تحقيقات وتقارير

مواكب الخميس .. الحكومة ضد الحكومة

انتهت المظاهرات التي دعت لها قوى الحرية والتغيير للمطالبة بتعيين رئيس قضاء ونائب عام والقصاص للشهداء أمس الأول، انتهت بإصابات وسط المتظاهرين الذين فرقتهم الشرطة بالهراوات والغاز المسيل للدموع، وما يبدو غريباً في موكب قوى الحرية والتغيير هذه المرة أن مظاهرات أمس الأول دعا لها الائتلاف الحاكم للضغط بها على نفسه، أو قل دعت إليها الحكومة ضد نفسها!! وبمعنى أدق أن الائتلاف الحاكم يريد من خلالها الضغط على الحكومة التي اختارها للإسراع في تنفيذ ماهو مطلوب حسب الشعارات التي رفعها المتظاهرون، ولا شك أن هذه الخطوة تحمل كثيراً من المفارقات التي لم يعتد عليها الشارع السوداني من جميع الحكومات التي شهدتها البلاد، فالطبيعي أن المعارضة هي التي تحرك الشارع للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبها أو مطالب الشارع ، ولهذا فإن الأمر في مجمله يستدعي تفسيراً وتحليلاً لهذه الخطوة الغامضة التي تحوي الكثير من التناقضات.

صورة مختلفة:
إذن ما هي الدوافع الظاهرة والخفية وراء هذه الخطوة التي أظهرت أن قوى الحرية والتغيير لم تتحول بعد إلى تحالف حاكم، وأنها مازالت (تتقمص) شخصية المعارضة، وأن كثيراً من كوادرها وقادتها تغلب عليهم الثورية وصفات الناشط السياسي وليس رجال الدولة، كما لو أنها تضع (رِجِلاً) في الحكومة والأخرى في المعارضة، أو هكذا تبدو الصورة من واقع المعطيات والملاحظات التي سأسردها من خلال هذا التحليل.

تناقضات:
وقبل الخوض في دوافع هذه الخطوة وتفسيرها، يبدو من المهم أن نشير إلى بعض التناقضات وأوجه الغموض التي حوتها دعوة قوى الحرية والتغيير للتظاهر ضد حكومة حمدوك بهدف الضغط عليها وإرغامها على اختيار رئيس قضاء ونائب عام والاقتصاص للشهداء، وذلك على النحو التالي:

أولاً: قوى الحرية والتغيير تعتبر نفسها حزباً حاكماً، وهذا ما أكده القيادي بها (بابكر فيصل) أكثر من مرة، وبناءً على هذه النقطة فإن الدعوة للتظاهر تعني أن الحزب الحاكم يدعو أنصاره للتظاهر ضد حكومته، مما يعطي انطباعاً سالباً عن العلاقة بين (الحزب الحاكم) وأجهزته.
ثانياً: اختيار رئيس قضاء ونائب عام ليس من اختصاص الشارع، وتسيير المواكب والمظاهرات ليست هي الآلية المتفق عليها لاختيار رئيس القضاء والنائب العام، بل أن الوثيقة الدستورية حددت كيفية الاختيار لهذين المنصبين، وأن أية محاولة للضغط على الحكومة في هذا الخصوص تعني خرق الوثيقة

الدستورية.
ثالثاً: تعهد عضو المجلس السيادي البروفيسور صديق تاور للمتظاهرين بأن من سيختاره الثوار للقضاء والنيابة العامة هو ما سيكون، فيه تجاور للدستور، لأن الاختيار للمنصبين حسب الدستور سيكون بالترشيح من مجلس القضاء العالي والمجلس النيابي، وليس بترشيح المتظاهرين.

حالة انفصام:
وبإلقاء نظرة فاحصة تأخذ في الاعتبار ضرورة التناغم بين أجهزة الحكم، فإن دعوة قوى الحرية والتغيير للتظاهر ضد (حكومتها) تشي بحالة انفصام أو عدم انسجام بين قوى الحرية والتغيير ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك والضغط عليه، وكأن قوى الحرية والتغيير لا تثق في الأجهزة والمؤسسات التي كونتها للقيام بهذه المهام، ويعزز هذه الفرضية اعتراض بعض قادة التغيير على قرار حمدوك الخاص باستئناف الدراسة، والنقد الذي وجهه القيادي بالتغيير أحمد ربيع إلى حمدوك في هذا الصدد، والذي وصل فيه حد وصف بداية حمدوك بـ (غير الحميدة)

شخصية مستقلة:
ثمة تفسير آخر وهو أن بعض فصائل قوى الحرية والتغيير عندما اختارت حمدوك لمنصب رئيس الوزراء تريده ألا يخرج من عباءتها وينفذ ما تمليه عليه، إلا أن شخصية حمدوك المستقلة حالت دون تحقيق رغبتها، الأمر الذي أقام بعض المتاريس على هذه العلاقة، مما حمل قوى التغيير إلى إبراز العضلات والتلويح بسلاح الشارع في مواجهة حكومة حمدوك، ولعل هذه التظاهرة يمكن النظر إليها من هذه الزاوية.

لفت نظر:
بعد أدائه اليمين الدستورية رمى حمدوك بكل ثقله في ملف السلام، واستلهم العِبَر من الشرخ الذي حدث بين قوى الحرية والتغيير وشركائهم في الجبهة الثورية، وحاول أن يردم هذه الهوة بالميل والتعاطف مع قوى الكفاح المسلح لكسب جانبها، على نحو ربما أسهم في خلق شعور لدى قوى التغيير بأن رئيس الوزراء مال نحو شركائهم في الجبهة الثورية أكثر منهم، مما قد يستدعي لفت نظره بالمواكب والتظاهرات.

رغبة الشارع:
تفسير آخر لمظاهرات (قحت) ضد حكومتها بأنها ربما تريد فرض رؤيتها بسلاح الشارع والضغط على حمدوك وأعضاء المجلس السيادي، وذلك لاختيار مرشحين بعينهم للمنصبين، على أن يُفرض الأمر على أنه رغبة الشارع.

تحليل إخباري: أحمد يوسف التاي
صحيفة الإنتباهة

تعليق واحد

  1. تحليل ممتاز
    ف انتظار اول تعليق خمير يقول الكاتب انت موز او كوز أو عميقه أو مضاده
    شماعه الفشل

    حمدوك باع قحط