رأي ومقالات

(بصراحة دي عقدتنا)!

1- قبل سنوات، ما أن يأتي الحديث عن التنمية، حتى يتمَّ الاستشهاد بالتجربة الماليزية.
كثيرٌ من السياسيين والاقتصاديين السودانيين، شدوا الرحال إلى ماليزيا، والتقوا بمؤسس نهضتها الدكتور مهاتير محمد، لأخذ (البركة) التنموية!

مهاتير محمد جاء إلى السودان، وعقَدَ العديد من المُحاضرات، لعل أهل السودان يستوعبون الدرس، ويضعون أقدامهم على الطريق الصحيح.
حينما سأل المُحاوِر علي الظفيري بقناة الجزيرة، مهاتير محمد عن مُحاولات بعض الدول الإسلامية الاستفادة من التجربة الماليزية، بابتسامةٍ جمعت التعاطف مع السخرية؛ أشار مهاتير إلى السودان.
قال إن عدداً كبيراً من المسؤولين السودانيين أرادوا نقل التجربة الماليزية إلى بلادهم؛ ولكن مثل هذه المحاولات تبوء بالفشل لاختلاف التكوين الثقافي للشعوب!
-2-
تُوجد ظاهرةٌ غريبةٌ في سلوكنا عامَّةً، وهي النزوع للتقليد الأعمى، ومُحاولة استنساخ تجارب الآخرين، مع عدم وضع اعتبارٍ للفوارق التي تُمَايِِز بين مجتمعٍ وآخر.
النزوع للتقليد هو اجتهادٌ كسولٌ لتحقيق نجاحٍ سريعٍ بِطاقةٍ أقل في زمنٍ أقصر.
في السودان، إذا نجح أيُّ مشروع تجاري فسرعان ما تجد مشروعات شبيهة في ذات المكان، وبنفس الفكرة، تُقَدِّم ذات الخدمة.
ومع تعدّد الخيارات وزيادة العرض على الطلب يفشل المشروع المُبَادِر ويعجز المشروع الناشئ في تحقيق النجاح؛ فمع الزحام يقلّ الأوكسجين ويحدث الاختناق!
بذات هذه العقلية التقليدية الاستنساخيَّة تفشل كثيرٌ من المشاريع الكبرى، لأنها قامت على رغبة المُشَابَهة، لا على جدوى الكسب وفرص النجاح.

من المهم الوقوف على تجارب الآخرين من الذين أحرزوا تقدُّماً ونجاحاً في حياتهم ودولهم.
لا ننقل تجاربهم كما هي، نقطة وحرف، ولكن نستنبط منها عبر ودروس تُعين على التعامل مع الواقع المباشر وفق متطلباته.

انتهينا من الحديث عن النموذج الماليزي، فإذا بنا نُفاجأ بأن جارتنا الشرقية إثيوبيا – كُنَّا عنها غافلين ومُستَعلين – تصنع مُعجزةً تنموية.
إثيوبيا الآن في مصاف الاقتصادات الخمسة الأسرع نُموُّاً بالعالم في تنافسٍ مع الصين!
ويُعد من ناحية أخرى اقتصادها الأسرع نموَّاً على مستوى القارة الإفريقية، حسب تقارير صندوق النقد الدولي.
غداً ربما نسعى لاهثين بأحذية مُمزَّقة، وعيون شاردة، خلف تجربة نجاح تنموي آخر في تشاد ودولة جنوب السودان وإفريقيا الوسطى!
-4-
أتاح المنتدى الاقتصادي الإثيوبي السوداني لرجال الأعمال الذي عُقِدَ بأديس أبابا قبل يومين، فرصةً واسعةً لنا، كمجموعة من الصحفيين، للوقوف على مقارنة بين أسباب تقدم إثيوبيا التي كانت حتى عام 2000 ترزح تحت وطأة فقر مًدقع، وأسباب تخلف السودان الذي ما يزال في محطَّة الانتظار!
ما اتَّفَق عليه كثيرون، أن إثيوبيا في إطار خطَّتها للنُّموِّ والتحوُّل الاقتصادي، وضعت رؤيةً بأولوية خاصَّةً للقطاع الزراعي.
واستهدفت في الخطَّة النهوض بالقطاع من خلال تحسين بنيته ودعم حصول المزارعين على الائتمان، وتحسين الخدمات الإرشادية وتشجيع الري وتأمين مُدخلات الزراعة وتنظيم الحيازات الزراعية.

-5-
في مُنتدى رجال الأعمال السوداني الإثيوبي، قَدَّمَ السيد وجدي ميرغني ورقةً ضافيةً تحمل رؤيةً مُتكاملةً لتطوير وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين السودان وإثيوبيا.
وجدي له طموحٌ كبيرٌ واجتهاداتٌ ثرَّةٌ في خلْق تكامل اقتصادي وسوق مشترك بين الخرطوم وأديس أبابا.
المشكلة الأساسية التي تعترض ذلك الطموح وتحدُّ من فُرَصِ نجاحه، أن إثيوبيا أو غيرها من الدول لا تستطيع أن تُغامر بالدخول في شراكاتٍ استراتيجيةٍ مع دول مُتقلِّبة سياسيَّاً.
-6-
في إثيوبيا رحل مليس زناوي، وجاء ديسالين، وأعقبه آبي أحمد، وخطة التنمية واحدة، والموقف من القضايا الاستراتيجية مثل سد النهضة، لم يتغيَّر.
حتى في ظلِّ نظام سياسي واحد مثل نظام الإنقاذ، كانت السياسات تتغيَّر بتغير الوزراء.
حكى لي وزيرٌ للزراعة قبل سنوات، في إحدى زياراته لتُركيا، أنه كان يتحدَّث لنظيره التركي بحماسٍ عن سياسات السودان الزراعية، وعن أولوياته.
الوزير التركي كان يستمعُ بفتورٍ ولا يُعقِّب، وبعد فترةٍ تحدَّث الرجل، وقال: (أنا في منصبي هذا تعاقب عليَّ سبعة وزراء سودانيين، ولكل واحد منهم سياساته وأولوياته، فكيف تتقدَّم الزراعة في بلدكم؟).
عدم الاستقرار السياسي وتقلُّب الوزراء في مناصبهم ، وتغيُّر السياسات مع كُلِّ وزير، وتبدُّل الأولويات، سببٌ أساسيٌّ في إعاقة تقدمنا إلى الأمام في مجالات كثيرة في مُقدِّمتها الزراعة.
أن يكون رأس الجهاز التنفيذي في السودان الدكتور عبد الله حمدوك، مُتخصِّصاً في الاقتصاد الزراعي، وله شبكة علاقات دولية، فهذا لا يكفي لصناعة نهضة اقتصادية زراعية كُبرى.
-أخيراً-
إذا لم تتغيَّر ثقافة المجتمع إلى ثقافة إنتاجية، وأُدير السودان بتقديم اعتبارات الاقتصاد على السياسة، فلن تُحَلَّ مشكلاتنا السياسية والاقتصادية، وسنظلُّ في غيابة الجُب، ننتظر حبل سيَّارَةٍ لا يأتون أبداً!

ضياء الدين بلال

‫5 تعليقات

  1. إذا لم تتغيَّر ثقافة المجتمع إلى ثقافة إنتاجية، وأُدير السودان بتقديم اعتبارات الاقتصاد على السياسة،

    والله انك اصبت بوصف الداء مشكلة ثقافية بامتياز

  2. الأخ / ضياء مشكلة السودان مش الحكومة الماضية والتي جلست على صدورنا 30 عاما ونحنا نئن من ضغوطها و لا ألوم الوزراء المتعاقبين ولا السياسات المتقلبة بل ألوم العين الثالثة ( أنتم ) شاطرين في الكتابة بعد المجرم يموت تجوا تتفلسفوا وتكتبوا ما لم يكتبه مالك في الخمر المشكلة فينا نحنا الشعب السوداني ضحل التفكير يعيش علي المسكنات اليوم بيومه ما في رقابة ….. ما في محاسبة عائرة وأدوها سوط اللهم أرحم وأغفر للشعب السوداني لأنوا لا يميز بين البامية والملوخية .

  3. يا ضياء السودانيون اعجبوا ما حصل في ماليزيا وبدل ان ينقلوا التجربة الي السودان ويسودنوها قام الكيزان نهبوا اموال السودان الي ماليزيا ظنا منهم انهم فهموا الدرس ودا الفهم القاصر1