زهير السراج

الاستعمار الزراعي !!


* تناولت في عدة مقالات من قبل سلبيات الاستثمار الزراعي الأجنبي في الولاية الشمالية ( أو بالأحرى السمسرة في الأراضي الزراعية الخصبة لتحقيق منافع طفيلية لا علاقة لها بالاستثمار) نُشرت على موقع الجريدة الإلكتروني، ولم تجد حظها من النشر على الصحيفة بسبب منعى من الكتابة بواسطة النظام البائد حينذاك، وبما أننا نستشرف عهدا جديدا مليئا بالأمل والتفاؤل ونسعى لإعادة بناء بلدنا من جديد، أول مقوماته هو الاستثمار الزراعي، أنشر اليوم ملخصا لما جاء في تلك المقالات لعله يكون فاتحة لمعالجة الخلل في مشاريع الاستثمار الزراعي الأجنبي، ووضع قواعد وضوابط سليمة تتيح لبلادنا تحقيق الفائدة القصوى منه، خاصة وان المسؤول التنفيذي الاول الذى وقع عليه اختيار الشعب لقيادة البلاد في اهذه المرحلة الحرجة شخصية زراعية اقتصادية تدرك اهمية الزراعة والاستثمار الزراعي في النهوض بالبلاد !!

* لا شك أن الاستثمار الأجنبي مهم لتطور أي بلد ونموه، بشرط أن يكون استثمارا حقيقيا ينتفع منه البلد والسكان المحليون بالإضافة الى المستثمر، يسهم في حل المشاكل ويقود الى التنمية والازدهار، ولا يمكن لعاقل أن يطالب بقطع رأسه وطرده من البلاد أو وضع العقبات والعراقيل في طريقه، بل على العكس، فما يجب أن يحدث هو فتح الباب واسعا امام الاستثمار الأجنبي واغرائه بالتسهيلات المناسبة، مثل الاعفاءات وغيرها، مع وضع الضوابط المعروفة عالميا لتحقيق منفعة البلد وشعبها وعدم المساس بمصالحها او الإضرار بها!!

* الخطوة الاولى لمعالجة الاوضاع الخاطئة القائمة حاليا، هي تقليص المساحات الهائلة التي منحت لبعض الشركات، واستعادة الأراضي غير المستثمرة، فلا يستقيم عقلا أن تحوز شركة كـ (الراجحي) السعودية (مثلا) على نصف مليون فدان ولمدة طويلة من الزمن (قرن كامل) في أكثر الأراضي خصوبة مثل (سهل القولد) بالشمالية بدون ان تستغل منها سوى (4 ألف فدان)، بينما لا يجد غيرها فدانا واحدا يزرعه وينتفع منه وينفع غيره، وأظنكم لن تصدقوا ولكنها الحقيقة، بأن الحكومة نزعت بعض الأراضي المستثمرة ذات الانتاجية العالية، لتمنحها لشركة (الراجحي) التي حولتها من أرض منتجة الى أرض (بور خراب) لتكبير كومها بغرض الحصول على قروض الضخمة من البنوك السعودية بدعوى استثمارها في السودان ثم تستثمرها في ودائع ببنوك (هونق كونق)، فهل يمكن لبلد أن تنمو وتتطور بهذا التخريب؟!

* الأمر الثاني، لا بد من تقصير فترة الحيازة القصوى من 99 عاما الى عدد معقول من السنوات، فكيف يمكن لبلد ان تمنح ارضها لآخرين كل هذه الفترة الزمنية الطويلة بدون أن تتحسب للظروف، أو تترك لنفسها المجال للحصول على فرص استثمار أفضل لهذه الأراضي في المستقبل!!

* إذا جاز لي أن اضرب أمثلة لبعض أنواع الاستثمار الوطني الجيد في سهل القولد، فهنالك مشروع صندوق الضمان الاجتماعي الحكومي الذى يحوز على مساحة (6 آلاف فدان فقط) ويوفر تقاوى القمح المحسنة لكل مشاريع زراعة القمح في البلاد، ومشروع معاوية البرير بمساحة 35 ألف فدان (مستغلة معظمها) لإنتاج القمح والاعلاف للصادر والسوق المحلى، مع التزامه بكل ضوابط الاستثمار المعروفة، ومشروع أولاد عثمان إدريس (من السكان المحليين) بمساحة 5 ألف فدان لإنتاج القمح، ومشروع المهندس (عثمان تبِد) بمساحة 2 ألف فدان لإنتاج الخضر بالتمويل الذاتي واستخدام افضل التقنيات والميكنة الزراعية والطاقة النظيفة المتمثلة في ضوء الشمس وغيرها، فلماذا لا تعطى الدولة لنفسها وغيرها الفرصة لتحقيق استثمار افضل وتنمية حقيقية بمشاريع مماثلة، بدلا من تمليك (كل) الارض ولمدد طويلة لفئة محدودة تتركها جرداء، وتحرم البلاد والآخرين من الانتفاع منها؟!

* ثالثا، إلزام المستثمرين باستخدام مياه النيل في الري، بدلا عن اهلاك المياه الجوفية والتضييق على الاجيال القادمة، خاصة أن السودان لا يستخدم سوى 14 مليار متر مكعب من نصيبه المنصوص عليه في اتفاقية مياه النيل (لعام 1959 )، ويترك 4 مليار متر مكعب تذهب مجانا لمصر كل عام منذ سنة 1962. كما أن النيل لا يبعد سوى سبعة كيلومترات من سهل القولد الخصب، ويمكن حفر ترعة كبيرة على طول السهل تُروى منها المشاريع الاستثمارية، وينتفع منها الأهالي في الزراعة ولو بدفع القيمة، ونكون قد حققنا بذلك عدة منافع، منها تنمية المجتمع المحلى واستقراره، فضلا عن المحافظة على المياه الجوفية للأجيال القادمة في عالم صار أحد هواجسه المستقبلية ندرة الماء العذب!!
رابعا، الاتجاه نحو المشاريع المتكاملة للإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وتشييد معامل ومصانع لتوفير منتجات اللحوم والألبان، وهو أمر سهل ما دامت معظم المشاريع القائمة الآن تتخصص في زراعة الاعلاف بشكل رئيسي، فما الذى بقى لتأسيس مشاريع متكاملة تسهم في الامن الغذائي السوداني، وتوفر عملة صعبة على السودان الذى يستورد ألبان مجففة بمائتي مليون دولار في العام وهى في الطريق الى الزيادة؟!

* كما أن المشاريع المتكاملة تحقق عدة أهداف أخرى، منها نشوء مجتمعات حديثة تتوفر لها كل أنواع الخدمات الضرورية، فضلا عن استيعاب عدد مقدر من العمالة الوطنية وتخفيف حدة البطالة (وهو ما لا يحدث الآن)، وتأهيل وتدريب أجيال المستقبل ..إلخ، للمساهمة في تنمية البلاد، ويمكن في هذا الصدد قيام شراكات مع السكان المحليين في المشاريع القائمة باتفاقيات معينة، ولشركة (مراعى) السعودية تجربة متميزة في دولة (الأرجنتين) في زراعة الاعلاف بالمشاركة مع السكان المحليين، أسهمت بشكل كبيرة في التنمية المحلية وتخفيض نسبة العطالة واستقرار السكان المحليين، فلماذا لا تدخل في شراكات مماثلة في السودان، أم حلال على الأرجنتين حرام على السودان؟!

* خامسا، تخصيص نسبة معقولة من منتجات المشاريع الاستثمارية للسوق المحلى للمساهمة في تثبيت الاسعار في أوقات الندرة، ووضع ضوابط للتصدير تدر عائدا معقولا من العملة الحرة للبلاد، يُستغل جزء منها لتطوير وتحديث الخدمات في المنطقة التي تحتضن المشاريع الاستثمارية مثل (سهل القولد) الذى احتلته المشاريع الأجنبية بالكامل حتى ضايقت السكان داخل مساكنهم بدون أن تنفعهم بشيء، أو تقدم لهم أي نوع من الخدمات !!

* أخيرا، أرجو أن تقوم الحكومة الجديدة بمراجعة مشاريع وضوابط الاستثمار الزراعي الأجنبي في الولاية الشمالية والمناطق الاخرى، والعمل على وجود استثمار حقيقي يحقق المنفعة للجميع .. الوطن والشعب، ومواطنو المنطقة والمستثمر، ويحمى حقوق الأجيال القادمة، أما الذى يحدث الآن فهو استعمار واستحمار وخراب ودمار كبير، وتدمير لمستقبل الاجيال القادمة!!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة


‫3 تعليقات

  1. أحييك د زهير واتمنى ان يصل هذا المقال لدولة السيد رئيس الوزراء د حمدوك

  2. بالاضافة لما ذكرت هذه المشاريع تغولت علي المراعي وضيقت علي الرعاة

  3. كان من المفترض التحوط في منح الاراضي الزراعية للمستثمرين الاجانب ومنحها حسب مقدراتهم الاستثمارية أذ لا يعقل أن يستطيع كائن من كان أن يستزرع نصف مليون فدان مهما بلغت أمكانياته. كان من المفترض أن تمنح له عشرة ألف فدان كحد أقصىى لفترة خمس سنوات ثم تضاف له مساحات أخرى تتناسب مع درجات توسعه مع كل موسم زراعي أو تسترد منه المساحات الغير مستخدمة . كما يجب أن يستخدم العمالة المحلية من أبناء المنطقة تدريبهم على الفنيات الغير متوفرة لديهم