ضياء الدين بلال

الرسالة “السادسة عشرة” للأصم!


1-
لو كانت هناك نصيحة ذهبية، يُمكن أن تُقدَّم للحكومة الانتقالية القادمة، أن تُنفق بعض الوقت للقراءة والاستذكار في كتاب تجربة حكم الإنقاذ.

الهدف من ذلك، الاستفادة من الدروس والعِبَر، حتى لا تتكرَّر الأخطاء، وكما قال أحد الفلاسفة: (التاريخ هو الحصيلة الإجمالية لأخطاء كان من المُمكن تفاديها).

بعد انتقالي من قناة الشروق قبل سنوات، حيث كنت أُقدِّم البرنامج الحواري (فوق العادة) إلى قناة (سودانية 24)، اخترتُ تقديم برنامج (الكشاف).

كنتُ شديدَ الحرص على تنشيط الذاكرة السياسية، بتناول أقراص تجارب سياسية سودانية، مثل ثورتي أكتوبر وأبريل على الرئيسَيْن عبود ونميري.

تجارب تُوفِّر عبراً ودروساً، تُمكِّننا من تجنب إعادة إنتاج الأخطاء وإنهاء حالة الإلفة معها.

فوجئتُ من خلال المُقابلات والبحث بكثافة، بأوجه الشبه بين الحيثيات والوقائع وتطابق النهايات الفاجعة في التجربتين.

ما فعلناه أمس، نفعله اليوم وقد نُكرِّرُه غداً، دون أن نستفيد من أخطائنا ونُعظِّم المكاسب أو على الأقل نُحافظ عليها.

ويكأننا في مسرحية دائرية عبثية، تتكرَّر فيها الفصول بذات الأحداث والوقائع، مع اختلاف أدوار المُمثلين.

الخائن اليوم هو البطل غداً، والقاتل أمس هو ضحية اليوم. تتغيَّر المواقف بتغيُّر المواقع، مع بقاء خشبة المسرح المُهتزَّة والمُتصدِّعة.

 

-2-
غالب الشباب الثوار ليس في ذاكرتهم تجربة الإسلاميين في معارضة حكومة الصادق المهدي.

في الديمقراطية الثالثة، عجزت حكومات السيد الصادق المهدي المُؤتلفة والمُتوافقة في تغيير واقع المواطنين وتحسين ظروف حياتهم.

وحينما كتب المهدي كتاب (الديمقراطية عائدة وراجحة)، ذكر أن الإضرابات النقابية المُتعدِّدة والمُتنوِّعة وتصعيد الاحتجاجات لأبسط الأسباب والصحافة غير الراشدة؛ كانت من أهم أسباب فشل التجربة الديمقراطية الثالثة.

 

-3-
في ذلك الوقت، كانت الجبهة الإسلامية أقوى تنظيمات المُعارضة وأشرسها في مواجهة حكومة الصادق المهدي.

أرهقتها بالتظاهرات، وشوَّهت صورتها لدى المواطنين، باتِّهامات الفساد وملفِّ التعويضات، وانتهكت هيبة رموز الحكومة بالسخرية والاستهزاء.

وحينما وصلت الجبهة الإسلامية إلى الحكم عبر انقلاب الإنقاذ، جاء بيانُها الأوَّل مُحمَّلاً بإدانات الفساد والتقصير وسوء الأداء لحكومة المهدي.

في ذلك الوقت، كانت الجبهة تحمل شعارات النزاهة والزهد والاستقامة الأخلاقية. أقالت محافظاً لتجاوزات طفيفة، وآخر لأنه قام بتعيين (لبيس)!!

ونصبت محاكم لبعض رموز الحكم الديمقراطي بتُهم الفساد، وعندما صرَّح الشيخ الترابي في العشرية الأولى بأن نسبة الفساد بضع في المائة، قامت الدنيا ولم تقعد!

-4-
مرت الأيام، وتعاقبت السنوات، وتدفَّق النفط، وأوغلوا في السلطة، وذاقوا عسيلة الحكم.

حينها ذبلت الشعارات، وران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، وأصبح البيان الأوَّل عريضة اتِّهام ضدَّهم، وعادت بهم عربة التاريخ إلى محطة زين العابدين الهندي (إذا شالها كلب مافي زول بقول ليه جر)!

نعم، النادي السياسي السوداني، الحاكم والمُعارِض، نادٍ عقيم، يُعاني شحاً أخلاقيّاً وجفافاً في المشاعر الإنسانية، وجدباً فكرياً مريعاً ووفرةً في الادِّعاءات والمزاعم.

الثقافة التي تحكم قوانين وقواعد المُمارسة السياسية؛ هي التي تُسهم في استقرار الدولة أو إبقائها في الوحل.

عندما يصل المُعارِضون إلى الحكم، يُمارسون ذات السلوك السياسي الذي مارسه سابقوهم: الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة.

وعندما ينتقل الحاكمون إلى المُعارضة، يستخدمون ذات الأسلحة الصدئة التي كانوا ينكرونها على مُعارضيهم.

 

-أخيراً-
تذكرت كُلَّ ذلك، وأنا أستمع باهتمام وإعجاب لخطاب دكتور محمد ناجي الأصم يومَ التوقيع، وهو يُدين سابقين ويُبشِّر بخير القادمين.

وجدتُّ أن عليَّ وضع الرسالة (السادسة عشرة) على بريد دكتور الأصم:

ستُدرك ولو بعض حين، أن ما قُلتَه يوم ذاك، وصفَّق له الكثيرون بين مُعجَبٍ ومُحِبٍّ وأنت على ساحل البحر، لم يذهب مع الريح.

ستُصبح كلماتك مقياساً ومعياراً لمدى مُطابقة الأفعال للأقوال، ومُقارنة الوعود بالحصاد، فما أوسع الأماني وما أضيق المنال!

 

 

 

العين الثالثة |ضياء الدين بلال

 

 

 

 

السوداني

 

 

 


تعليق واحد

  1. لازم تنفخ ذاتك انا عملت وانا سويت وفكروا وادرسوا وتذكروا ولا تنسوا
    من انت؟