داليا الياس

الاستعمار الحديث

[JUSTIFY]
الاستعمار الحديث

# لست بصدد الحديث عن القوى السياسية العالمية العظمى التي تعبث بمصائر الشعوب بطرقها الحديثة المبتكرة.. ولا عن العدو الإسرائيلي بمخططاته التخريبية والاستعمارية بعيدة المدى.. ولكني ببساطة سأتحدث عما تمارسه ضدنا (الشغالات) الأجنبيات داخل منازلنا من سطوة وسلطة مذلة في بعض الأحيان.
والمعلوم أن نسبة استخدام المعاونات في المنزل قد ارتفعت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وتكاد بنات الأحباش يسيطرن على سوق القوى العاملة المنزلية تماماً.. وأصبح وجودهن في حياتنا أشبه ما يكون بالضرورة أو (الموضة) .. ولا يقتصر استخدامهن على طبقة معينة من المجتمع أو فئة خاصة من الناس..فهن _كن_ دائماً متاحات بحسب الطلب. وعلى كل الأنواع والأشكال والأسعار والتخصصات المهنية.
# وأصبح من الشائع جداً تكدسهن في بيوت المناسبات بشكل ملحوظ حيث تأتي إحداهن برفقة الواحدة منا من باب البرستيج أو بسبب رعايتها للأطفال، وأحياناً ينبن عنا في القيام بواجبات المعاونة في المحافل والأتراح.
وكن حتى وقت قريب يتمتعن بقدر وافر من الاستكانة والأدب والاستسلام للضرورة الملحة التي دفعتهن للهجرة من بلادهن طلباً للرزق، فتجدهن حريصات جداً على القيام بواجباتهن على أكمل وجه مهما تنوعت لنيل ثقتنا ورضانا.
وأنا شخصياً لا يمكنني أن أنكر فضلهن منذ سنحت ظروفي بالاستعانة بإحداهن لتعاونني على القيام بالتزاماتي الأسرية بعد أن أعياني التوفيق ما بينها وبين هذا الرهق الكتابي اللذيذ.
# ولكن.. مؤخراً برزت على السطح أزمة حقيقية وفادحة في وجود (الشغالات)، ويعزو الكثيرون ذلك لارتفاع أسعار الدولار بحيث لم تعد التحاويل التي تبعثها هؤلاء الفتيات إلى ذويهن مرضية…فآثرن البحث عن مهن أخرى أعلى أجراً_ ولا تسألوني عن ماهية تلك المهن فاللبيب بالإشارة يفهم_ واعتزلن الأعمال المنزلية التي لا تسمن ولا تغني من جوع وتركننا هكذا في حيرة وقلق بعد أن اعتمدنا عليهن كلياً ولم نعد نطيق منازلنا دونهن.
والشاهد أن العديد من (الشغالات) قد هجرن البيوت التي يعملن بها مؤخراً بذرائع مختلفة لا سيما مع دنو شهر رمضان ليتركن العديد من السيدات وهن يكدن يزرفن الدموع على فراقهن.
وإذا ما فكرت إحدانا للحظة في البحث عن بديلة اصدمت بالأرقام الفلكية التي بتن يفرضنها كمقابل مادي لعملهن ك(مديرات) لمنازلنا!!! ويكدن يكنَّ (معدومات) وغير موجودات.
# أحد الأصدقاء الأعزاء ظل لعدة أيام يهاتفني وهو يشكو من مأساته هو وزوجته وأبناؤه بعد خروج (الشغالة)…ويقول إنهم كادوا يقبلون يديها كي تبقى.. وكادت زوجته تزرف الدموع متوسلةً لها لتواصل (استعمارها) لمنزلها ولكن هيهات.. وحينما فكر في إحضار أخرى بديلة تفاجأ بندرة المعروض وارتفاع رواتبهن الشهرية بصورة كبيرة حتى كادت إحداهن تساوي رأسها برأس كبار موظفي الخدمة المدنية لدينا.
ومن بين استيائه العظيم خرج على بفكرة مقاطعة (الشغالات) في ظل حملة جمعية حماية المستهلك الكبرى (الغالي متروك)!! وسألني بامتعاض عن السبب الذي يحول بيننا كربات بيوت وأمهات وبين القيام بأعبائنا المنزلية وحدنا؟…خصوصاً وأننا كنا نؤديها جميعاً في السابق قبل صرعة الشغالات هذه بكل تفانٍ.
ويتساءل صديقنا عن الفوائد التي إكتسبناها من وراء الاستعانة بتلك القوى الاستعمارية داخل بيوتنا أكثر من العديد من الكيلوهات الزائدة في أوزاننا والتي نلهث الآن وراء رياضة المشي والنوادي الصحية والتسكع على الكباري وشارع النيل في سبيل أن نفقد بعضها؟… وينصحنا سيادته نحن معشر النساء بالعودة الطوعية إلى وظائفنا الحياتية الأساسية والتمرد على سطوة أولئك الفتيات اللائي يعشن بيننا ويعلمن كل أحوالنا وأسرارنا ثم لا تلبس إحداهن أن تنسى قدسية الملح والملاح و(تبيعنا) لأول وأفضل العروض التي تأتيها من آخرين.
# والحقيقه أننا فعلياً قد خضعنا تماماً لسيطرة(الحبشيات) وأصبحنا لا نستغني عنهن.. وكنت في كثير من الأحيان أضبط نفسي متلبسة بالتودد للبنت التي تعاونني بالمنزل لدرجة تصل حد (كسير التلج) والنفاق خشية أن تعلن يوماً تمردها عليَّ فتترك ظهري مكشوفاً لما تقوم به من أعمال لم يعد لي قدرة ولا طاقة على القيام بالعديد منها، وذلك فقط بسبب الوزن الزائد الذي اكتسبته فعلياً ومؤخراً بسبب استسلامي للركون حتى كدت أكون ضيفة على بيتي.
فهل يمكننا أن ننفذ هذه المقاطعة الغالية..أم أننا أضعف من مجرد التفكير في هذا الأمر الجلل؟؟!!
# تلويح:
(الغاليات) متروكات… ولكن من أين لنا قوة الإرادة على ذلك؟!

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي