زهير السراج

البرهان لماذا ؟!

* قد يتساءل البعض لماذا وقع الاختيار على الفريق البرهان للقاء نتنياهو وليس حمدوك، رغم أن الأخير هو رئيس الوزراء، المناظر لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وكان من الطبيعي أن يلتقى رئيسا الحكومتين بدلاً عن لقاء رئيس الحكومة الاسرائيلية برئيس المجلس السيادي السوداني، الذي يعتبر راس الدولة، ولا يملك سلطات تنفيذية واسعة كرئيس الوزراء، كما ان الوثيقة الدستورية نصت بوضوح شديد على أن العلاقات الخارجية من اختصاصات السلطة التنفيذية ورئيس الوزراء، وليس للمجلس السيادي الذي يترأسه البرهان أي دور سوى اعتماد سفراء السودان في الخارج بترشيح من مجلس الوزراء وقبول اعتماد السفراء الاجانب لدى السودان (المادة 11 ، 1 ) كما جرت العادة!

* قبل الإجابة على السؤال، لا بد من الاشارة الى ان هنالك من يزعم أن الفكرة طُرحت في الأول على حمدوك ولكنه تردد في الإجابة، ولم يعطِ رأيا واضحاً، وانتظره الناس طويلاً قبل أن يتحولوا الى البرهان ليطرحوا عليه الفكرة فأبدى موافقة مبدئية، وعلى هذا الأساس جرى التحضير بمشاركة اطراف عدة خارجية وداخلية، حسب أحد المصادر الموثوقة، واستغرق بضعة أشهر الى ان توج بلقاء المسؤولين الكبيرين في اوغندا أواخر الأسبوع الماضي.

* يعتقد البعض ان لقاء البرهان ونتنياهو ما هو الا بداية سيناريو كالذي حدث في مصر، الغرض منه تلميع الفريق البرهان وتقلده للسلطة في آخر المطاف، وعلى هذا الأساس شنوا حرباً وهجوماً شرساً من خلال المقالات المنشورة في الصحف ووسائط التواصل الاجتماعي على اللقاء وعلى البرهان بشكل شخصي متذرعين بانتهاكه للوثيقة الدستورية وتغوله على سلطات الحكومة، بل إن أحزاب قوى الإجماع الوطني التي تضم الحزب الشيوعي ومجموعة أحزاب يسارية صغيرة أخرى عدت بيان قيادة الجيش الذي أيدت فيه اللقاء انقلاباً عسكرياً غير معلن، معتبرةً هذا السلوك محاولة مفضوحة للاستقواء بمؤسسة الشعب (الجيش) لتقف ضد حقوقه وضد الثورة وحكومتها، داعيةً الى مليونية لإكمال هياكل الثورة، وطالبت الجيش بالالتزام بواجباته الدستورية، كما طالبت رئيس مجلس السيادة بالالتزام بالوثيقة الدستورية، وعدم الزج بالجيش في الخطأ الذي ارتكبه، واتهمت جهات خارجية لم تذكرها بالسعي لقطع طريق الانتقال نحو الدولة الديمقراطية..!

* في حقيقة الامر فان كل ما كتب وما قيل في ذلك لم يحالفه التوفيق، فلم يعد هنالك أي مجال لحدوث او قبول انقلاب عسكري في العصر الحالي، كما أن البرهان لم يتغول على سلطة رئيس الحكومة الذي علم باللقاء مسبقاً ووافق عليه، ولكن يبدو ان خوفه من غضب البعض كان السبب الأساسي في انكاره غير الواضح للعلم به، والدليل على ذلك ان الدكتور الشفيع خضر الصديق الصدوق للدكتور حمدوك والذي يلازمه كظله، ذكر أن حمدوك كان يعلم باللقاء!

* من جانب آخر فإن معظم الذين اعترضوا على اللقاء، لم يفعلوا ذلك من منطلق أن البرهان تعدى على اختصاصات الحكومة، ولكن كان الدافع الأساسي لهم هو الاعتراض على التطبيع السوداني الإسرائيلي، انطلاقاً من مواقف فكرية وسياسية في المقام الأول وليس بسبب انتهاك الوثيقة الدستورية ، كما يتذرعون، وكان من الافضل ان يعلنوا الحقيقة بوضوح بدلاً من الاختفاء وراء الوثيقة، وعلى كل حال سواء كان سبب الاعتراض هو الانتهاك الذي تعرضت له الوثيقة الدستورية او انطلاقاً من موقف مبدئي ضد التطبيع، فإنه ينم عن موقف لا ينسجم باي حال من الاحوال مع نبض الشارع الذي ايدت غالبيته اللقاء، وهو ما يؤكد على الهوة الواسعة التي تفصل بينهم وبين جماهير الشعب!

* نأتي الآن للإجابة على السؤال .. لماذا أختير البرهان وليس حمدوك للقيام بهذه الخطوة الجبارة، والإجابة في غاية البساطة، وهي أن حمدوك لم يُظهر خلال الفترة التي تقلد فيها المنصب أي جرأة أو شجاعة في اتخاذ القرار، في اشياء بسيطة جداً مثل فتح تحقيق في جرائم دارفور والتفاهم مع المحكمة الجنائية الدولية بشأنها، والتوقيع على اتفاقية حقوق المرأة المعروفة بـ (سيدوا)، وتقديم بعض التنازلات التي تفتح الطريق أمام مفاوضات السلام ..إلخ كما تحيط به مجموعات وافراد لا يمنحونه الفرصة لاتخاذ ما يراه مناسباً من قرارات، فكيف لرئيس حكومة بمثل هذه المواصفات أن يجرؤ على لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، لذلك تم تجاوزه، وكل الخوف ان يستمر بهذه الطريقة، فيتجاوزه الزمن والشعب ومحبوه الكثيرون!

زهير السراج
الجريدة

تعليق واحد