تحقيقات وتقارير

الإسكان والأراضي في الخرطوم .. أرقام مليارية ومعاناة كبيرة

أمام مباني “صندوق الإسكان والتعمير” في وسط العاصمة السودانية يتجمع يوميا مئات المواطنين باحثين عن “سكن شعبي”، ولكل قصة طويلة مع المعاناة والإرهاق البادي على الوجوه، التي يلهث أصحابها في الغالب منذ سنوات دون أن يحصدوا شيئا سوى رزما من الأوراق والتوقيعات.

وفي جانب آخر من المدينة يدير “محمد” مكتب عقارات فخما بأحد الأحياء الراقية يرتاده ميسورو الحال حيث تختلف هنا اللغة والحاجة، وهاتف الشاب الأربعيني لا يكاد يصمت متلقيا طلبات لباحثين عن قطعة أرض أو منزل مكتمل يرغب صاحبه في بيعه بأسرع فرصة، فتسود في هذه اللحظة الأرقام المليارية، فالكل بات يتفق أن الخرطوم أضحت من أغلى العواصم في سوق العقارات.

وما بين المشهدين تبرز الحقيقة أن ثمة مشكلة كبيرة تواجهها العاصمة السودانية بسبب الضغط السكاني العالي وكثافة حركة الهجرة من الريف والمناطق المتأثرة بالحرب، ناهيك عن الوجود الكثيف لجنسيات من دول مجاورة وأخرى بعيدة تعاني ويلات الحرب بعد أن فتح النظام السابق الباب لمواطني اليمن وسوريا للدخول دون الحاجة لتأشيرة رسمية فكان التدفق المتواصل على مدى السنوات الخمس الأخيرة سببا إضافيا في رفع أسعار إيجارات المنازل إلى أرقام فلكية.

وبحثا عن معالجة مزدوجة عمدت الحكومة السودانية إلى فكرة المجمعات السكنية التي أسست غالبها في أطراف العاصمة وقسمته لثلاث فئات: سكن شعبي على أطراف الخرطوم يقوم على منح المستحق منزلا مشيدا بشكل جزئي وفي مساحة لا تتعدى ثلاثمئة متر على أن يتم سداد تكلفته بأقساط مريحة للغاية.

والفئة الثانية هي السكن الاقتصادي ولا يختلف كثيرا عن الشعبي، أما الثالث فيكون استثماريا وفيه يتم تشييد مساكن مكلفة بنظام الشقق وفي مواقع أفضل وبالتالي تكون قيمتها مرتفعة ويحصل عليها في الغالب أصحاب الدخل العالي أو من يضمن سداد قيمتها بشكل منتظم.

استثناءات من قرار التجميد
يقول والي الخرطوم الفريق الركن أحمد عابدون حماد في تصريحات له يوم الخميس الماضي إنه تلقى خمسة آلاف طلب جديد للحصول على سكن شعبي بالعاصمة، كما تحدث عن تكوين لجنة برئاسة وزير التخطيط المكلف لتوفير عشرة آلاف قطعة سكنية يتم تسليمها لصندوق الإعمار الذي سيتولى تشييد ما بين أربعمئة وخمسمئة منزل شعبي شهريا.

كما تقرر -ووفقا للوالي- منح صندوق الإسكان أراضي استثمارية مميزة تخصص عائداتها لدعم السكن الشعبي لتخفيف العبء عن الفئات الضعيفة.

ويوضح مسؤول الإعلام في صندوق الإعمار معاذ أحمد صغير للجزيرة نت -سببا إضافيا لحالة الاكتظاظ في مقر الصندوق- أن والي الخرطوم السابق عبد الرحيم محمد حسين كان جمد منح السكن الشعبي، وعندما تسلم الوالي الحالي تلقى طلبات من عشرات المواطنين لاستثنائهم من قرار التجميد، وبالفعل تم التصديق لتلك الفئة التي كانت قليلة وقتها، لكن في اليوم الذي يليه يقول معاذ ارتفعت حصيلة المتقدمين إلى خمسة آلاف مواطن يطالبون بمنحهم السكن.

معاناة كبيرة
يضيف معاذ “اجتمع الوالي بالصندوق وتقرر برمجتهم لمقابلة إدارة الصندوق بعد أن يتم نشر الأسماء في بعض الصحف اليومية بواقع ألف شخص حتى بلغ العدد الآن أربعة آلاف تسلموا جميعا استمارات السكن الشعبي”.

لكن وخلال جولة الجزيرة نت وسط المحتشدين خارج مقر الصندوق تم رصد معاناة المئات من النساء وكبار السن في معرفة ما إذا كانوا من بين المستحقين أم لا، لأن الأمر رهين بالنشر في الصحف وغالبهم ممن لا يحسن القراءة ولا يعرف حتى الإجراءات المفترضة.

كما وقفت “الجزيرة نت” على عشرات الشكاوى من المواطنين عن تسلمهم الموافقة بالاستحقاق، فبعضهم تسلمها منذ عام 2017 دون أن يحصلوا على شيء بل طولبوا بكتابة طلبات جديدة بحجة أن ذلك تم في عهد الحكومة السابقة وهو ما أوقعهم في حيرة كبيرة.
اعلان

ويفسر معاذ صغير تلك النقطة بأن بعضا ممن حصلوا على الموافقة باستيفاء الشروط ولم يسددوا المقدم يتم استبعادهم في هذه المرحلة بمنح الأولوية لمن استوفى وأكمل الدفع ليوضع في الانتظار.

وأضاف “الآن وصل التسليم للذين قاموا بسداد المقدم في يونيو/حزيران 2016 والصندوق قرر أن يسلم هؤلاء خمسمئة منزل شهريا”.

ويؤكد مدير صندوق الإسكان والتعمير الخلوتي الشريف النور أن الأراضي التي خصصت للصندوق لتشييد المساكن الشعبية حكومية وخالية من أي موانع ولم يتم نزعها من مواطنين كما يشاع.

ويشير إلى أن الاتجاه الغالب الآن هو إدخال تكلفة الخدمات ضمن تكلفة المنازل حتى تصبح جاهزة للسكن.

أسعار فلكية
مع ذلك، تسجل أسعار الأراضي في الخرطوم على وجه التحديد ارتفاعا لافتا، حيث وصل بعضها في مناطق على الأطراف إلى ستة مليارات جنيه سوداني (ما يعادل 750 ألف دولار) وتلقى إقبالا منقطع النظير من ميسوري الحال.

ويعزو مدير التخطيط العمراني المكلف بولاية الخرطوم عبد الله عثمان عبد الله هذا الارتفاع في الأسعار إلى أن شراء الأراضي بات أشبه بالتجارة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية حيث يفضل أصحاب المال الاستثمار في ذلك.

ويشير إلى أنهم يعملون حاليا على وضع خطة لمخطط هيكلي للعاصمة هو الرابع من نوعه في تاريخ الخرطوم وضعت له فترة زمنية من 2008 حتى 2033.

ويشرح للجزيرة نت أن هذا المخطط أسس وفق تسعة موجهات للتنمية بينها إيقاف النمو والتمدد الأفقي للعاصمة واعتماد الطريق الدائري الخارجي المحدد للمدينة، وإنشاء محور للتنمية الحضرية بين الشرق والغرب. ويضم تسع مدن محورية متكاملة تشمل السكن والخدمات وأماكن عمل وإنتاج لتكون مكتفية ذاتيا من الخدمات.

ويضيف “هذه التي نعول عليها لتمتص معدل النزوح والهجرة في ولاية الخرطوم بتسكين المواطنين في مدن مستقلة ذاتية (مكتفية ذاتيا) بموجه أساسي يضمن قرب العمل من السكن”.

وتقع أربعة من هذه المخططات وفقا للمسؤول في منطقة شرق النيل وخمسة في أم درمان ومن المقرر الانتهاء من وضع الخطة قبل نهاية هذا العام.

ويلفت إلى أن تنفيذها على أرض الواقع يتطلب إمكانيات ضخمة غير متاحة في الوقت الراهن خاصة الجوانب المتعلقة بالمشروعات المصاحبة التي توفر فرص العمل.

المصدر : الجزيرة نت

تعليق واحد

  1. لا بد أن يكون المتقدم مولودا بالخرطوم حتى لا يضطر مواليد الخرطوم للتقديم لقطع أرض بصقع الجمل.