زهير السراج

الحكومة الضائعة !


* عندما يرتدي العلماء ثوب السياسة فإن الخوف يطغي على الشواهد العلمية، ويكون التردد منهجاً يختل به الميزان الزمني لاتخاذ القرارات المفصلية، فالضغط ومقاييس الرضا للرأي العام تأخذ الجزء الكبير من مواقيت القرارات الشجاعة!

* الاقتصاد علم المتغيرات، واستقراره لا يتأتى الا عبر التوافق الزمني بين اتخاذ القرار وتطبيق السياسات وإنفاذ الحزمة الإجرائية لمعالجة الوضع الاقتصادي!

* جميعنا متفقون على ان الدعم يسير في الاتجاه غير الصحيح، وان هنالك فئات مستفيدة من الدعم لا تستحقه بقياسات القدرة على الانفاق، كما ان الشواهد الواقعية افضت الى ان جميع السلع المدعومة هي الآن سلاح الثورة المضادة تنشط في استخدامه لمحاربة الحكومة واعاقة النهوض وبناء السودان الجديد!

* عند تحليل النتائج المتوقعة والمترتبة على الواقع الاقتصادي في حالة رفع الدعم، نجد أنها حدثت بالفعل قبل ان يبارح القرار أدراج التردد القاتل للوقت، يظهر ذلك جلياً عند مقارنة سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، فقد ارتفع من ستين الى أكثر من تسعين، وظلت السلع في ارتفاع مستمر بفعل تزايد معدلات التضخم ولا يزال التأني الذي يتساوى مع التردد ماثلا، والوضع الاقتصادي يسير نحو المجهول.

* معالجة المشكلة تحتاج الى اختراق كبير ينقل الأداء الحكومي من حالة الاحباط المبطن الى حالة الفعل الإيجابي، رفع الدعم سينقل وزارة المالية من مربع السكون والتردد الى مربع معالجة النتائج المترتبة عنه، مما يُسهل عليها تصميم الحزم الإجرائية والسياسات الاقتصادية القادرة على خلق التوازن الاقتصادي، الأمر الذي سينقل المواطنين من حالة الاحباط الى حالة الأمل في الانفراج والتطلع الى رفع مستويات المعيشة فيزيد الرضا العام لدى المواطنين ويقل الضغط الكبير على الحكومة، التردد هو أكبر عقبات التوظيف الكامل للموارد، واكتساب الزمن في ظل اقتصاد هش هو نصف الطريق لإحداث النجاح.!

* تطبيق القرار (الآن) ستكون آثاره إثارة السالبة أقل تأثيرا من شهر (مايو) القادم، وسينعكس حتماً على السلع الاستهلاكية البديلة مثل (دقيق القمح) الذي هو بالتأكيد ردة عن الثقافة الغذائية في السودان التي تشكلت وفق الميزات النسبية للمناطق والأقاليم والولايات، فالدخن هو الغذاء الرئيسي للإقليم الغربي، والذرة غذاء سكان الشرق والجنوب، والقمح غذاء الوسط والحضر. الواقع الحالي للاستهلاك لم تشكله الدولة، ولكنه حالة مزاجية للمتكسبين ومافيا الدقيق التي لم تمل الاجتهاد لتغيير السلوك الغذائي واستمالته نحو القمح لتوسيع الرقعة التجارية والاستهلاكية، وقد آن الأوان كي تعود الامور الى نصابها وفق السياسات والحزم الإجرائية التي تساعد على تحقيق ذلك من خلال التمهيد لها بتطبيق رفع الدعم عن السلع اليوم قبل الغد !

* وإذا أخذنا البنزين كمثال ، فهو أكبر دليل على استشراء ثقافة الاستهلاك واللف والدوران في الفاضي وخلق ازدحام مروري فظيع وتلويث البيئة، خاصة مع سعره المتدني الذي يقل عن سعر الماء المعبأ ثلاث مرات مما يغري على الاستهلاك الرديء .. تخلصوا من الجبن والتردد وارفعوا الدعم عن البنزين، فتتخلصوا في ضربة واحدة من كل الأذى المترتب عن سعره المتواضع الذي لا تستفيد منه سوى فئة قليلة جداً، وأدعموا بالإيرادات التي تتوفر الجازولين والدواء وبقية السلع الضرورية !

* لقد تجلت عبقرية الثورة وملامح السودان الجديد في ميدان الاعتصام والقدرات العالية التي يتمتع بها الشباب الواعد والتي سوف ترفد الأداء الحكومي وتعينه على تحقيق الأهداف المخططة، فلماذا نصر على سجن هذه القدرات والمواهب الواعية في سجن الرقابة فقط على السلع التي تجتهد الثورة المضادة لتسريبها وتهريبها وهزيمة البرامج الحكومية..!
* لماذا لا يُرفع الدعم عن هذه السلع فتنعدم الحاجة الى الرقابة، ويتفرغ الشباب للبناء والتعمير، بينما تتفرغ الحكومة للقيام بمهامها وينطلق قطار التطور ؟!

* الظروف الآنية والقدر العالي من الرضا العام على الحكومة لم يتوفر حتى للحكومات المنتخبة، فلماذا البطء والتردد والتأخير، خاصة مع القدر العالي للصبر الذي اظهره الشعب تجاه الازمة الاقتصادية الطاحنة والمشاكل المعقدة، إيماناً بحكومته ودعما لها .. لا تفقدوا هذا الدعم الشعبي الكبير في سبيل المحافظة على دعم لا تستفيد منه سوى قلة قليلة وسماسرة النظام البائد؟!
محمد الطاهر عثمان خير
اقتصادي

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة


تعليق واحد

  1. رفع الدعم عن البنزين يعني الكارثة الكبرى، فبزيادته ستزيد أسعار كل السلع أضعافاً مضاعفة الأمر ليس بهذه السهولة، ويحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة للبدائل، والتي أولها ترشيد الصرف الحكومي الكبير والغير مبرر، والبحث عن مصادر دخل أخرى غير الضرائب والجبايات التي أرهقت المنتج والمصدر على السواء.