كمال حامد: علي عبد الفتاح لو كان حيا لربما كان من أبرز قيادات الثورة ضد الإنقاذ
هل ستقف عند علي عبد الفتاح … ؟
أم سننتهي بالاعتذار عن إبادة جردة هكس 1883م ؟
تمرد جنوب السودان زرع سنة 1917م وأنفجر في توريت 1955م !!
من أخطاء الإسلاميين و الإنقاذ التركيز إعلاميا فقط على شهداء الإسلاميين في القتال ضد قوات الحركة الشعبية وهو قتال لم يتطوع له شباب الاسلاميين فقط بل تطوع له واستشهد فيه الآلاف من شباب السودانيين من غير الاسلاميين ، ودفع فيه الآلاف من جنود وضباط القوات المسلحة أرواحهم ولم يكونوا إسلاميين بل كان منهم مسيحيين ووثنيين وحدويين ظلوا متمسكين بوحدة السودان حتى الرمق الأخير.
في العام 2001م جمعتني جلسة مع متطوع سابق بالدفاع الشعبي قاتل في جنوب السودان وحدثني بحماس شديد عن كيف أن جنديا جنوبيا مسيحيا في القوات المسلحة أنقذه من الموت وحمله على كتفه وهو ينزف فاقدا الوعي لعدة كيلومترات ، وأكاد لم أقابل متطوعا من متطوعي الدفاع الشعبي ممن ذهب إلى الجنوب وعاد في تلك الفترة إلا وقد صارت نظرته للجنوب والجنوبيين أكثر عمقا وفهما.
كل أولئك الجنوب سودانيين الوحدويين مسلمين ومسيحيين شكلت نيفاشا صدمة بالغة لهم فارتدوا عن الوحدة للإنفصال إحباطا وألما.
ولأن الإنقاذ اقتصرت على تمجيد الشهداء من عضوية تنظيمها فأطلقت أسمائهم على المعالم من شوارع ومراكز ومستشفيات ،فقد كره من لا يعرف تفاصيل التاريخ القريب من شباب الثورة صغار السن تلك الأسماء المنتشرة في كثير من المعالم واقترنت في عقولهم بفساد وطغيان كرهوه وثاروا ضده.
ولكن من خلف هذا التهييج ديناصورات أصحاب غرض في قلوبهم مرض يتجاهلون عمدا أن الدفاع الشعبي ومتطوعيه لم يكونوا مبادرة بدأت من لا شيئ بل كانوا ردة فعل للخطاب والتوجه الإستئصالي الذي تأسست عليه الحركة الشعبية باعتبارها موجة تجديدية لتمرد بدأ تأسيسه في 1917م وانفجر في 1955م قبل استقلال السودان بسنة.
نعم فقد كانت سنة 1917م هي السنة التي أسس فيها البريطانيين قوة دفاع الاستوائية في جنوب السودان Equatorial Deffence Force وكان ذلك قبل تأسيس قوة دفاع السودان سنة 1924م عقب اغتيال الحاكم العام السير لي ستاك في القاهرة 1924م وما أعقبه من سحب الجيش المصري وتأسيس قوة دفاع السودان من الضباط والجنود السودانيين بولاء وتبعية للحاكم العام البريطاني ،وكانت قوة دفاع السودان النواة التي شكلت عماد القوات المسلحة السودانية إلى يومنا هذا.
إذن منذ ذلك التاريخ 1917م تأسست في جنوب السودان قوات مسلحة جنوبية مسيحية لأن التجنيد فيها إقتصر على الجنوبيين المسيحيين فقط فكانت قوات مسلحة بعقيدة قتالية وبولاء مختلف وبعدها بثمانية سنوت تأسست في 1924م قوة دفاع السودان في الشمال فصار هنالك جيشين بولائين وعقائد قتالية ومسارح عمليات مختلفة تماما.
تم استخدام قوات دفاع الاستوائية في قمع ثورات القبائل الجنوبية من ثورات النوير والدينكا عالياب وكانت شديدة النكاية بهم لأن الجنوبيين وقتها لم يكن قد تبلور في أذهانهم مفهوم الوطنية ، وتم استخدامها في مهام قتالية خارج جنوب السودان في مناطق جنوب بحيرة تركانا شمال كينيا حاليا.
تلك القوات EDF التي تأسست في 1917م كانت هي بذرة القوات التي قادت تمرد توريت سنة 1955م قبل سنة من الاستقلال في 1956م.
وكلما كان يتم اتفاق سلام مثل اتفاق 1972م زمن حكم النميري يحدث الصلح تحدث فترة سكون واستكانة تندلع بعدها موجة تمرد جديدة بسقف مطالبات أعلى وبخطاب إستئصالي أشد تطرفا ﻷن السلام لم يكن يعالج إزدواجية العقيدة القتالية التي تأسست في 1917م.
نعود لهؤلآء الديناصورات ونقول أنهم يستغلون جهل شباب الثورة بتفاصيل من تاريخ السودان الحديث جدا بعد 1989م ويقولبون في عقول الشباب وأفهامهم كل التاريخ في إطار سنوات الفشل والفساد الإنقاذية وكأنهم يسعون للوصول إلى المرحلة التي يعتذر فيها السودانيين عن إبادة جردة هكس في شيكان 1883م… وليس ذلك ببعيد ..إذا استمر الحال على هذا المنوال.
فقد سمعنا أحد هؤلاء الإقصائيين التجريميين يخرج أصغانه خلال الثورة فيطالب السودانيين بالاعتذار عن تاريخهم منذ سنة 1505م والاعتراف بأن عمارة دنقس مجرم … والزبير باشا مجرم … والمهدي مجرم …ومحمد احمد المحجوب مجرم … ولم يبق أحدا من رموز التاريخ السوداني إلا قام بتجريمه !!
و لا أظنني أبالغ إذا قلت أن علي عبد الفتاح لو كان حيا لربما كان من أبرز قيادات هذه الثورة ضد الإنقاذ.
كمال حامد