حسين خوجلي: بت الريدة والراهن السياسي .. وللقصة بقية !
كنا في الجامعة حريصون جدا على نجاح قصص الحب الطاهرة والجادة بين الزملاء والزميلات، بل كنا نحس بأنها قضية شخصية ومهنية تتحدى مصاعب الاختلاط الذي يجمع بين رجال ونساء راشدين وتمنعهم المادة والحياء وقلة حيلة المجتمع في البدائل من تحقيق هذا الرباط الحلال، بل كنا في كثير من الاحيان نجمع التبرعات السرية والجهرية لتحقيق زواج شاب ريفي فقير من زميلة ثرية جمعت بينهما الفكرة والمشاعر وفرقت بينهما المادة (والدرهم اب رنة)، بل اننا ظللنا نتابع مثل هذه الحالات حتى بعد تخرجنا لنضمن استقرارها ونموها الطبيعي وتفريخها لاطفال وطفلات تحدى ابائهم (بالريدة) عثرات الدهر (والريدة بالمناسبة مفردة سمراء وصناعة سودانية خالصة). بعد تخرجنا بسنوات زارني احد الاصدقاء كان مهتما باخبار الدفعة خاصة واصدقاء الجامعة عامة وذكر لي اسم زميلة اختلفت مع زوجها وحملت اطفالها وذهبت مغاضبة الى منزل اسرتها الفقيرة وقد فشلت كل المحاولات لاستعادة المياه الى مجاريها وقد احزنني الامر لأننا كنا نعدها من حكايات الحب والزواج الناجحة المتحدية للظروف وعوائق المجتمع ، صحيح ان زميلنا هذا كان حاد الطباع وفيه لؤم حميد الا انه من بعد الغضب يتراجع ويعود بعد العاصفة الى نسمة ونفحة عطر ولكن يبدو ان حدة الظروف وحدة الطبع مع تكاثف المسئولية والاطفال قد جعل الزميلة الزوجة الحالية والحبيبة القديمة لا تطيق الرجل واصر علي الزميل ان نزورها بمنزل اسرتها للمراجعة وقد زعم ان لها تقدير خاص لي وكانت ذات حضور دائم في اركان النقاش رغم اختلافها السياسي معنا وتحت اصراره والحاحه ذهبنا اليها في منزل اسرتها البسيط النظيف بشجرة الليمون العلامة وقد استقبلتنا العائلة بترحاب يشبه هؤلاء السمر الطيبين واتاحوا لنا الفرصة ان نراجعها وقد قدرت كثيرا حضورنا وحديثنا حتى انها دخلت في موجة بكاء مفصح جعلنا نجود بدمعات متبادلة رغم ان الاعلام والصحافة يعلم الممارسين الكثير من الجفاء والموضوعية البلاستيكية وقالت بنبرة فيها كثير من العاطفة والعقل : رغم كل التحفظات لن ارد لكم طلبا وساحاول من جديد. كان في حضرة الجلسة خالها وهو رجل حكيم و(دوغري) بارك مسعانا وحين ودعناهم وودعنا اطفالها اطل احد اشقائها وقد كان طيلة الجلسة ينظر لنا شذرا وقد فوجئنا وفجعنا بانه ثار في وجوهنا قائلا بلغة غاضبة : خلو صاحبكم المصيبة دا يفك لينا اختنا فنحن لا نتشرف به ولا نطيقه ولن نكرر تجربة اعادتها له مرة اخرى لو سمحتم اطلبوا منه عاجلا ارسال ورقة الطلاق وان اراد ان يزايد فقل له سننالها عبر المحكمة وعليه ان يركب اسرع واعلى خيوله الهزيلات. صمتنا للحظات ونحن نمسح من ذاكرتنا هذه الحجارة التي لم نتوقعها ونحن نغادر ولكن (ربك رب الخير) فقد تبددت صدمتنا حين تصدى الخال والذي يبدو انه من فصيلة (الطريفي زول نصيحة) فقد اغنانا تماما عن معركة لم نستعد لها حين واجه ابن اخته وشقيق زميلتنا بوابل من رصاص النصيحة : اسكت يا لئيم اهذا حديث يقال لوفد خير واصلاح، انت اختك دي الداير طلاقها عندك ليها شنو وكوم اللحم الجارا وراها دا بيتك نص بيت وانت نص السنة عاطل ونحن من الله خلقنا غير تفّتك وسفّتك دي ما عرفنا ليك حاجة، والله باكر دي تقوم عليها هي واولادها تطردهم طردة الكلاب، والتفت صوب ابنة اخته التي كانت تراقب المشهد في قلق : يا بتي بت الرجال بتقبل الشريك في الاصعب من دا والولد دا مصلي وكسّيب وود ناس وابو عيال وحدة الطبع و(القفلة) في الرجال في وفي النسوان في، وانا والله يا بتي كان النقة والمناقرة والصعوبية سبب للطلاق كان زوجتي النعمة دي انا طلقتها من عشرين سنة وشردت اولادي. اكثر ما استوقفني في المشهد ان شقيق الزميلة الذي كان يطالب بورقة الطلاق حين ما جوبه بهذه الحقائق والشدة العقلانية صمت صمتا مطبقا وما حار جواباً قال لي الخال شكرا جزيلا يا استاذ وقل لصاحبكم يجي يشرفنا بعد المغرب وسوف يجد زوجته واطفاله واسرتنا وعبدو (اب تفّه) دا في استقباله . ذهب زميلنا فرحا للزوج المنتظر على احر من الجمر للم شمل اسرته واخبره بالحكاية، زارني بعد اسبوع وشكرني رغم المشغوليات على ما قمت به فقلت له ان قضايا المشاعر والحب والتواصل الانساني عند السودانيين قضية عامة وذكرته باغنية الفنان الذري ابراهيم عوض وكان من احبابه: انت ليه سهرت عيني ونمت ليه .. عودتها البكا والنواح .. الناس يقولو علينا ايه؟! ضحكنا طويلا وانا اربت على كتفه مودعا : لو لم يحدث هذا يا فلان الناس يقولو علينا ايه؟! قبل فترة زرت مستوصفا خاصا لمراجعة دورية فاستقبلتني طبيبة باهية ممتلئة بالعافية والعلم والصبا واحتفت بي احتفاء خاصا وهي تقوم بالفحص وقلت في نفسي اتراها من احباب (كلمة الوان) ام معجبي (مطر الالوان) ام من متابعي (ايام لها ايقاع) او (مع حسين) رغم حدته وتقاطعاته واختلافاته، لم تتركني اذهب بعيدا في الخيال حين قاطعتني بلطف قائلة : انا يا استاذ ابنة زميلكم فلان، وزميلتكم فلانة وضحكت ضحكة كأنما كانت تريد عبرها ان تصرح بأنها قد سمعت بتلك الزيارة الشهيرة، نادت على طبيب شاب وعرفتني به كان زوجها الذي يعمل معها في ذات المستوصف فاوصيته بها خيرا وقلت له هذه الطفلة كنا نسميها غير اسمها الوسيم ( بت الريدة) فهي نتاج لقصة حب شهيرة تحدت مصاعب وعقبات الاختلاط، وودعوني بلطف حتى بوابة الخروج ووعدوني بزييارة خاصة مع كل الاسرة . كنت دائما اقول لمجموعة الصحفيين والاعلاميين الذين تدربوا معي ان الدول دائما ما تشبه الافراد ولو حق لنا ان نجعل مماثلة ما بين هذه الحكاية والواقع الراهن لاخترت مشهد الفتى الغاضب وهو يطالب بطلاق اخته والرد العقلاني والحاسم من خاله الذي اعاد الامور الى نصابها.. عزيزي القاريء نحن في زمان يتكاثف فيه الاشقاء المتشاكسين الغاضبين ويقل فيه الاخوال الحكماء الحازمين. وللقصة بقية، لكنكم انتم وحدكم القادرون على وضع النهاية السعيدة.
بقلم : حسين خوجلي