استشارات و فتاوي

تجسس الزوج على هاتف زوجته «حرام»: والعكس أيضا صحيح

في ظل اقتحام التكنولوجيا للبيوت من بوابة مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت الأسرار معرضةً للكشف على الملأ أمام مستخدمي هذه الوسائل، ومن ثم بدأ الشك والتخوين يجد ملاذه في العلاقات الزوجية، والتي بدورها تثير كل طرف على الأخر.

المقدمات السابقة تدفع أحد الطرفين إلى التجسس على الهاتف المحمول الخاص بالآخر، وهو ما نتج عنه عدد من الخلافات حسب ما ورد مؤخرًا للجان الفتوى بدار الإفتاء المصرية، فكان السؤال: «مراتي طلبت مني الباسورد بتاع موبايلي وأنا رافض، هل ده حقها ولا أنا صح في عدم إعطائها الباسورد؟».

وأجابت الإفتاء: «ليس من حق الزوج أو الزوجة أن يطلع أحدهما على هاتف الآخر، ويجوز لكل منهما أن يحفظ خصوصياته بكلمة سر، ولا يجوز لأحدهما أن يتجسس على الآخر، فقال الله تعالى: (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا)، وقد نهى النبي عن التجسس، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا كونوا عباد الله إخوانا)، ومن النهي الثابت في القرآن الكريم والسنة المتطهرة عن التجسس يعلم أن التجسس حرام شرعًا».

وأولت دار الإفتاء اهتمامًا لهذه القضية على مدار العام الماضي، فتلقت نفس السؤال في فبراير 2018، لكن بين الخاطب وخطيبته، وكان الرد: «يحرم على الخاطب شرعًا التجسس على مخطوبته أو تتبُّع عثراتها، ويأثم إذا فعل شيئًا من ذلك، بل ينبغي على المخطوبين إحسان الظن في بعضهما، والتعاون على البر والتقوى، ومَن ثارت في نفسه شكوكٌ تجاه الآخر منهما فعليه مصارحته بذلك بقصد التفهم والإصلاح والنصح ليكون ذلك أحرى أن يؤدم بينهما إذا يَسَّرَ اللهُ لهما إتمامَ الزواج».

وفي يونيو 2018 أصدرت الإفتاء فتوى عبر موقعها الرسمي بشأن الزوجين: «تجسسَ أحدهما على الآخر أو تتبعَ عوراته حرامٌ شرعًا، والواجب على كلٍّ منهما رعايةُ حق الآخر وإحسانُ الظن به والتعاونُ على البر والتقوى، ومَن ثارت في نفسه شكوكٌ تجاه الآخر فعليه مصارحتُهُ بقصد الإصلاح والنصح والتذكير بحق المعاشرة بالمعروف التي أمر اللهُ تعالى بها».

ومع شيوع الأمر بموجب تعلق الغالبية بمواقع التواصل الاجتماعي تقول الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن هذه الوسائل أُسيء استخدامها فيما يخص أسرار البيت، رغم ذلك لا يجوز للرجل التجسس على الزوجة والعكس.

وتردف «نصير» تصريحها لـ«المصري لايت»: «هناك من آداب الإسلام في العلاقات الزوجية أنه لو جاء من سفر لابد قبل وصوله بعدة ساعات أن يخبرها بأنه سيصل في الساعة المحددة لتستعد للقائه، حتى لا يُفاجئها ولا يدخل عليها دون أن تكون متهيئة أو مستعدة لاستقباله».

في حال شك الزوجة في زوجها تنصح «نصير» الرجل بأن يأخذ بزمام ويخبرها أن هذه الأخلاق لا يجوز أن تكون بينها وبينه، ويؤكد لها إخلاصه واحترام حرمة البيت وأنه يقدرها، ولا يجوز أنها تتشكك فيه أو تتجسس عليه بأي صورة من الصور.

فيما لو حدث العكس تؤكد «نصير» على ضرورة وجود لغة العتاب بين الطرفين، فيجب أن تسود حسب تعبيرها، وإذا كان للزوج أمٌ أو للزوجة يمكن أن تتدخل في هذه القضية إذا أراد إصلاحًا حقيقيًا دون تدمير للبيت.

ومن جانبه، يوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أن تجسس الزوج على هاتف زوجته المحمول والعكس لا يجوز، مفسرًا: «النص القرآني واضح في سورة الحجرات، فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)، وأيضًا الحديث النبوي الشريف: (ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا)».

ويضيف «كريمة»، لـ«المصري لايت»، أن من الحياة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو حُكم في الفقه، أنه نهى أن يخوّن الرجل امرأته، فضرب لذلك أمثلة بنهي أن يُفاجئ المسافر زوجته حال عودته، فقال يرسل لها رسولًا حتى «تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ»، أي تتجمل، وكان من هديه أنه إذا قدم المسافر كان يذهب إلى المسجد ليصلي ركعتين ثم يخبر أو يبعث بمن يخبر أهله بعودته.

ويشير «كريمة» إلى أن الإسلام حث على الاستئذان قبل الدخول على الأم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم، حينما استغرب أحد الناس لذلك: «أتريد أن تراها عارية؟»، موضحًا أن الدين هنا أعظم من عاداتنا الموجودة: «أي أنت معك مفتاح الشقة، ستفتح لنفسك لكن أوجبت الشريعة أن تدق الباب على أهلك، ثم تسلم عليهم، وبالتالي من مجموع ما ذكرته يحرم تجسس الزوج على زوجته والعكس أيًا كانت الوسيلة».

وفي حال وجود شك بين الطرفين يستشهد «كريمة» بقول الله تعالى: «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا»، ناصحًا المتشكك بأن «يكل الأمر إلى الله عز وجل، فهناك يوم حساب يجمع الظالم والمظلوم، إنما الإسلام يحافظ على البيوت، لأننا إذا أطلقنا العنان للشك والظن تُخرب البيوت، لأن الشريعة تبني الأحكام على اليقين».

المصري اليوم