منصور الصويم

أفنوا العمر موتا ونسيانا


[JUSTIFY]
أفنوا العمر موتا ونسيانا

يحكى أن في نهار يوم صيفي قائظ الحرارة قبل سنوات كنت أرافق أحد الأصدقاء في مشوار طويل (كداري)، وبلغ التعب بنا مبلغ أن غطى العرق سائر جسدينا، ولم نكن نرغب في أي شيء سوى الوصول إلى نهاية هذا المشوار الذي بدا طويلا بأي طريقة، أو العثور على ظل حائط أو شجرة نستريح تحته قليلا، ويا ليت لو صادفنا (سبيل موية) لأن العطش متحالفا مع حرارة الشمس أوصلانا إلى مرحلة من الصمت والبؤس جعلتنا نتحرك وكأننا غريبين تلاقيا مصادفة فقط. كان الطريق يمر عبر مخطط سكني جديد، وكانت المباني في أغلبها قيد الإنشاء، وعند زاوية ما ظهر أمامنا فجأة مجموعة من العمال (الطُلبة) وهم منهمكون في العمل بشكل (مرعب) في ذلك الطقس مرتفع الحرارة؛ تقدمني الصديق وواجه عمال الطُلبة المنهكين وصرخ فيهم بغضب: (أيها العمال أفنوا العمر كدا واكتسابا) ومضى مسرعا كأن لم يقل شيئا!
قال الراوي: صديقي دفعه التعب وحرارة الشمس والعطش لمواجهة منظر العمالة المنهكين المفاجئ بحالة استحضارية سريعة وساخرة للبيت الشعري لأمير الشعراء أحمد شوقي، ناسفا بقذفه أمام العمال الحقيقيين هذه الإمارة المزعومة، ومنتقدا بغضب الوضعية (الاسترقاقية) التي يعاني منها العمال ويقنن الشاعر استمراريتها متفلسفا بالربط من الاكتساب والكد العمر بأكمله! تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ تقريرا عن ما بات يعرف بـ (قتلى مونديال قطر 2022).
قال الراوي: التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية نقلا عن منظمة )برافاس( لحقوق الإنسان النيبالية يؤكد “أن عدد الوفيات من العمال الأجانب القائمين على تشييد ملاعب كأس عالم 2022 لكرة القدم في قطر قد وصل إلى 400 وفاة” ويشير إلى أن عدد الوفيات مرشح إلى أن يصل إلى 4000 حالة وفاة بحلول عام، وأن أغلب هؤلاء العمال الذين ماتوا (كدا) من النيباليين والهنود والبنغاليين!، وأرجعت الصحيفة أسباب موت هذا العدد الكبير من العمال إلى “عدم توفير سبل كافية لحماية العمال من الطقس الحار وحرمانهم من معدات السلامة”!
ختم الراوي؛ قال: من ينظر إلى قطر، أو أي بلد آخر من البلدان الحديثة ذات المباني العملاقة رائعة الجمال من ناطحات السحاب الزجاجية؛ لن يصدق أن من بنى هذه الصروح البديعة هم هؤلاء العمال الذين يموتون (موت الضأن) تحت لهيب الشمس، ويحيون في أسوأ الظروف المعيشية بينما (الحضارة) تشع من حولهم وهي من صنع أيديهم.
استدرك الراوي؛ قال: لم يتقدم الإنسان كثيرا، فقط أبدل سلاسل الحديد بعقود عمل ورقية (وهمية) وظالمة.

[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي