السودان محسود في الشرق وبدون الشرق لا سودان!!
البجا بين الأمس واليوم
المنصة الرئيسية لمؤتمر البجا عند تأسيسه في مدينة بورتسودان 1958م – شكلت لوحة فريدة لأهل الشرق وحضورا فخيما لهم بمختلف قبائلهم وسحناتهم وادارتهم واحزابهم ونخبهم ومناطقهم وجماهيرهم .فرسم حضورهم صورة بديعة وعكس نبضهم تنوعا ملهما ، وحرك شجنهم تعددا جميلا – فتصدر الحضور الزعيم طه عثمان بلية ليشكل جدارية جامعة بجانب محمد سعيد ناود ، ومحمد صالح ضرار ، وكنتيباي حسين ، وبامكار محمد عبد الله ، وسليمان على كرار ، وكابيري ، وترك ، والخليفة علي نور ومحمد أحمد النيل والشاعر الجرتلي وبعشر…الي اخر لفيف اصطفاف حضور العقد الفريد من جيل الآباء المؤسسين الاوائل لحركة مؤتمر البجا… ويومئد البجا برغم قلة نسب التعليم فيهم وندرة الكوادر المستنيرة والنخب المثقفة…إلا أنهم كانوا أكثر وعيا بقضاياهم السياسية ومطالبهم الحقوقية والخدمية والاقتصادية والثقافية…وكانت لحمة الوحدة بينهم السمة الابرز ، وان قوة تجمعهم والتفافهم حول مطالبهم وقياداتهم السياسية والأهلية والاجتماعية هي من شكلت وعيهم الجمعي…فاستطاعوا بسهولة في مؤتمرهم الذي تداعوا له من كل حدب وصوب ان يجمعوا شملهم ويوحدوا كلمتهم – فكتبوا بذلك سطرا مضيئا في تاريخ نضالهم السياسي ومطالبهم وحقوقهم – والتفوا حول شعارهم وواجتهم الحزبية وقيادتهم السياسية ومطالبهم الإقليمية…وحققوا بذلك قيمة الوعي الجمعي المبكر بالحقوق والواجبات – فانجز اهل الشرق أول تجربة حزبية مطلبية وطنية فدرالية بجدارة ، أثروا بها ساحة التنوع السياسي ، وعززوا من مساحة التعدد الثقافي والجغرافي السوداني الجميل…ووضع أولئك النفر الكريم من الجيل الذهبي الفريد قاعدة للقضية ، وعنوانا للمطالب ، ومظلة سياسية للوحدة الاجتماعية والثقافية والجغرافية… وتركوا سيرة ومسيرة عظيمة وعطرة من النضال الوطني الشريف …فاليوم بعد مضي ٦١ عاما من تأسيس حركة مؤتمر البجا كيف اصبح حال أهل الشرق… والي اين وصلت قضيتهم …وماذا حققوا من مطالبهم…وهل حافظ الجيل المعاصر علي وحدة وتماسك البجا كما كان الأولون …؟؟ اعتقد الحال يكفي عن السؤال فالبجا خاصة وعموم الشرق اليوم بلا قيادة ملهمة تجمع شملهم وتوحد كلمتهم … وبلا رؤية سياسية…وقضية مطلبية تجمعهم …فهم لا يجمعون ولا يجتمعون علي صعيد واحد…تفرقوا أيدي سبأ…فلا حزب سياسي يضمهم…ولا قضية مطالب توحدهم …يتوزعون علي كنتونات حزبية بمقاس شبه القبيلة – ويرزحون تحت ركاب قيادات وزعامات محدودة الافق ، وقليلة التفكير ، ومعطوبة التنظير – تحركهم كوتة المصالح والمناصب وحمية القبيلة – أكثر من مطالبهم الجهوية والسياسية والإقتصادية العريضة… يتنازعون حول البجاوية والتاريخ والارض وهم محاصرين في هامش اقليمهم التاريخي في اضيق اشرطة وكنتونات ومحطات فقيرة – بلا رعي وزراعة و تجارة و صناعة…. والمركز مازال يمارس مهمتنه المحببة تجاه الشرق في فرض مزيد من قيود الإقصاء والتهميش والتهشيم ونهب الثروات دون تقديم أي خطة تساهم في بناء ونهضة إنسان الشرق… واخر فصول وتقليعات المسلسل المركزي المضحك بعد الثورة العظيمة التي انطلقت شراراتها من الشرق في بورتسودان والقضارق ان تم عند تقاسم السلطة بين الافندية إقصاء الشرق من التمثيل المحاصصاتي (الحقتي ) بحجة موال الكفاءة .. وهذا لعمري وجه اخر للتضليل والتهميش الظالم والمتعمد والذي يعطي صورة ذهنية قاتمة للشرق بلا كفاءة وبالطبع هذا حق اريد به باطل ..فالكفاءة التي يملكها الشرق افضل بكثير جدا من ( الكفوات ) المركزية التي قدمها (الحقتيون) للوزرات الاتحادية والتي اظهرت صورة مذهلة في مضمار الا كفاءة…ولأن نظرة الخرطوم المختلة لن تتغير ابدا تجاه الشرق سواء حكمتها الشرعية الثورية ، او الشمولية العسكرية ، او الديمقراطية الحزبية…لكن هذه النظرة الظالمة التي تطل علي الشرق – تسببت في ديمومتها النخبة السياسية والحزبية المنتمية للشرق نتيجة لجهلها وانانيتها وتفرفها وعدم وحدتها …فهذه النخبة الشرقية هي من جعلت من مؤتمر البجا وعاء فارغ بلا بروح وتأثير سياسي وسند شعبي ، وحشروا دور المؤتمر في زاوية اجتماعية ضيقة…والي جانبه خلقوا أحزاب وكيانات ومنابر واندية سياسية وحزبية تدور في فلك الصفوة السياسية والاجتماعية والعشائرية… وتتخندق في زاوية قصية بعيدا عن هموم وتطلعات الجماهير – فغابت بذلك فيهم القيادة السياسية والفكرية الواعية والملهمة التي تماثل قيمة وقامة بلية وناود وضرار وبامكار…و فقدوا بوصلة الرؤية والقيادة والكيان السياسي والحزبي الجامع – فعندما تغيب كل هذه الادوات السياسية الفاعلة – حتما سيكون البديل المتاح هو القيادات الأهلية والقبلية والدينية… فهي من ستملأ الفراغ … وتوحد الشعور الجمعي للجماهير بالحقوق المنقوصة …وان الجماهير البجاوية التي خرجت في كل من كسلا وبورتسودان تحت دعاوي تقرير المصير ورفض التهميش والإقصاء يجب أن لا تلام ، او تخون من النخب البجاوية – او الصفوة المركزية الحاكمة في الخرطوم …فالمحتشدون بغض النظر عن من دفعهم واخرجهم الي الشارع – فهم قد خرجوا بسلمية نادرة ، ورفعوا مطالبة عادلة، وعبروا عن غضبهم المشروع نتيجة للظلم المتراكم بعضه فوق بعض الذي بني علي كاهلهم طيلة (٦٣ عاما ) الماضية…فيجب أن يستمع الي صوتهم ، ويستجاب الي مطالبهم مركزيا واقليميا…وفي المقابل مازال أمام القيادات والنخب والساسة والزعماء والقادة والشباب في شرق السودان فرصة لبعث روح وبلورة رسالة مؤتمر البجا من جديد بذات الاهداف والبرامج والمطالب الأولي…وان أي مطالب (فيدرالية …او (كنفدرالية) لا يمكن أن تتحقق ، إلا في إطار وحدة الاقليم ارضا وشعبا ومشروعا وقيادة وحزبا … فالوحدة البجاوية البجاوية اولوية وحجر الزاوية لتحقيق مطالب الإقليم – ثم تتبعها وحدة كافة شركاء الأقاليم الشرقي لتكتمل الصورة وتتضح الرؤية بشكل وطني اشمل…وفي اعتقادي المتواضع ان فيدرالية تنموية وسياسية وثقافية راشدة وواضحة المعالم ومحمية بدستور وقانون يلزم بحزم المركز والإقليم بتطبيق مضامينها تحت قبة الوطن الجامع – هي الحكم الأنسب الذي يمكن أن يحقق العدالة الناجزة والتنمية الفاعلة والمشاركة الايجابية والاستقرار السياسي المستديم في الإقليم…اما (بروبقاندا) الانفصال فهي دعوة الي المجهول – وقفزة في الهواء ، وفكرة لا تقوم علي ساقين- ومن الصعب ان يجمع حولها اهل الشرق علي الاقل في الظرف الحالي القاتم – الذي تدور عجلاته لصالح اجندات اقليمية ودولية …ولكم في الجنوب الذي انفصل قريبا عن الشمال عبرة واعتبار…فلا حقق الرفاق الجنوبيون الذين حرضوا شعبهم علي الانفصال ووعدوهم بالمني والسلوي حرية وعدلا … ولا رفاها اقتصاديا… ولا استقرار سياسيا … ولا سلاما اجتماعيا لشعبهم . فمن مات من شعب جنوب السودان في الحروب القبلية والصراعات السياسة علي كراسي السلطة بعد الاستقلال – اكثر من الذين ماتوا في حرب التحرير …والسودان محسود في الشرق…وبدون الشرق لا سودان…!!!
عثمان همد …ود ابيب