رغم قانون منع زيجات القاصرين .. السلطات أمام تحديات
قبل عامين دخل قانون “مكافحة زيجات القاصرين” حيز التنفيذ في ألمانيا بهدف الحد من ظاهرة أثارت جدلا واسعا في المجتمع. لكن في الواقع العملي كان تأثير القانون محدودا، كما تكشف ذلك دراسة أجرتها منظمة “تيري دي فامي” الحقوقية.
قانون مكافحة زواج الأطفال الألماني دخل حيز التنفيذ في 22 تموز/ يوليو 2017، وبدا للعيان آنذاك أن القانون سيحدّ فعلاً من زيجات الأطفال، لاسيما أن التشريع الجديد حدد عمر الزواج في ألمانيا ب 18 عاماً.
علاوة على ذلك، فإنّ القانون كُتب بحيث يوفر للقضاة فرصة فرض الأثر الرجعي على زيجات الأطفال التي تمت قبل ورود المرتبطين بها إلى أراضي ألمانيا، وتحديداً، يبيح القانون الزواج لمن كانوا في أعمار تتراوح بين 16 إلى 17 عاماً أثناء الزفاف، أما لو تدنت اعمارهم عن السادسة عشرة، فالقانون يبطل بشكل تلقائي عقد الزواج.
وتحدثت الخبيرة في جرائم الشرف مونيكا ميشيل إلى منظمة Terre des Femmes كاشفة صعوبة وضع إحصاءات بهذه الزيجات، فالمشكلة تكمن في أن الولايات الألمانية الاتحادية لا تملك وكالات متخصصة مركزية معنية بهذا الأمر، بل يتعلق الأمر بوكالات مختلفة منتشرة في الولايات والمدن الألمانية المختلفة.
ومضت ميشيل إلى القول إنّ من الصعوبة بمكان العثور على الوكالات المختصة بهذا الشأن في المدن والولايات “ولهذا فهم لا يستطيعون وضع الأرقام الصحيحة للحالات”، كاشفة أن الأرقام الواقعية لزيجات الأطفال أعلى بكثير مما تكشف الأرقام المعلنة “ولدينا ما يشير إلى أن زيجات الأطفال تعقد خلال كل عطلة نهاية أسبوع عبر أنحاء ألمانيا” .
وكشفت ميشيل أن زيجات الأطفال ظاهرة عامة في البلاد، لكن المعلومات التي تعرضها المجاميع المختصة متفاوتة من ولاية لأخرى، وفي بعض الولايات توجد سلطة واحدة متخصصة بإبطال تلك الزيجات، فيما تتعدد السلطات المختصة بهذا الشأن في ولايات أخرى.
وللمقارنة، فإنّ سلطات برلين قد وثقت 3 حالات من زيجات الأطفال منذ تشريع القانون، فيما وثّقت بافاريا 367 حالة لنفس الفترة الزمنية.
وتشير ميشيل إلى أنّ من الصعب تحري جوانب المشكلة لأن أعداد قليلة ممن يتعلق بهم القانون يتقدمون بطلب المساعدة من السلطات لأنهم لا يرون فيها زيجات قسرية، وهم أصلا يجهلون معنى الزيجات القسرية غالباً، “إذ نشأ أغلبهم في ظروف تعتبر هذه الزيجات عرفاً، بل تحميها وتحمي أبطالها”.
وبينت ميشيل أنّ تبعات زيجات الأطفال قد تكون شديدة الوخامة “حيث أن احتمالية الحمل كبيرة لدى المراهقات، ومن يحملن يتعين عليهن ترك مدارسهن، ما يغيب عنهن أي آفاق أخرى”.
الهند فيها 15 مليون زيجة أطفال، وهي من اعلى بلدان العالنم نسبة في هذه الزيجات
الأرقام عبر العالم
وعلى وجه العموم فإنّ أعداد الفتيات المجبرات على الزواج ما برحت تتناقص عبر العالم، وقد أصدرت اليونسيف هذا الأسبوع تقريراً بينت فيه أن نسبة زيجات النساء قبل بلوغهن الثامنة عشرة قد تدنت بنسبة21% إلى 25 % خلال العقد الماضي، وقدر التقرير عدد زيجات الأطفال القائمة عبر العالم حاليا ب 765 مليون حالة، 650 مليون منها تكون الزوجات هنّ القاصرات. وكشف التقرير ان 12 مليون فتاة قاصرة تتزوج سنوياً. فيما يقدر عدد الرجال المتزوجين وهم في سن القاصرين بنحو 115 مليون رجل، حيث أن خُمس الرجال في هذا العدد كانوا في الخامسة عشرة حين تزوجوا.
“الزواج المبكر يعني وضع نهاية للطفولة، وهو انتهاك لحقوق الأطفال”، تقول هنريتا فور المديرة التنفيذية لليونيسيف، مضيفة أن زيجات القاصرين من الرجال تجبرهم على تحمل مسؤوليات البالغين مبكراً، ويصبحوا آباء وهم في سن صغيرة، وهذا يضاعف مشكلات الزوج في توفير قوت العائلة.
أما مونيكا ميشيل فتعود لتقول إن ألمانيا بنت قاعدة متينة للتعامل مع زيجات الأطفال، لكن مزيدا من الشفافية ما زال مطلوباً بهذا الخصوص، وللوصول إلى هذه الغاية تحتاج كل ولاية ألمانية إلى سلطة معتمدة تتعامل مع هذا الموضوع ” ولابد أن يجري تسجيل كل قضية لدى الوكالات المختصة، وهذه هي الطريقة الوحيدة لضمان عدم ضياع وقت السلطات وجهودها. لأنّ مرور الوقت يؤدي إلى أن يتقدم العمر بالزيجات فيصبح الأطفال بالغين”، كما تقول ميشيل كاشفة أن مرونة قوانين التنقل والحركة بين بلدان الاتحاد الأوروبي هي سبب آخر لتدني مستوى ضبط وإبطال تلك الزيجات “فإذا عثر الرجل على عمل في ألمانيا، فإن حرية الحركة والتنقل مضمونة له، ولكن إذا ما جرى ابطال زيجته، فإن زوجته ستفقد إقامتها مالم تكن عاملة أو تحقق دخلاً ما”، (ولهذا السبب لا يجري ابطال الزيجة).
وهذه حالة تمكّن من تعطيل أثر قانون عام 2017، حيث ينص التشريع على أنه إذا ترتبت على إبطال الزيجة أضرار فادحة للزوجة الصغيرة، فيمكن نقض القانون، طبقا لما ذكرته ميشيل مؤكدة أنه غالباً ما سيجري اعتبار إبطال الزيجات سببا للضرر، ما يجبر السلطات على إقرار الزواج المذكور والإبقاء عليه.
dw