صلاح الدين عووضة

العنب !!


*كان ذلك قبل ثلاثة أعوام..
*وهي آخر زيارة لي إلى مصر، بُعيد فقدها لكلٍّ من هيكل.. وأنيس منصور..
*فعزيت سائق تاكسي المطار في هيكل، أولاً..
* فإذا به يخفض صوت المذياع ليسأل ببراءة (مين يا فندم؟).. فلم أعزه في الثاني..
* بل طلبت منه رفع الصوت مرة أخرى..
*وكانت تجلجل أغنية لم أفهم منها سوى كلمة (مهلبية) ..
* زوج صاحبة العمارة-حيث أقمت- تحدثت معه عن فاجعة موت أنيس منصور ..
* فأجابني قائلاً بنبرة ثقة (بس أنيس ما متش يا باشا)..
*فكدت أقول له: هذا السبب وحده كافٍ جداً لأن تسميك زوجتك لي (بسلامته)..
*وليس لأنك-كما تزعم- (بتبصبص ع البنات).. يا باشا..
*رغم إن المسكين قد يكون له بعض العذر في ذلك.. من وجهة نظر رجالية..
*أما من وجهة نظر نسائية فلا عذر.. وإن كانت أنثى مجازاً..
*وفي أيام دراستنا الجامعية كان أستاذنا عاطف يتخوف من انهيار ثقافي بمصر ..
* وسبب تخوفه هذا ذيوع شهرة عدوية، في أعقاب حليم ..
* لم يكن يستوعب كل هذا الهبوط للذائقة الغنائية..
*هبوطها من علو (سواح).. إلى حضيض (سلامتها أم حسن)..
* وما كان يدري أن عدوية قياساً لآخرين من بعده يُعد في مصاف (سيد درويش)..
*ومنهم صاحب (المهلبية) هذا..
* أما أغرب ما سمعته بالقاهرة-طوال فترة إقامتي فيها- أغنية كلها (عنب)..
* فمقدمتها عنب.. ووسطها عنب.. وخاتمتها عنب ..
* وكلمة العنب تتردد فيها بقدر أعداد السيارات التي تزحف كما النمل على الشوارع ..
* والقاهرة كانت مصنفة كخامس أكثر عواصم العالم ضجيجاً..
*ولكني لا أعلم ترتيبها الآن.. فتلوثها السمعي بلغ حداً لا ينقصه الصياح بـ(العنب)..
*وسائق أجرة طلبت منه توصيلي إلى مكتبة (مدبولي) ..
* فنظر إليّ ببلاهة، فبادلته بلاهةً بمثلها.. ثم طلبت من ثانٍ…فثالث… فرابع..
* وكلهم-في غرابة شديدة- لم يعلموا موقعها..
* أما أنا فقد علمت ما آل إليه (موقع) مصر الثقافي مصداقاً لنبوءة عاطف تلك ..
*أما الخامس فكانت إجابته (ماشي يا باشا)..
* فلما ركبت-و(مشت) السيارة قليلاً- أدركت أنه يريد أن (يمشِّي) أمره فقط ..
*فقد دمدم قائلاً (بص يا فندم، أنا ح أوصلك حتة المكتبات)..
*ثم نفث مع دخان سيجارته عبارة دخانية (وتبقى حضرتك تدوٍّر ع راحتك هناك)..
*وما أن مشينا خطوتين حتى أدار مفتاح الراديو..
*فمشى معنا (العنب) !!.

صلاح الدين عووضة – با لمنطق
صحيفة الإنتباهة


تعليق واحد

  1. و الله يا صلاح عووضة ذهاب نظام الانقاذ الذي ظللت تعارضه منذ قيامه الي زواله و تسترزق من الكتابة في مفاسده .. وقع عليك وقوع الكارثة ..فلم تعد تدري عن ماذا تكتب … اعانك الله …