استشارات و فتاوي

“غير عتبة بابك”.. قصة نبي وصديق وشهيد أمروا أبناءهم بتطليق زوجاتهم

“غير عتبة بابك”.. هكذا أمر أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ابنه اسماعيل أن يطلق زوجته، بالطبع كانت له أسباب في ذلك رواها لنا النبي صلى الله عليه وسلم وعرفناها خلال السيرة النبوية، لكن لمَ أمر عمر بن الخطاب وأبو بكر ابنيهما بتطليق زوجتيهما أيضًا؟ وهل تلك القصص تفضي إلى حكم شرعي ما؟

بدون ترتيب تاريخي نبدأ بعاتكة، الصالحة زوجة الشهداء، التي قال عنها النبي: من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة، فلم قد يأمر أبو بكر ابنه بتطليق تلك المرأة الصالحة؟

تزوج عبد الله بن أبي بكر عاتكة بنت زيد وكان يحبها حبًا شديدًا، وكانت رضي الله عنها بارعة الحسن، وقال فيها الشعر، وفتن بها، فشغلته عن صلاة الجماعة والمغازي، ووردت تلك الأبيات في كتاب “خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب”، بعدما أمر أبو بكر ابنه بتطليقها أنشد قائلًا:

يقولون طلقها وخيم مكانها… مقيمًا عليك الهم أحلام نائم

وإن فراقي أهل بيت جمعتهم… على كبرة مني لإحدى العظائم

وبعدما طلقها بالفعل، سمعه أبو بكر رضي الله عنه وهو يقول:

فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها….ولا مثلها في غير جرم تطلق

لها خلق جزل ورأي ومنصب…وخلق سوي في الحياة ومصدق

فرق له أبو بكر وراجعها، ثم شهد عبد الله بن أبي بكر بعدها غزوة الطائف مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فأصابه سهم فاستشهد، فقالت عاتكة تبكيه:

رزئت بخير الناس بعد نبيهم…وبعد أبي بكر وما كان قصرا

فآليت لا تنفك عيني حزينة…عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

فالله عينا من رأى مثله…فتى أكر وأحمى في الهياج وأصبرا

إذا شرعت فيه الأسنة خاضها…إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا

كانت فكرة الصلاح وطاعة الله أساس الصالحين في اختيار زوجاتهم أو فراقها، وكان ذلك غاية النبي إبراهيم عليه السلام حين أمر اسماعيل بتطليق زوجته، لأنها كانت شكائة ولم تكن تحمد الله على نعمه، وقد روى ذلك ابن عباس رضي الله عنه في صحيح البخاري في حديث طويل نأخذ منه القصة:

فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك.

طلقها وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك

وعلل ابن حجر في شرح قوله “غير عتبة بابك” أنه كناية عن المرأة، وسماها بذلك لما فيها من الصفات الموافقة لها، وهو حفظ الباب وصون ما هو داخله.

أما ابن عمر رضي الله عنه، فيروي بنفسه قصة تطليقه لإحدى زوجاته التي كان يحبها أيضَا، فيقول: ابن عمر رضي الله عنهما: كانت تحتي امرأة وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها، فأبيت فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طلقها. وكان سبب ذلك هو خوف عمر بن الخطاب من أن تلهيه عن طاعة الله.

لكن ما حكم الشرع في تطليق الرجل زوجته نزولًا على رغبة أحد والديه أو كلاهما؟

في عهد الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، جاءه رجل سأله أن أباه يأمره بأن يطلق امرأته، فقال له: لا تطلقها، فقال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته؟ قال: حتى يكون أبوك مثل عمر.

وقد ذكر ابن تيمية في مجموع الفتاوى ردًا على سؤال من رجل تأمره أمه بتطليق زوجته فقال: لا يحل له أن يطلقها لقول أمه، بل عليه أن يبر أمه وليس تطليق امرأته من برها.

وفي فتوى لدار الإفتاء بتاريخ 10 أكتوبر 2013م، حول أمر أحد الوالدين لابنهما بتطليق زوجته قالت الدار: إنه لا يجب على الابن أن يطيع والديه في طلاق زوجته، بل يحافظ على زوجته وأسرته ما استطاع، وليس تطليق الزوجة من بِرِّهِمَا؛ فالبِرُّ بالوالدين معناه الإِحْسَانُ إليهما بالقَوْلِ اللَّيِّنِ اللَّطِيف الدَّالِّ عَلَى الرِّفْقِ والـمَحَبَّةِ، وتَجَنُّب غليظ القول الـمُوجب للنفرة، واقتران ذلك بالشَّفَقَة والعطف والتَّودد والإحسان بالـمال وغيره من الأفعال الصالحات؛ كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيـمًا ۞ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾

مصراوي