حمير انطاكية… لاتزال الطاقية طافية فى الهواء
أراد “جبران خليل جبران ” أن يوصل معنى من خلال حوار فلسفي خيالي بين حمارين ( الحفيد والجد ) .
حيث مر كلاهما فوق جسر أنطاكيا ، فوجدا حجراً مكتوباً عليه : ” هذا ما بناه الملك الروماني …. ” .
فدار حوار بين الحمارين ، عرف فيه الحمار الحفيد أن الذي نقل أحجار الجسر هم أجداده الحمير ، فوجه سؤاله للحمار الجد :
لماذا لم يكتبوا : هذا ما بناه حمير أنطاكيا ؟؟!! .)
تحمل القصة معنى فلسفيا عميقا وهو يستحق التأمل .حيث حسب الحمار الحفيد أن مجرد مشاركة أجداده الحمير في بناء صرح الملك الروماني تستوجب تكريمهم وكتابة أسماءهم بجوار الملك إن لم يكن قبله .أليس هم من قاموا بالعمل الشاق فعلا!!
وقد حمل سؤاله تعجباً واستنكاراً لإهمال ذكر الحمير برغم ما بذلته من مجهود وما تكبدته من عناء شديد ، وبرغم الحقيقة الساطعةأنهم هم معشر الحمير البناة الحقيقيون للصرح فالملك كان آمرا ولم يكن عاملا كما عملت الحمير.
ولكن واقع الحال يحكى : إن الحمير كائنات مسخرة مسلوبة الإرادة تقاد إلى حيث يريد راكبها وتسير وفق أهداف يضعها قائدها ، فهي في خاتمة الحكاية مُسَّخَّرة لتنفيذ ما يُراد لها ، لا ما تريده هى مهما ظنت أنها تشارك فى صنع التاريخ من خلال بناء الصرح المشيد.
وخلاصة المقال: أن أيما إنسان أوأية جماعة تسير في الحياة فاقدة الوعي ، مسلوبة الإرادة ، فتعطى تفويضا مفتوحا لمن يقودها ليسير بها حيث يشاء فسيكون مصيرها مصير حمير أنطاكيا ؛ ووظيفتها فقط هى نقل أحجار لبناء صروح لأمجاد سواها وما من أحد سيذكر العير ولا الحمير.
هذا وقد كنت كتبت هذا البوست إبان مناقشة شورى المؤتمر الوطنى لمسألة ترشيح الرئيس البشير لانتخابات 2020 وإجازته لها وكنت آنذاك فى البرلمان الأفريقى فى جوهانسبرج فى جنوب افريقيا وقد أثار إنزال البوست ردود أفعال فى الصحافة والأسافير. وقد عتب على أخ كريم على إنزال البوست فى ذلك الأوان مما يوحى باستحمار هيئة الشورى فقلت لست بالضرورة أشير إلى ماجرى لكنى لن انفيه أيضا لأن المعنى المراد يحتمل أحوالا متعددة وينطبق على كل من وافق الوصف. و حكيت له يومذاك قصة قصيدة الشاعر عبدالله محمد عمر البنا التى مطلعها
ياذا الهلال عن الدنيا عن الدين
حدث فإن حديثا منك يشجينى
والتى هجا فيها الشاعر بعض زعماء السياسة آنذاك فى العام الهجرى1339
يقول فيها
فَمِن غَنِيٍّ فَقِيرٍ مِن مُرُوءَتِهِ
ومِن قوِيٍّ بِضَعفِ النَّفسِ مَرهُونِ
ومِن طَلِيقٍ حَبِيسِ الرَّأيِ مُنقَبِضٍ
فَاعجَبْ لِمُنطَلِقٍ في الأَرضِ مَسجُونِ
وَآخَرٌ هُوَ طَوعُ البَطنِ، يَبرُزُ فِي
زِيِّ المُلُوكِ وَأخْلاقِ البَرَاذِينِ
وَهيكَلٍ تَبِعَتهُ الناسُ عنْ سَرَفٍ
كالسَّامِرِيِّ بِلا عَقلٍ وَلا دِينِ
يَحتَالُ بالدِّينِ لِلدُّنيَا فَيَجمَعُهَا
سُحْتاً، وَتُورِدُهُ في قَاعِ سِجِّينِ
يومذاك تساءل المتسائلون من المقصود بالقصيدة وعندما سئل الشاعر عن مقصوده قال هى طاقيه فى الهواء من يشاء أن يضعها فى الرأس المناسب فليفعل.
وعودا إلى حكاية جبران حمير إنطاكية… لا تزال الطاقية فى الهواء فمن شاء فليضعها فى الرأس المناسب!!
هناك رؤوس بالكوم ..ما عليك إلا أن تنظر في الشوارع والمكاتب والمواصلات وللأسف الوزارات هم من يستحمر البشر ..شوف الناس الخارجة في الشوارع تصرخ وتهتف ..والجسر مكتوب عليه ……وانت فاهم
الثوار رايكم الشنو الطاقة قدرهم والله انا غلطان
اول مرة اعجب بحديث يصدر عن هذا الرجل
لو سمعوا ووعوا لكلامه بعدم ترشيح البشير ملاة اخري لما كان الحال مثل الحال الانولكنهم قطيع كقطيع قحت الان
ما دمنا بصدد الادبية الرمزية و”الطواقى الفى الهوا”، فأنا اقترح على الكاتب اعلاه وعلى القراء الأعزاء روايتى “ولا زالت الكلاب تنبح” او التى قبلها “بطولة ما بعد السقوط” او التى تليها، “اوهام النجاة من المقصلة”