هل يلزم الطهارة واستقبال القبلة لـ سجود الشكر؟
هل يلزم الطهارة لسجود الشكر؟ قالت دار الإفتاء، إنه يجوز شرعًا السجود للشكر بدون طهارة كما ذهب إلى ذلك عدد من الفقهاء المعتبرين، والأولى وبه تمام السُنَّة أن تكون متوضئًا مستقبلًا القبلة ما أمكن، وأن تنوي وتكبر، ثم تنزل ساجدًا وتسلم؛ خروجًا من الخلاف.
وأوضحت الإفتاء في إجابتها عن سؤال: «هل يلزم الطهارة لسجود الشكر؟»، أنه أوجب الله تعالى على العبد أن يشكره سبحانه على عظيم نعمته عليه، وقرن سبحانه الذكر بالشكر في كتابه الكريم حيث قال: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ» [البقرة: 152]، مع علو مكانة الذكر التي قال الله تعالى فيها: «وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ» [العنكبوت: 45]، ووعد الله تعالى بنجاة الشاكرين من المؤمنين وجزائهم خير الجزاء حيث قال: «مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ» [النساء: 147]، وقال تعالى: «وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ» [آل عمران: 145]، وقال عز من قائل: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7].
فوائد سجود الشكر
وواصلت: ولوجوب شكر نعمة الله تعالى على عباده شُرعت سجدة الشكر عند حدوث نعمةٍ أو دفعِ بليةٍ؛ فروى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء الشيء يُسر به خر ساجدًا شكرًا لله تعالى”، وروى أبو داود بسنده عن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبًا من عَرْوَزا -بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الواو، هضبة الجحفة عليها الطريق بين مكة والمدينة- نزل فرفع يديه فدعا الله تعالى ساعة، ثم خر ساجدًا فمكث طويلًا، ثم قام فرفع يديه ساعة، ثم خر ساجدًا فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه قال: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لأُمَّتِي، فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي، فَسَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِي، فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي شُكْرًا، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي، فَسَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي، فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي».
حكم سجدة الشكر
وأردفت: ولهذه الأحاديث وغيرها ذهب محمد وأبو يوسف من الحنفية والشافعي وأحمد إلى أن سجدة الشكر سنة، وذهبوا إلى أنها يُشترط لها ما يُشترط في الصلاة من الطهارة وستر العورة ونحوهما؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الإمام مسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ»؛ فيدخل في عمومه السجود، ولأنه صلاة فيشترط له ذلك كالصلاة المعتادة، وبالقياس على سجود السهو؛ فإنه يُشترط له ذلك.
ونقلت قول الإمام البهوتي الحنبلي في “كشاف القناع” (1/ 446، ط. دار الكتب العلمية): [وهي -أي سجدة التلاوة وسجدة شكر- صلاة؛ (فيُعتبر لهما ما يُعتبر لصلاة نافلة من الطهارة وغيرها)؛ كاجتناب النجاسة واستقبال القبلة وستر العورة والنية؛ لأنه سجود لله تعالى يُقصد به التقرب إليه، له تحريم وتحليل، فكان صلاة كسجود الصلاة والسهو]. وروي عن الإمام الشعبي ما ينبئ عن أنه لا تُشترط فيها الطهارة ولا استقبال القبلة، فقد ورد ذلك عنه في سجود التلاوة؛ قال الإمام ابن قدامة في “المغني” (1/ 444، ط. مكتبة القاهرة): [وعن الشعبي فيمن سمع السجدة على غير وضوء: يسجد حيث كان وجهه].
هل يشترط الوضوء لسجود الشكر؟
وأكد أن عدم اشتراط الوضوء لسجدة الشكر هو ما ذهب إليه بعض المالكية وابن تيمية وابن القيم والشوكاني والصنعاني، قال العلامة قاسم بن ناجي التنوخي المالكي في “شرحه على متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني” (1/ 221، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا تسجد السجدة في التلاوة إلا على وضوء): … ويقوم -يعني يَتَحَصَّلُ- من كلام الشيخ -ابن أبي زيد القيرواني- أن سجود الشكر على القول به يفتقر إلى طهارة وهو كذلك على ظاهر المذهب، واختار بعض من لقيناه من القرويين عدم افتقاره إليها، بل يسجد بلا طهارة؛ لأنه إذا تركه حتى يتطهر أو يتوضأ أو يتيمم زال سؤال سجوده منه].
صدى البلد