تحقيقات وتقارير

احتجاجات دارفور ضد حمدوك: مطالب معيشية أم ضغط سياسي؟

أكثر من سؤال طرحته الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدينة الضعين في ولاية شرق دارفور غربيّ السودان، أول من أمس السبت ضد الحكومة المركزية. ففيما حملت هذه التظاهرات مطالب معيشية، كتوفير الخبز والوقود، إلا أن مطالب أخرى كالدعوة إلى استقالة حكومة عبد الله حمدوك ورفض العودة إلى نظام الحكم الإقليمي، طرحت علامات استفهام كبيرة حول هذا التحرك، وخصوصاً أن منظّمه، “تحالف القوى الوطنية لتصحيح المسار ومعاش الناس”، هو جسم سياسي يضمّ أحزاباً وتيارات سياسية محسوبة على النظام السابق.

وندّد المحتجون في الضعين بتردي الخدمات والأوضاع المعيشية، مطالبين برحيل الحكومة السودانية، وتشكيل حكومة تصريف أعمال، تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة، يختار فيها الشعب سلطته التنفيذية بطريقةٍ حرة ونزيهة. ولم تقتصر المطالب على الحالة المعيشية، بل تعدتها، لتقفز نحو رفض نتائج المفاوضات التي تجري بين الحكومة والحركات المتمردة في إقليم دارفور، والتي تمضي في تحقيق تقدّم في مسار السلام. آخر نتائج هذه المفاوضات، الاتفاق على العودة إلى نظام الحكم الإقليمي، بحيث توزع البلاد إلى أقاليم، تماماً كما في السابق، وتجمع عدداً من الولايات في إقليم واحد تكون لديه سلطته المستقلة. وسبق للمفاوضات أن توصلت إلى اتفاقات خاصة بمثول المطلوبين دولياً، وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير، أمام المحكمة الجنائية الدولية، تمهيداً لمحاكمتهم بشأن اتهامهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

لكن المحتجين رفضوا فكرة الحكم الإقليمي، مطالبين بالإبقاء على الحكم الفدرالي الذي يقسم البلاد إلى ولايات، وسط مخاوف من أن تؤدي تحركات كهذه إلى تعقيد الأوضاع في الإقليم الذي ظلّ في حالة اضطراب منذ عام 2003.

نظم الاحتجاجات جسم سياسي يضم أحزاباً وتيارات سياسية محسوبة على النظام السابق

وقال بيانٌ لتحالف القوى التي نظّمت التظاهرات، إن مطالب الشعب السوداني الذي خرج في ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، كانت توفير النقود والوقود والخبز، وأن أمله تلخّص في تشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية تنهض باقتصاد البلاد وترسم سياسته وتحافظ على سيادته، “إلا أن الطموح والأمل قد أثمرا غشّاً وخداعاً ومحاصصة في الوزارات والهيئات والمؤسسات”. وأشار التحالف إلى أنه “بعد أشهر من نجاح الثورة، تحوّل الوضع إلى مأساة من خلال تشريد للكفاءات وحلّ للنقابات، وتسييس للقضاء والنيابات”، متعهداً بـ”السعي لمعالجة منظومة الاختلال والفساد وتمكين الأفراد، وتحقيق العدالة وجبر الضرر ومعالجة قضايا الفقراء والمظلومين والنازحين وحفظ وصون كرامة المرأة”. ورفض البيان رفع الدعم عن الدقيق والمحروقات والدواء، مؤكداً التمسك بنظام الولايات باعتباره مكسباً شعبياً وإدارياً وتنموياً، مع رفض ما ورد في اتفاق الحكومة مع الحركات المسلحة.

والأسبوع الماضي، أعلن عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الحسن التعايشي، اتفاق وفد الحكومة لمفاوضات السلام وقيادات مسار دارفور، على العودة إلى نظام الحكم الإقليمي الفدرالي في السودان، مشيراً إلى اتفاق في مفاوضات السلام الجارية في جوبا، على قيام مؤتمر قومي للحكم خلال فترةٍ لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ التوقيع النهائي على اتفاق السلام.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تخرج فيها مدينةٌ من إقليم دارفور ضد حكومة حمدوك، فقد شهدت مدن مثل نيالا والفاشر تظاهرات مماثلة. وقال الصحافي محجوب حسون، المقيم في مدينة نيالا، مركز ولاية جنوب دارفور، إن هناك أسباباً موضوعية ومنطقية تدفع المواطنين في دارفور إلى الخروج في تظاهرات للتعبير عن غضبهم من استمرار التهميش وعدم اهتمام المركز بهم، مشيراً إلى أن الحياة في الإقليم تحوّلت إلى جحيمٍ لا يطاق، إذ ينعدم الخبز والوقود والمواصلات والطرق، ويعيش المرضى معاناةً للوصول إلى الخرطوم للعلاج، وبعضهم يموت خلال الطريق. ورأى حسون، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن استجابة الحكومة المركزية ضعيفة جداً لمطالب أهل الإقليم، بينما يعمد الولاة إلى تقديم وعود ليست لديهم القدرة على تحقيقها، وملّ الناس سماعها.

رفض المحتجون فكرة الحكم الإقليمي، مطالبين بالإبقاء على الحكم الفدرالي الذي يقسم البلاد إلى ولايات

“وحول رفض فكرة الحكم الإقليمي، أشار حسون إلى أن نظام الولايات السابق أتاح للسكان حكم أنفسهم بأنفسهم ومكّن الكثير من المجتمعات المحلية من المشاركة في هياكل الحكم، مؤكداً أن العودة إلى النظام القديم ستعيد الكثير من المشاكل المركزية. ولفت إلى وجود دوافع أخرى لرفض النظام الإقليمي، تقف خلفه “جيوش العطالة السياسية” التي ستفقد الكثير من الوظائف، في حال إلغاء النظام الفدرالي.

واعتبر حسون أن حكومة حمدوك أثبتت فشلها في التعامل مع ما تواجهه دارفور من أزمات سياسية واقتصادية، ولم تقدّم الطمأنات اللازمة لأهل المنطقة الذين يعتقدون أنهم هم من بدأوا الثورة، ورفعوا السلاح ضد النظام السابق، ودفعوا الثمن باللجوء والنزوح، “فلا يمكن أن تستمر معاناتهم بعد الثورة”. ونفى الصحافي السوداني أن يكون للدولة العميقة أي دور في تحريك احتجاجات الإقليم، “هذا إن سلمنا بوجود دولة عميقة”، بحسب قوله.

لكن لنائب حزب “الأمة” القومي فضل الله برمة ناصر، وجهة نظر مغايرة، إذ رأى أن “الدولة العميقة وعناصر النظام السابق أينما كانوا، يريدون استغلال الضائقة الاقتصادية الحالية التي ورثتها حكومة حمدوك عن النظام السابق، لتمرير أجندتهم السياسية ضد الثورة التي أطاحتهم”. واعتبر ناصر، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن حكومة حمدوك “تجتهد للحد البعيد من أجل حلحلة كل المشاكل، وتركز على معيشة الناس لتوفير لقمة العيش والمواصلات، وهي مهمة صعبة مقارنة بحجم الخراب والدمار الذي خلّفه نظام البشير”، وفق قوله.

وأشار نائب حزب “الأمة” إلى أن الضائقة المعيشية ليست حكراً على دارفور وحدها، لكنها تشمل كل المناطق حتى العاصمة الخرطوم، والأمر يحتاج إلى صبرٍ طويل من الشعب من أجل إكمال ثورته وهياكلها وأسسها والمحافظة عليها، للوصول إلى انتخابات حرة في نهاية الفترة الانتقالية.

وحول مقترح العودة للنظام الإقليمي، شدّد ناصر على أن مثل هذه الملفات الحساسة لا ينبغي أن ينظر فيها خلال مفاوضات السلام الدائرة حالياً في جوبا، بل في مؤتمر دستوري يشارك فيه كل أهل السودان، ليقرروا بعده أي الأنظمة أفضل بالنسبة إليهم، مشيراً إلى أن القضايا المصيرية، مثل علاقة الدين بالدولة أيضاً، مكانها المؤتمر الدستوري، مشيراً إلى أن الحرب التي اندلعت في دارفور لم تكن بسبب نظام الحكم، بل بسبب مظالم تاريخية.

بدوره، رأى الأستاذ الجامعي في جامعة الفاشر، أنور شمبال، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن ما يجري في بعض المدن السودانية، ما هو إلا عبارة عن “فرفرة مذبوح” (لفظ للأنفاس الأخيرة) من النظام السابق الذي يريد أن يعيد الناس إلى مربعات قديمة، مشيراً إلى أن العودة إلى الحكم الإقليمي هو رغبة أهل كل السودان، خصوصاً في دارفور، ومعتبراً أن أي رفض لذلك لا يمثل سكان الإقليم. وعن مدى نجاح حكومة حمدوك، لفت شمبال إلى أن الأخير نفسه قد يكون الشخص الوحيد الذي يحظى بإجماع شعبي وسياسي، بينما حكومته تستطيع تحقيق اختراقات كبيرة بمزيد من الجهود في قضايا السلام ومعيشة الناس، وستصبح مهمتها بعد ذلك أسهل، وطريقها سالكة.

العربي الجديد

تعليق واحد

  1. تحية للضعين.. تثبتون ان البلد لا تخلو من رجال يحمونها من شر الدكتاتورية المدنية اللاوطنية.