من “أم كلثوم” إلى “أغاني المهرجانات”… هل يتلاشى الفن لصالح لغة الجسد؟
حالة من الجدل تسود الشارع المصري بشأن الانتشار الكبير لأغاني المهرجانات التي تصدرت الساحة في الفترة الأخيرة.
الجدل الدائر دفع نقيب الموسيقيين هاني شاكر لإصدار قرار بمنع مطربي المهرجانات من الغناء نهائيا وتحذير كافة المنشآت السياحية من التعامل معهم بما في ذلك الممثل محمد رمضان الذي اتجه مؤخرا للغناء وإحياء الحفلات.
وبحسب ما جاء في البيان: “إنه فى إطار الجدل المجتمعي الحاصل على الساحة المصرية ووجود شبه اتفاق بين كل طوائف المجتمع على الحالة السيئة التي باتت تهدد الفن والثقافة العامة بسبب ما يسمى بأغانى المهرجانات، والتي هي نوع من أنواع موسيقى وإيقاعات الزار وكلمات موحية ترسخ لعادات وإيحاءات غير أخلاقية في كثيرٍ منها، وقد أفرزت هذه المهرجانات ما يسمى بـ”مستمعي الغريزة”، وأصبح مؤدي المهرجان هو الأب الشرعي لهذا الانحدار الفني والأخلاقي، وقد أغرت حالة التردي هذه بعض نجوم السينما في المساهمة الفعالة والقوية في هذا الإسفاف.
شعراء وأدباء أكدوا لـ”سبوتنيك”، أن عمليات المنع غير مجدية، وأن الحلول تتمثل في توفير المناخ الملائم لتصدير الإبداع والفن الحقيقي الذي ظل محافظا على صورة مصر الذهنية طوال السنوات الماضية.
من ناحيته قال الشاعر والباحث في التراث الشعبي مسعود شومان، إن ما يحدث الأن في المشهد الفن يؤثر على الصورة الذهنية للفن المصري، الذي يعد أحد روافد الثقافة المصرية بشكل عام.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك، اليوم الاثنين، أنه بالنظر للفن المصري في الفترات السابقة، كانت أم كلثوم تستقبل من قبل ملوك ورؤساء الدول العربية وهو ما كان يعكس قيمة الفن المصري وقدرته على التأثير الخارجي، في حين أنه يستحيل استقبال الذين يتصدرون المشهد الراهن بأغاني المهرجانات.
ويضيف شومان أن ما يسمى أغاني المهرجانات تعتمد على استبدال الكلمات الراقية بالموسيقى الصاخبة ولغة الجسد، في إطار التكريس للانشغال بلغة الجسد، وأنها ظاهرة تسود العالم في الوقت الراهن.
وحذر شومان من موجات المباشرة والتسطيح التي تداعب الغرائز بالاعتماد على بدائل المعنى والموسيقى بالصورة الجسدية، خاصة في ظل انتشارها في العديد من الدول لا مصر فقط.
ويرى أن هذه الموجات المؤقتة لن تعيش طويلا، إلا أنها يتم استبدالها على حساب الفن المصري، فيما يتوارى الكثير من شعراء يكتبون الأغنية الراقية .
وبشأن عمليات المنع يرى شومان أنها غير مجدية، خاصة في ظل الوسائط البديلة المتمثلة في الفضاء الإلكتروني الذي يصعب السيطرة عليه.
وشدد على ضرورة دعم المؤسسات الثقافية للفن والموسيقى والدفع بها إلى التواجد من خلال تكرارها، والحفاظ على القوى الناعمة في المجتمعات.
من ناحيته قال الناقد الفني رحاب الهواري، إن مصطلح المهرجانات دخل ضمن الثقافة الشعبوية من الدرجة المتأخرة، مدمرا ما تبقى من الذوق العام، والذائقة التي تربت عليها أجيال من المصريين، استمتعت ولا تزال بعبقرية أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ونجاة وكارم محمود السنباطي، وبليغ حمدي والموجي، وغيرهم الكثير ممن وضعوا أبجديات الاستماع والشجن.
وأضاف في حديه لـ”سبوتنيك”، اليوم الاثنين، أنه في غفلة من الزمن حطت على مصر وشوارعها التي كانت تتجمع كل يوم أمام المذياع في الخامسة للاستماع إلى صوت أم كلثوم؛ ظهرت تلك المهرجانات التي أصمت آذان المصريين بكلمات سوقية وألحان ماجنة راقصة تصلح لعبدة الشيطان.
ويرى الهواري أن اللوم يبقى على من سمح بوجود هؤلاء المرتزقة بين ساحات الأندية، وحلبات الغناء دون رادع قوي يجتث هذا الغثاء من جذوره.
من ناحيته قال الروائي حسين نوح، إن الفن يعرض لا يفرض، وأن الاعتراض على بعض الظواهر يتطلب عرض البدائل.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، أن الأمر يتطلب أن تلعب الوزارات دورها، بما في ذلك وزارة الثقافة التي تحتاج إلى بلورة استراتيجياتها بالشراكة مع الوزراء الأخرى.
وأشار إلى أن اختلاف الأجيال يختلف معه التذوق، وأن كبار الفنانين تعرضوا للاعتراض من سابقيهم أيضا، منوها إلى أن عملية المنع غير مجدية، إلا أن الأمر يتطلب إتاحة الجانب الأخر من الفن والإبداع.
يرى أن الصورة الذهنية عن الفن المصري في الخارج لم تعد كما كانت، وأنها تحتاج إلى تحرك سريع وشامل للحفاظ عليها.
وأشار إلى أن الفن الجيد يطرد الفن الرديء، خاصة أن الفنانين الكبار تحظى حفلاتهم بإقبال كبير حتى الآن، وهو ما يشير إلى ضرورة تصدير هذا الفن كما تصدر الأغاني الأخرى عبر العديد من الوسائط.
سبوتنيك