تحقيقات وتقارير

بعد حديث البرهان الانقلابات على التغيير .. مهددات المرحلة

مُنذ الرابع عشر من يونيو وهي المرةُ الأولى التي يُعلن فيها المجلس العسكري الإنتقالي في السودان عن إحباطه محاولة انقلابية والتحفظ على المجموعات التي خططت لذلك، -مُنذ ذلك الوقت والتصريحات تتوالى عن المحاولات الانقلابية. أصابع الاتهام حتى اللحظة لم تستقر على أسماء بعينها، بل ظلت رهينةً لنتائج لجان التحقيق، ورغم الحديث عن يقظة القوات الأمنية وسيطرة المجلس العسكري عليها لكن المخاوف ما تزال متجددة خشية أن تؤتي إحدى هذه المحاولات ثمارها وتُسجل في التاريخ كانقلاب آخر ضد التغيير ومحاولة تحقيق الديمقراطية في السودان.

آخر المحاولات 1
آخر التصريحات عن إحباط محاولة انقلابية أدلى بها رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان أمس الأول، في أكثر من حوار تلفزيوني. البرهان قال إن آخر محاولة انقلابية كانت أمس الأول، وأنهم أحبطوا عددًا آخر من المحاولات، مشيرًا إلى أن حسمها يحتاج للدقة، وأضاف: هناك مجموعات تُخطط للاستيلاء على الحكم وقلب الطاولة على العسكري وقوى الحرية والتغيير، موضحًا أن انتماءاتها مختلفة وأن هدفها هو السيطرة على البلاد والتخطيط لذلك يجري الآن.
وبهذه التصريحات تصبح مخاوف البعض التي عبروا عنها عقب توقيع الاتفاقية بوقوع محاولات انقلابية، -تصبح- حقيقة، ومبررة طوال الفترة الانتقالية.

حقيقة الانقلابات 2
على الرغم من أن تصريحات رئيس المجلس العسكري الانتقالي برزت لدى البعض تساؤلات حول صحة هذه الانقلابات أو عدمها. ويرى هؤلاء أن التصريح حول وجود محاولات انقلابية يُعزز من السيطرة والوجود العسكري وزيادة القبضة الأمنية وتقييد الحُريات خصوصًا أنهُ لم يتم الكشف حتى اليوم عن هوية هذه المجموعات أو من وراءها، إلى جانب محاولات الكسب السياسي، فسابقًا حين أعلن المجلس العسكري عن إحباط محاولة انقلابية تزامن ذلك مع قرب زيارة وفد أمريكي للبلاد مما جعل التحليلات تمضي إلى أن ذلك ليس سوى محاولة للسعي لتخفيف الضغط الدولي إلى جانب تبرير الوجود العسكري وقتها.
بالمقابل يرى آخرون أن الوضع الحالي وعدم الاستقرار السياسي هو أكبر عامل مشجع لقيام مثل هذه المحاولات.
وفي ذات الاتجاه حين كشف الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الانتقالي، رئيس اللجنة السياسية الفريق شمس الدين الكباشي، سابقًا أن السلطات تحفظت على مجموعتين من العسكريين كانوا يخططون لمحاولات انقلابية، أوضح أن الظروف الحالية حفّزت الكثير من العسكريين والمدنيين للتخطيط لانقلابات.

من هم؟ 3
على الرغم من أن البرهان لم يوضح ماهية هذه المجموعات أو من وراءها، فإن الإعلان الوحيد عمن يقف وراء هذه المجموعات جاء على لسان الكباشي الشهر الماضي حين قال في مؤتمرٍ صحفي إن هذه المجموعات عبارة عن سياسيين ينتمون إلى قوى الحرية والتغيير يتفاوضون معنا ويخططون للانقلابات في الوقت ذاته.

أيضًا كان رئيس أركان القوات المسلحة هاشم عبد المطلب أحمد بابكر، كشف سابقًا في بيانٍ عن إفشال مخطط انقلاب عسكري في مهده قبل تحوله إلى محاولة انقلابية، وأضاف: بمراجعة تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان كان وراءها قوى سياسية حاولت جر القوات المسلحة إلى معسكراتها، سواء كان ذلك محسوباً لليسار أو اليمين.

أما في الـ12 من يونيو حملت وسائل إعلامية أنباء عن وقوع محاولة انقلاب فاشلة وأنهُ تم على إثرها توقيف 68 ضابطا وأنهم إسلاميون موالون للنظام السابق، فيما نفت مصادر عسكرية وقتها صحة هذه الأنباء وأن توقيف الضباط ضمن إجراءات أمنية احترازية.

زعزعة البلاد 4
من جانبه يرى الفريق حنفي عبد الله في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن القيادة العسكرية في البلاد متماسكة وتسيطر على الأوضاع بشكل كبير وأيّ محاولات تجري تُقتل في مهدها، معتبرًا أن المحاولات التي جرت وتم الإعلان عنها في هذه الفترة التي تنتقل فيها البلاد لحكم مدني تهدف إلى التشويش.
وفيما يعتبر كثيرون أنهُ لا مجال للقيام بمحاولة انقلابية في ظل أوضاع كهذه إذ من السهولة الكشف عنها؛ يصف حنفي من قاموا بها بذوي التفكير غير السوي وأن من يقوم بها هو مغامر. وأضاف: حتى بعد حل المجلس العسكري فإن مجلس السيادة مع هيئة القيادة المسلحة ستكون أكثر حرصًا على قيادة الفترة الانتقالية لتحقيق مزيد من الاستقرار.

وحول إلقاء السلطات القبض على منفذي المحاولات بعد الشروع فيها رغم المعلومات المسبقة، قال حنفي: هذا تكنيك، وتتم المراقبة حتى تُكشف كل العناصر وعندما تحين ساعة التنفيذ المباشر للعملية تُلقي السلطات القبض على المجموعة وذلك حتى لا تكون هناك عناصر أُخرى أو شرارة لمحاولة ثانية.

العسكر والمدنيون 5
وبالنظر لتاريخ الانقلابات العسكرية في السودان يقول حنفي إنها تتم عادةً من داخل القوات المسلحة ولكن للمرة الأولى في تاريخ السودان يكون هناك تنسيق بين الأجهزة الأمنية لتغيير النظام كما حدث عند الإطاحة بنظام البشير، مستدركًا بالقول: هذا لم يكن انقلابًا بل تحويل نظام عسكري.
وبالعودة إلى من يقف خلف الانقلابات العسكرية عادةً أشار حنفي إلى أنهُ دائمًا ما يستند منفذو الانقلاب على تيارات فكرية وعقدية وذلك حتى يجد شعبية وقاعدة سياسية ينطلق منها.

تحركات حقيقية 6
في سياقٍ آخر، يرى اللواء عبد الهادي عبد الباسط في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن الحديث عن إحباط محاولات انقلابية هو حقيقة ومُنذ بدء الحراك كانت هناك محاولات صُرح عن وقوعها وتحقيقات مشيرًا إلى ما حدث بساحة الاعتصام بالقيادة العامة للقوات المسلحة عندما انحاز بعض الضباط للمعتصمين وأخذوا الصور معهم، معتبرًا أنها لا تشبه القوات النظامية وتعطي انطباعًا بأن هناك محاولات جارية، وأضاف: حتى حديث السياسة والسياسيين ليس ببعيد عن المؤسسة العسكرية، فكثير من السياسيين يحرضون الضباط، مجددًا حديثهُ أن أيّ حديث عن انقلابات غير مستبعد وحقيقي وكل فرد في القوات النظامية يدرك ذلك ومخاطره، منوهًا إلى أن المؤسسة العسكرية متماسكة وقادرة على قمع هذه المحاولات وعزلها، مشيرًا إلى أن أيّ هزة في الوضع العسكري يمكن أن تكون مهددًا ليس فقط للاتفاق الذي تم بل للبلد ككل لجهة أن الوضع الأمني هش.

فلاش باك
عقب الإطاحة بالنظام السابق برئاسة المشير عمر البشير في الـ11 من أبريل يكون التاريخ السوداني قد سجل طبقًا لتقارير نحو 10 انقلابات بعضها باءت بالفشل، فالنظام السابق ذاته أتى إلى سدة الحكم عن طريق انقلاب عسكري في العام 1989، وكان وزير الدفاع وقتها عوض بن عوف أعلن عن عزل الرئيس عمر البشير واعتقاله، وبدء فترة انتقالية لعامين تتحمل المسؤولية فيها اللجنة الأمنية العليا والجيش.

فيما بدأ تاريخ الانقلابات بالسودان عقب انتخاب أول حكومة ديمقراطية في العام 1956م وهي المحاولة التي تم إحباطها في وقتها.
أما الانقلاب الذي تم في العام 1958م يُعتبر أول انقلاب عسكري ناجح ضد حكومة ائتلاف ديمقراطية بين حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي يرأسها مجلس السيادة المكون من الزعيم الأزهري ورئاسة الوزارة الأميرلاي عبد الله خليل، وقاد الانقلاب الفريق إبراهيم عبود، شكل فيها حكومة عسكرية برئاسته، حكمت السودان لمدة 7 سنوات، وتخللت فترة حكمه محاولة انقلابية أخرى، قادتها مجموعة من الضباط.

وفي مايو من العام 1969م وقع انقلاب قادهُ العميد جعفر محمد نميري ومجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي، وامتد حكم النميري لـ 16 عاماً، فيما شهدت فترتهُ هو الآخر عُدة محاولات انقلابية استطاع إجهاضها، وبعد أربع محاولات انقلابية فاشلة، لم يتعرض نظام النميري بعد ذلك لأية محاولة انقلابية، إلى عام 1985، حينما عصفت به ثورة شعبية عارمة في 6 أبريل عام 1985، عرفت الثورة حينها بانتفاضة أبريل.
أما في العام 1990م كانت المحاولة الانقلابية التي عُرفت بانقلاب رمضان بقيادة اللواء عبد القادر الكدرو، واللواء الطيار محمد عثمان حامد، وانتهت المحاولة الانقلابية بإعدام 28 ضابطا في الجيش، أبرزهم قائدا الانقلاب.

وفي العام 2004م أعلن النظام السابق عن محاولة محاولة انقلابية اتهم فيها حزب المؤتمر الشعبي.
فضلا عن المحاولة الانقلابية التي اتهم فيها ود إبراهيم وصلاح عبد الله قوش في 2012م.

الخرطوم: إيمان كمال الدين
صحيفة السوداني