حوارات ولقاءات

أمين حسن عمر: مستقبل السودان في ديمقراطية مدنية وليس عسكرية


القيادي والمفكر الإسلامي ..د. أمين حسن عمر في حوار المراجعات والسياسة: (2-2):
نتيجة للتغيرات السياسية التي شهدتها البلاد، تحدث الاسلاميون كثيرا عن ثمة مراجعات فكرية يجرونها على مشروعهم السياسي والفكري، إذا اعتبرنا أن ثمة تردداً في المشروع الإسلامي من أجل إعلان القطيعة مع ماضيه بتبنيه «المراجعات النقدية»، وخاصة بعد الانهيار المفاجئ لانظمة اسلاميون صعدت بعد الربيع العربي، ومع تصاعد التيارات الليبرالية في السودان ، القيادي الاسلامي، والمفكر ..”د.امين حسن عمر”، قدم مرافعات نقدية للتجربة. من حيث الفكرة والتطبيق في الحوار التالي:

حاورته: رشان اوشي

**اذا إتجهت الحكومة الانتقالية الى صراعات أيدولوجية ستضع نفسها في مواجهة المواطنين الذين ينتظرون. معاشهم..
**الجمهوريون خرجوا من كهف النسيان الى دائرة ضوء صنعها تمكينهم من الحكم بوزن يتجاوز وزنهم..
**لم نحظى بزعيم اخر يشبه الترابي..
**غندور لديه مقبولية.. ولكن لا اعول على الاشخاص في إحداث التغيير
**مستقبل السودان في ديمقراطية مدنية وليس عسكرية

*الان.. يعتقد البعض ان البلاد وقعت تحت سيطرة تيار علماني ليبرالي، ما رأيك؟
مما يؤسف له أن البعض إعتبر ذهاب نظام حكم الإنقاذ فرصة له ليكون بديله دون أن يفوض من الشعب. ولا يهم أن نسمى هؤلاء باى أسم أو نلقبهم بأى لقب ، فهم سيعرفهم الناس بأفعالهم لا بأسمائهم، لأنهم على محك التجربة الآن ، وهم محط كل نظر فالبلاد فى منعطف حرج ومن يجلس على عجلة القيادة يحسن به أن ألا يلتفت إلا إلى الطريق . ورغم ذلك ففى إعتقادى أن الناس بما فى ذلك الإسلاميين يمكن أن يصبروا على حكم إنتقالى لأى ماكان أسمه ووصفه وإن طالت مدته، إذا إنصرف ذلك الحكم الى معالجة السياسات وأصلاح الأوضاع المعيشية والتهيئة للإنتخابات ، وترك القضايا الخلافية التى تتجاوز البرامج إلى خيارات أيدولوجية وإحالتها إلى مرحلة مابعد الإنتخابات. وأنا دعوت فى تغريدة أول أيام تسلم حمدوك للحكم تقول (دعوه يعمل دعوه يمر) فالوضع الأمنى ووضع الحرب فى الأطراف والوضع الإقتصادى لا يحتمل الصراعات الصفرية. لكن إذا إختارت الحكومة أن ترسل إشارات سالبة تؤكد أنها تضع أيدولوجيا أحزابه الحاكمة فى الأولوية الأولى أو إختارت أن تقرر أن شعارات الحرية والعدالة والمسالمة لا تنطبق على قطاع واسع من المواطنين تطلق عليهم مرة الدولة العميقة ومرة دولة التمكين ومرة ثالثة أسماء وألفاظ عفى عليها الزمان، فهى عندئذ تختارخيارا خاطئا يضعها أول ما يضعها فى مواجهة سائر المواطنين الذين يضعون الأمن والسلام والتحسن الاقتصادى موضع الأولوية القصوى .

*سطع نجم الجمهوريين مرة اخرى، هل هو فضاء الحريات ،ام ان هناك جهات دفعتهم الى سطح الاحداث؟

أنا لا أرى نجماً ساطعاً ولا حتى مصباحاً مضيئاً بل أرى قوما أخرجوا من كهف النسيان إلى دائرة ضوء صنعها تمكينهم من الحكم بوزن يتجاوز وزنهم . وغالب الناس لا تعرف كيف تقيس هذا الوزن. أما فضاء الحريات فما عاد يتحكم فيه أحد فلا أحد يستطيع أن يمنع أحدا أن يقول ما يقول، ففى الأسافير المفتوحة مندوحة لكل الناس،وقد يقال لهم يا لك من قمرية بمعمر… خلا لك الجو فبيضى وأصفرى .بيد أنى أومن بالحرية للجميع و لا ارى من الحكمة الحؤول دون أحد والكلام فيما يرى ولو لم يحب سائر الناس ما يقول، فليس من الحكمة أن يُمنع الناس من قول ما يقولون ما دام لا يخالف القانون أو يحدث فتنة تخشى عواقبها بين الناس. وأما الجمهوريين فليلزمهم أن يخبروا الناس من هم؟ وما هى فكرتهم بعد موت المتنبىء؟ وعليهم أن يشرحوا ماذا كانوا يفعلون حيث كانوا منذ نيف من أربعين سنة ؟ ولد خلالها نصف الشعب السودانى وصار الى الوعى نصف النصف الآخر بعد إذ كان فى الطفولة والصبا.و لست منزعجا من الحضور الجمهورى فى الساحة المكشوفة فكل كل داء إن عُرف عُرف له الدواء
*بعد انتفاضة ابريل 1985، رغم التكتل ضد الجبهة الإسلامية القومية حصلت على المركز الثالث ولكن كان للجبهة زعيم قوي ومؤثر وشجاع .. الان الاسلاميون بلا زعيم يشبه “الترابي” بمن في ذلك المعتقلين في “سجن كوبر” ليس بينهم ترابي ثان ولا زعيم؟
لا شك أن دكتور الترابى زعيماستثنائى ليس فى السودان وحسب بل هو كذلك على مستوى العالم الاسلامى فأفكاره التجديدية تركت أثرا فى التطور الفكرى للحركات الإسلامية.والزعامة لها أثرها ولا ريب ، ولكن الزعامةوحدها لا تكفى فالزعيم الذى لا يجد جماعة متماسكة منسجمة منتظمة تسير على إيقاع وإن يؤلف نغماته مؤلف فذ فلابد أن يرتضيه الجميع ويتناغمون معه وإلا لن يكون أثره إلا ضئيلاً . وصحيح أن الجبهة الإسلامية قد شقت طريقها بقوة وسرعة أزعجت خصومها يومذاك بالداخل والخارج ،ولذلك تآمروا على إخراجها من المشهد بمذكرة الجيش التى أًعتبرت انقلاباً كاملاً موجهاً ضدطرف سياسى بعينه و موال لأطراف أخرى بإيعاز من إشارات جاءت من خارج الحدود. وصحيح أننا قد لا نحظى بزعامة مثل زعامة الترابى ، لكن عقل الجماعة المنسجمة والتنظيم القوى المتلاحم يمكن أن يعوض عن الزعامة الفردية، ثم إننا نضع فى شبابنا آمالا عراضا بأن يبرز من اوساطهم قيادات جديدة عالية الثقافة ذات قدرة على بلورة رؤى وأفكار متجددة. ونحن الآن فى زمان التفاعلية الواسعة ولذلك فالحاجة إلى عقل الجماعة المنسجمة تمس له الحاجة بأكثر ما تمس للزعيم الفرد.
*غالبية قواعد الحزب حسب إستلاعاتنا ومتابعاتنا كصحفيين، بل أكثرية خارجة ، تعتقد ان حزب المؤتمر الوطني ليس لديه قيادي مقبول من كل الاطياف السياسية غير البروفسيور “غندور” ، ويبدو انك ترى غير ما يرى الناس؟
لا لست أرى رأياً مخالفاً حول بروفسير غندور وقد عبرت عن ذلك فى تغريدة بعد تكليفه مباشرة. وقلت : أن قيادته للحزب هى خير ما حصل للحزب منذ مدة.فبروفسير غندور رجل له شخصية لامعة ومقبولية كبيرة داخل السودان وخارجه وهو جدير ببناء صورة أفضل للحزب الذى يترأسه ،لكنى لا أضع كبير معول على الأشخاص فى إحداث التغيرات المهمة فالتغيير المهم نسق اجتماعى لابد أن تتوافر شروطه، وأهمها توافق كتلة مؤثرة حرجة على إحداثه وقد ظللنا منذ أكثر من عقد من الزمان نحاول بناء تلكم الكتلة داخل المؤتمر فلما تلبث أن يتفرق شملها بيأس البعض، وإبعاد البعض، وانشقاق البعض ،وتحول آخرون إلى النظر بأسى إلى رفقائهم من الرصيف النائى، حتى سئمنا والمرء لا أبالك يسأم.فبعض البناء يأخذ من الجهد والعرق وربما المال ما يمكن أن تشاد به صروح أعلى و أكبر. ولا يزيد قولنا هذا عن كونه اجتهاد وتقدير من لدنا، ولكنه اجتهاد يصادف توافقا مع كثيرين ممن داخل المؤتمر ومن الرصيف ومن جهات أخرى.
*كثيرون يتهمونكم بأنكم أقرب للمكون العسكرى فى الحكومة فهل هذا صحيح؟
نحن لا نحكم على الناس بلون ملابسهم بل بأفعالهم ، وفى إعتقادى أنه لا يمكن لأحد أن يحكم على الحكومة بأحد مكوناتها، ففى نهاية الأمر قرار الحكومة عندما يصدر للناس قرار واحد. ونحن نحكم على القرار ٱن كان صواباً ام خطأ ظالماً ام عادل نافعاًأم ضار.ونحن لا نرى للسودان مستقبلاً الا فى ديموقراطية مدنية . ولانؤيد الحكم العسكرى ليس كراهية فى العسكر فهم إخواننا وأبناءنا ، ولكن لأنه حكم شريحة واحدة وطائفة واحدة من الشعب. ونحن مع حكم الشعب كل الشعب . ونريده حكماًللشعب كله وفق دستور يتوافق عليه الجميع وتشريعات وقوانين تصدرها هيئات منتخبة انتخابات حرة . فذلك هو الحكم المدنى وليس الحكم المدنى حكم أصحاب الياقات البيضاء ممن لم ينتخبهم أحد سوى أنهم فقط غير عسكريين، وكأن العسكرية صارت منقصة وسبة.وعدم قبولنا للحكم العسكرى فقط لانه ليس حكم الشعب كله ولأن الثقافة العسكرية ثقافة إمتثال للقيادة لا تعرف المعارضة. ولكن الشمولية المدنية نحن وأنتم رأينا بعض أشكالها فى العراق وغيره و قد يمضى الناس فيها إلى تقديس القيادة ونزع السلطةمن الشعب وتسليمها للحزب بل ولبطانة الحاكم وحدهم لا غير.و نحن الان نسمع حديثاً كثيراً عن دولة الوطن. لكننا لا نرى الآن الا دولة أحزاب متحالفة تقصى كل حزب سواها ، ولا تعدم حجة تقولها تبريراً لكل إقصاء وإبعاد بل وربما تحفظ وإعنقال. ونحن لا نفرق بين حكم شمولى يديره العسكر وآخر شمولى يحرسونه . ولا بديل للحكم الشمولى الا حكم مدنى دستورى ديموقراطى.

حاورته: رشان اوشي
المجهر