حتى نفهم قرار الوزير !
* أعود مرة أخرى الى (قرار وزير التجارة) لمزيد من التوضيح لمن استعصى عليه الفهم أمس!
* نص القرار على منع (غير السودانيين من ممارسة النشاط التجاري في مجال الاستيراد والتصدير إلا بموجب قانون الاستثمار واتفاقيات حكومية خاصة)، بالإضافة الى منعهم من (التواجد في الأسواق المحلية وممارسة عمليات البيع والشراء سواء مباشرة أو عن طريق وسيط محلى)، ومعاقبة كل يخالف هذا القرار!
* أتجاوز ركاكة الصياغة الى المضمون، رغم أن صياغة القرارات الرسمية يجب ان تكون دقيقة جدا، لما يترتب عليها من آثار قانونية، مثلها مثل أي قانون، وإلا كانت في حاجة الى الشرح واصدار المذكرات التفسيرية، أو صارت مثارا للجدل وإضاعة الوقت في المحاكم والمنتديات، وأعود هنا الى عبارة (التواجد في الأسواق) التي لا تقتصر، حسب النص، على ممارسة التجارة فقط، وإنما تشمل الوجود في الاسواق حتى لمجرد النزهة والسياحة، أو التسوق .. ويستطيع أي شرطي، حسب القرار، ضبط أي أجنبي بسبب (وجوده) في السوق حتى لو لم يكن يمارس أي عمل تجارى. هذا وراد حتى لو كان مستبعدا أو لم يكن مقصودا في القرار، وبالتالي لا بد من مراعاة اقصى الدقة والوضوح في صياغة القوانين والقرارات الرسمية، حتى لا تتسبب في الالتباس وسوء الفهم !
* قلت أمس إن القرار غير دستوري لأنه يحرم السودانيين الحاصلين على الجنسية بالتجنس من ممارسة حقوقهم الدستورية ومنها ممارسة التجارة، وبغض النظر عن زمن او كيفية الحصول على الجنسية، فإن القرار يشمل جميع السودانيين المجنسين، ومنهم من حصل على الجنسية (قبل العهد البائد) بطريقة سليمة وقانونية، ومنهم من حصل عليها لأن الأم أو الأب سوداني، ولكنه لم يولد في السودان، فلماذا يُحرم هؤلاء وبأي حق، من ممارسة حقوقهم الدستورية؟!
* كما ان القرار صعب التطبيق من الناحية العملية، ولا توجد وسيلة لتطبيقه سوى استخدام وسائل غير مقبولة مثل (الكشة) واقتحام الأسواق وإرغام الناس على إبراز هوياتهم، مما يمكن أن يحدث ربكة كبيرة ويعرض الجميع لمضايقات حتى الذين لا ينطبق عليهم القرار، بالإضافة الى الأثر السيء الذى ستتركه لدى السفارات والدول التي ينتمى إليها غالبية الأجانب، ومنها مَن ساهم في نجاح الثورة السودانية ووصولها الى بر الامان مثل (إثيوبيا)، بالإضافة الى المصالح المشتركة التي تجمع بيننا وبينهم، فهل يستحق عقاب المخطئين كل هذه الضجة وإثارة غضب الدول علينا في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لعون الجميع؟!
* كما أن الكثير من الأجانب يعمل وفق القانون والشروط ولم يرتكب أي أخطاء، بل يساهم في تقديم بعض الخدمات المطلوبة وتوفير فرص عمالة للسودانيين، ويسهم في انعاش الاسواق والاقتصاد السوداني، فلماذا نحرم بلدنا وانفسنا ومواطنينا بقرار تعميمي مخل من هذا المزايا، لأخطاء أو جرائم يرتكبها البعض، أجانب كانوا أو مجنسين؟!
* بل إن القرار في حقيقة الأمر يحمى بعض مَن يرتكب الأخطاء والجرائم باستثنائه للأجانب الذين يعملون في السودان وفق قانون الاستثمار، وبما ان غالبية الأجانب يعملون في السودان وفق قانون الاستثمار، فمعنى ذلك أن يستمر الذين يرتكبون الأخطاء والجرائم في مواصلة أعمالهم بشكل طبيعي، بينما يُحرم الذين لا يتمتعون بحماية قانون الاستثمار من العمل، حتى لو كانوا يعملون بشكل صحيح !
* تحدثت من قبل عن مشاريع الاستثمار الزراعي العربي في الشمالية التي تعمل وفق قانون الاستثمار وتحتكر مئات الآلاف من الأفدنة وترتكب جريمة فادحة باهلاك المياه الجوفية، وتمتنع عن تشغيل العمالة السودانية، وتُصدّر معظم انتاجها الى الخارج ولا يستفيد منها السودان بأي شيء. هؤلاء وكثيرون غيرهم لا ينطبق عليهم قرار الوزير الذى يستثنى الخاضعين لقانون الاستثمار، بينما هم الأحق بالمنع والحرمان، فما هي فائدة القرار !
* معالجة الأخطاء لا تكون بالتعميم المخل واطلاق الرصاص على المجرم والبريء، وإنما بتحديد المخطئ ومعاقبته، كما أن أهمية أي قرار تنبع من حجم المنافع التي تُجنى منه مقارنة بالأضرار التي تنجم عنه، كأي دواء يُعطى للمريض!
* وأختم أخيرا بقول دُريد بن الصُمة: (بذلتُ لهم نصحى بمنعرج اللوى ** فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد) .. وكان (دريد) قد نصح أخاه وقومه بمواصلة السير الى الديار بعد غزوهم لإحدى القبائل، ولكنهم لم يستمعوا له ونزلوا للراحة في (منعرج اللوى) فلحقت بهم تلك القبيلة، وهزمتهم وقتلتهم !
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة
هو انت وين لقيت المخ البتفهم بيه