تحقيقات وتقارير

معاناة مصر المائية تبدأ مبكرا مع سد النهضة .. ما السبب؟

اعترفت الحكومة المصرية للمرة الأولي بانخفاض الإيراد المائي لنهر النيل بمعدل 5 مليارات متر مكعب، بما نسبته 10% من حصة مصر من مياه النيل، التي تقدر سنويا بـ55 مليار متر مكعب.

ورغم أن الحكومة أرجعت السبب لموسم الجفاف الذي أصاب منابع النيل في إثيوبيا، إلا أن الخبراء أكدوا أن السبب الأساسي هو قيام إثيوبيا بتعبئة بحيرة سد النهضة بدءا من الموسم الجاري.

وأكد الخبراء أن نسبة الانخفاض التي أعلنت عنها الحكومة المصرية تعدّ الأكبر خلال السنوات الماضية، وسيكون لها تأثيرات سلبية على المحاصيل الزراعية ومواسم الري المرتبطة بمياه النيل، مطالبين النظام المصري بالكشف عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الانخفاض، ولماذا لم تستعد الحكومة لمثل هذه الكارثة المائية.

وتزامن الإعلان الحكومي الذي يعد الأول من نوعه، مع زيارة لوزير الخارجية الإثيوبي قبل أيام، التقى فيها رئيس نظام الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، وتأكيد الإعلام المصري أن الزيارة كانت مرتبطة بمناقشة موضوع سد النهضة، وأن المسؤول الإثيوبي نقل للقاهرة أخبارا إيجابية حول عدم تضرر مصر من إتمام مشروع السد.

وكانت لجنة تنظيم إيرادات نهر النيل بوزارة الري المصرية فاجأت الشعب المصري ببيانها الرسمي عن الموقف المائي السيئ للفيضان هذا العام، الذي تمثل في انخفاض الإيراد المائي 5 مليارات متر مكعب عن العام الماضي، ما دعا بالوزارة لإعلان حالة الطوارئ القصوى في كل المحافظات، خلال الفترة المقبلة، وتوفير الاحتياجات المائية للبلاد، وبصفة خاصة مياه الشرب، لمواجهة الطلب على الاستخدامات المنزلية، علاوة على المتابعة الدورية لرصد مخالفات زراعة الأرز.

من جانبها، أكدت رئيسة قطاع التخطيط بوزارة الري الدكتورة إيمان السيد في بيان لها، أن القطاع يمتلك أجهزة رصد ومراقبة لمؤشرات موسم الأمطار بحوض النيل. وبناء على هذه الأجهزة، أعلنت الوزارة الموقف المائي، مبررة سبب الأزمة بانخفاض نسب الأمطار على دول حوض النيل، وتحديدا الهضبة الإثيوبية.

وفي تعليقه على انخفاض مياه النيل، يؤكد الباحث في شؤون المياه وائل الحسيني لـ “عربي21″، أن الخطورة ليست في الانخفاض فقط، وإنما في زيادة الاحتياجات اليومية للمصريين من المياه، ومن المتوقع أن يزيد الطلب على المياه خلال عامي 2019/ 2020 بنسبة 35% عن العام الذي قبله، نتيجة زيادة نسبة السكان، بالإضافة لعودة مئات الآلاف من الأسر المهاجرة في الخليج، والتوسع في المشروعات العقارية، بالإضافة لأزمة سد النهضة.

ويشير الحسيني إلى أن النظام المصري يبحث دائما عن الحل السريع والسهل المؤقت لمعالجة الأزمة، ولا يكلف نفسه مشقة وضع الخطط المستقبلية للتعامل مع أزمة المياه بمصر، التي تشير إليها كل الأبحاث والدراسات العلمية منذ أكثر من 20 عاما، ولذلك فإن النظام بدلا من البحث عن حل لأزمة سد النهضة، والتوصل لاتفاق مرضي مع دول حوض النيل، ترك موضوع السد في يد الخصم، ليقرر ما يريد وفقا لمصالحه.

ويضيف الحسيني قائلا: “مصر لديها أكثر من جهة معنية بملف المياه، سواء على الجانب التقني والفني، وهو المتمثل في مركز بحوث المياه ووزارة الري، أو على الجانب السياسي والأمني والذي تديره أجهزة المخابرات ووزارة الخارجية، وللأسف كل هذه الأجهزة فشلت في التعامل مع ملف المياه، وتصنيفه ضمن ملفات الأمن القومي الذي يهدد مصالح الشعب المصري كلها، وليس نظاما سياسيا على حساب نظام سياسي آخر”.

وعن الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة لتعويض هذا الانخفاض، يؤكد خبير المياه أن المشكلة في الأساس هي عدم قناعة النظام المصري بأن الآثار السلبية لسد النهضة بدأت في الظهور على مصر، لأن القضية لا ترتبط بموسم الجفاف، وإنما بخطوات إثيوبيا في ملء خزان سد النهضة، وحتى الآن فإن الرؤية غير واضحة، إن كانت التعبئة ستجري على دفعة واحدة كما تريد إثيوبيا، أم على دفعات كما تتمنى مصر.

ويحمل عضو البرلمان المصري السابق، عزب مصطفي، نظام الانقلاب العسكري المسؤولية الكاملة حول أزمة المياه، نتيجة إدارته السيئة التي شجعت إثيوبيا على استكمال مشروع سد النهضة دون أي اعتبارات سياسية أو أمنية أو اقتصادية للشعب المصري.

ويؤكد مصطفي لـ”عربي21″ أن نظام السيسي فرط منذ بداية انقلابه في حق مصر بمياه النيل، ومنح إثيوبيا حق بناء سد النهضة، عندما وقع على اتفاق المبادئ مع رئيس الحكومة الإثيوبية السابقة، وهو الاتفاق الذي أخرج مصر من المعادلة القانونية والسياسية، وجعل مصير الشعب المصري رهنا بما يقدمه الجانب الإثيوبي.

ويضيف مصطفى: “السيسي مقابل تثبيت أركان نظامه ضحى بشريان حياة المصريين، وهو مياه النيل، وبدلا من استغلال الظروف التي حدثت في إثيوبيا خلال الأشهر الماضية، ليكون له دور في عملية تشغيل وإدارة السد، وقع في فخ التسويفات الإثيوبية، لتكون النتيجة في النهاية، أن السد دخل مراحله النهائية، وأن مصر بدأت تعاني من نقص المياه”.

عربي21

تعليق واحد

  1. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
    ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ))