقات حاولت ذلك وفي ظل ترامب، لم يتم التسامح مع الأنظمة الاستبدادية من روسيا ومصر إلى البرازيل والفلبين وكوريا الشمالية وميانمار فحسب، بل يتم تشجيعها والانخراط معها بشكل إيجابي. مما جعل القوى التقدمية التي اعتمدت على الدعم الأمريكي، والمثال الأمريكي، غير قادرة على القيام بذلك.
ليس هناك ما هو أكثر وضوحًا مما هو عليه الحال في السودان الآن، حيث تمر ثورة الشعب التي بدأت في ديسمبر الماضي ضد نظام عمر البشير المدعوم عسكرياً بخطر الفشل. على الرغم من حجمها وأهميتها الإستراتيجية، إلا أن السودان يحظى باهتمام ضئيل في الغرب. ومع ذلك، عندما ينظر إلى سعيها الشغوف بالديمقراطية، وصراعاتها الداخلية مع الإسلاميين، واحتمال أن تنفجر في حرب أهلية، مثل سوريا وليبيا واليمن، فإن هذا الإهمال يبدو قصير النظر.

سياسة مشوشة

وأردفت بالقول إن سجل الولايات المتحدة في السودان مختلط. حيث قام بيل كلينتون بقصف الخرطوم عام 1998 بسبب صلات مزعومة بتنظيم القاعدة. ساعدت واشنطن في التوسط في اتفاقية السلام الشاملة لعام 2005 التي تنبأت باستقلال جنوب السودان. حتى وقت قريب، كانت تحتفظ بالعقوبات على النظام.
ويصف الدبلوماسيون والمحللون الأجانب السياسة الأمريكية بأنها مشوشة أو غير موجودة. يقال إن العلاقات بين جمعية المهنيين السودانيين والقوى المنظمة للمعارضة والسفارة الأمريكية في الخرطوم متوترة. قال أحد مسؤولي المعارضة إن التحدث إلى الأميركيين كان “مضيعة للوقت”. كما فشل اجتماع عقد في واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر بين الدول الغربية والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في الاتفاق على مسار عمل مشترك تجاه التعامل مع الوضع فى السودان، فبدلاً من اغتنام هذه اللحظة، قامت الولايات المتحدة (وبشكل افتراضي، بريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة) بتمرير المبادرة إلى حلفائها في المنطقة.

ترجمة: إنصاف العوض
صحيفة الصيحة