عمسيب: الاسلام السياسي كان موجة ركبها أبناء الطبقة الوسطى والمهمشين الى قلب الدولة في مقابل النخبة الخرطومية
النخبة – الأنقاذ
في الخرطوم قبل الهجرة .. بينما أجلس على كرسي بالقرب من أحد جراحي العظام الكبار في البلد دخلت على الخط سيرة الحاج أدم .. ولأنني لا أحرص علي تبيان وجهات نظري هذه في أوساط العمل أكتفيت بالمشاهدة فقط .. يقول الرجل أن الحاج أدم “مقطع” والأنقاذ أتت بهولاء الجائعين ، عندما كنت أرتدى قميص مناسج نيوكاسل كان الحاج أدم يأتي ليتفرج علي .. أنتهى
جامعة الخرطوم .. هنالك بدأت القصة و على بعد أمتار منها أنتهت .. أولاد البسطاء الذين دلفوا من بوابة جامعة غردون بحثآ عن “طربوش” الأفندي الذي سيحولهم من نكرات على هامش مجتمعهم الي موظفي خدمة “مقندفين ” يغلقون أبواب بيوتهم أمام “البلديين” منذ الساعة الثالثة ظهرآ تيمنآ “بالخواجات” الذين كانوا يسكنون حي البرتقال ..
الطموح و لا شئ سوى الطموح .. الحقد الأجتماعي “الموضوعي” على النخبة الأفندوية – حقد يمثل نزعة يسارية بدائية كان يمكن أن يستثمر فيها يسار صالح يساعد على لي ذراع الأقطاع لصالح الريف المنسي – معآ شكلا دافعآ جبارآ لأبناء الريف للأنضواء تحت لواء الأسلاميين ..
من يعتقد أن الحركة الأسلامية بطابعها الأيدلوجي الصرف هي التى حكمت السودان فهو لا ينظر الا تحت قدميه .. الأسلام السياسي ككل كان موجة ركبها أبناء الطبقة الوسطى و المهمشين الى قلب الدولة و الحكم في مقابل النخبة الخرطومية المدينية .. نخبة حي البرتقال و حي “الزهور ” ..
الأسلام السياسي كان فرصة الحكم الممكنة .. أذ كيف يمكن أن تضرب النخبة المدينية التى تحالفت مع الطائفة الا عبر تحالف كل الطامحين و صغار التجار و نخبة معهد أمدرمان العلمي .. الخ تحالف هندسه أحد أكبر العقول التى شهدها القرن الماضي ..
الجامعة
الطابع المديني الكولنيالي “الأستعماري” لمؤسسة غردون على الجرح النرجسي الذي أدمى المجتمع بوجودها هي ذاتها كتذكار لحقبة “الأذلال ” كانا سببآ في حرمان أعيان و طامحين و قوى أجتماعية كبيرة عن مشهد السياسة .. أذ لم تكن قوى الأفندية المتحالفة مع الطائفة لتحمل كل الأفندية على ذات السفينة ، فالمقاعد محدودة ..
لذا فأن على عثمان على ذكائه الواضح وقتها فأن “سفنجته” ذات اللون الأخضر و قميصه المهترئ ظل السمة التى تحكى بها النخبة المدينية عنه .. و أمثال على عثمان هولاء هم الذين حولوا حركة “كوازون” ريفيون ، و الكواز في العراق هو الحرفي صانع الفخار ، أو حركة مشايخ ذات طابع تربوي ، الى كيان سياسي “نخبوي” لكن على أساس مضاد أي أنها صارت نخبة مضادة ، نخبة تجمعها أوضاع أجتماعية متشابهة ووعي طبقي في بعض الأحيان و طموح سياسي في أحايين أخر ، و نجح الترابي في أن ينقلها تلك النقلة ..
المعهد العلمي
الثقافة المحلية كانت تعبر عن أناس مثل ذو النون لم يتلقوا التعليم الأستثنائي القادر على جعلهم ينالون أعجاب النادي النخبوي فيضمهم اليه .. و هو فوق كل ذلك يفهم السياسة على أصلها القديم أصل الفهلوة و البداهة .. الا أن ما ظل يفوت على ذو النون أن يعى وضعه الطبقي قبل أن يموضع نفسه في أي صراع ، قبل أن يقرر الى أي حلف عليه أن يركن .. هو أحد عيوب التصنيع كما يقول المهندسون .. أي أنها الظروف التاريخية التى صنعت ذو النون ..ظروف التنشئة و الطبقة ..
و الجانب الأخر أن هولاء الناس ليسوا كعامة الناس بمعنى أنهم أفضل منهم تعليمآ .. نعم لا يضاهى تعليمهم و وزنهم الأجتماعي وزن الأفندية .. لكنهم أقرب وجدانيآ الى العامة و لا ينقصهم الطموح .. و يؤرقهم أنسداد أبواب النادي النخبوي أمامهم ..
مثلت هذه الفئة خريجي معهد أمدرمان العلمي .. أساتذة اللغة العربية و الدين .. الذين لم يكونوا يجدون في المدراس ما يجده خريجي غردون من الأمتيازات و الرواتب و التقدير .. هي ثقافة رسخها المستعمر و لا يزال خريجو غردون ينظرون عبرها لبقية الجامعات ..
الأنقلاب
ليس العالم الخارجي ما كان يعيق الأسلاميين عن الحكم ، بل الديموقراطية نفسها .. كان التلهف للحكم شديدآ .. و أنك لو نظرت الى التأسيس النظري لتلك الحركة مقابل التنظيم الضخم و الموارد التى تملكها كنت لتفهم على الفور أن الدوافع لم تكن تحتاج الى تأسيس نظري و أن التأسيس النظرى كان لأستقطاب “كوازون” متحمسون يقاتلون عنها و يكونون سيفها ..
حتى التمكين لم يكن صدفة .. التمكين في أكثر صوره وضوحآ هو أعادة لتقسيم السلطة و الثورة في السودان .. و فوق ذلك هو أرواء لتوق قديم لم يعلن عنه و لم تصارح به النخبة المضادة نفسها .. توق نحو دولة الأفندية .. الدولة كغنيمة .. و هو قراءة جديدة لأمر للتمكين لم يفطن له الترابي ..
التمكين نتاج لوعي جمعي مشترك أن دولة الأفندية هذه و أن لم يفضوا غزلها فأنها ستلفظهم مرة أخرى الى هوامشها .. و على قدر كل ذلك مجتمعآ كان عنف الأنقاذ في بواكيرها ..
الدولة أكبر من الفكرة
الدولة دائمآ ما تبتلع الأفكار المثالية .. ثم تمضغها بأسنان الواقع و ترسلها يسيرة الأمتصاص قبل أن تلفظها الى فضلات التاريخ .. لذا فأن الفكرة كانت حملآ لم تطقه الدولة الجديدة و بدأت في التخلص منه بسرعة ..
تحولت الانقاذ الى نخبة .. كاملة الدسم .. تحكم بمنطق القوة تتمدد أقتصاديآ و ينعم الغزاة الجدد بعز الدولة .. حتى سمتهم النخبة المهزومة ” مستجدي النعمة” و ظهرت أوجه غياب التنسيق بين السيارة الفارهة و الأزياء “المشاترة ” كأحد العلامات الواضحة لهذه النخبة الجديدة ..
نشأ أبناء النخبة الجديد ميسوري الحال و ناعمي الوجوه .. ثم أستحالوا الى كمبرادور تابع للخارج مفتتن به على غرار النخبة القديمة التى هزمها أبائهم .. طبقة كاملة تدرس مع بعضها و تجمعها مجتمعات أبناء القيادات .. و هي أولى خطوات سقوط دولة الأنقاذ .. الأفندية الذين هزموهم قديمآ نبتوا عليهم من أصلابهم ..
السقوط
هي دورة جديدة للتاريخ ستعود فيها النخبة المدينية ذاتها .. و للسخرية فأنها عادت من أتنيه و أوزون و المهاجر .. عادت و هي تحمل غلها و ذكريات أهلها و مرارتهم .. عادت بأنجليزيتها الجيدة و طابعها الغردوني ..
كل ما في الأمر أن عملية التسليم و التسلم لن تكون بتلك السهولة .. أما أولئك الذين على قعر المجتمع هم مشغولون في أشيائهم و غارقون في تفاصيل حياة لا يملكون أي أمل في أن يغيرها الساسة .. تمامآ كالجالسين أعلى نفق بري القديم ..
#وهكذا
هذا تحليل جيد يا عمسيب ! لكن اعمل ( حسابك ) أنت في إحدى الدول التي تتآمر على بعض الدول وعلى بعض الأطراف المهمة في بلادنا … وهي مما ينطبق عليها القول : ( عاد البغاث بأرضنا يستنسر )
تحليل ماركسى ممتاز