منوعات

“كأني أكلت”.. قصة المسجد صاحب الاسم الأغرب في تركيا

خير الدين كججي أفندي، تركي ورع، كان يعيش في بلدة “فاتح” باسطنبول، وكانت له عادة من سنن الصحابة رضوان الله عليهم التي اقتدوا فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهي أنه كلما اشتهى فاكهة أو لحم أو حلوى، يقول في نفسه “صانكي يدم” أي “كأنني أكلت”، وفي صندوق مخصص، يضع ثمن تلك الأشياء، حتى مضت السنون وهو يزهد شيئًا فشيئًا في كل شهوات الغذاء، ولا يأكل سوى ما يقيم حياته فقط، حتى تكون مبلغ كبير من المال وقرر أن يبني به مسجدًا في بلدته، وكان أهل البلدة يعرفون قصته، فأطلقوا على المسجد اسم جامع “صانكي يدم”.

يروي لنا قصة المسجد أورخان محمد علي في كتابه “روائع من التاريخ العثماني”، ناقلًا تعليق سعيد النورسي، وهو أحد أبرز علماء الإصلاح الديني والاجتماعي في تركيا، على سلوك خيرالدين الورع قائلًا: “كلما نادت اللذائذ ينبغي الإجابة بـ “كأنني أكلت” فالذي جعل هذا دستورًا له، كان بوسعه أن يأكل مسجدًا سمي بـ “كأنني أكلت” فلم يأكل”.

يتسع المسجد لـ 200 مصل، وبني في القرن الثامن عشر في ظل خلافة الدولة العثمانية، وصمم بدون أسقف في بدايته، لكنه تعرض لأضرار كبيرة في بناءه أثناء الحرب العالمية الأولى، ودمر تمامًا بعدها بعشرين عامًا حيث نشب به حريق أتى عليه، إلا أنه في عام 1959م، تم إصلاحه من تبرعات السكان، وذلك حسبما ذكرت صحيفة سبق.

ما فعله خير الدين أفندي كان اقتداءًا بآثار النبي وأصحابه رضوان الله عليه، فكان ذلك هدي الصحابة والتابعين بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فيروي جابر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رآه ذات يوم وهو يمسك لحمًا، فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت: اشتهيت لحماً فاشتريته. فقال: أو كلما اشتهيتَ اشتريتَ يا جابر! أما تخاف هذه الآية: “اَذْهَبتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا”.

ونقل الطبري في تفسيره لتلك الآية قول قتادة : ذكر لنا أن عمر – رضي الله عنه – قال : لو شئت كنت أطيبكم طعاما ، وألينكم لباسا ، ولكني أستبقي طيباتي للآخرة . ولما قدم عمر الشام صنع له طعام لم ير قط مثله قال : هذا لنا! فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وما شبعوا من خبز الشعير فقال خالد بن الوليد : لهم الجنة ، فاغرورقت عينا عمر بالدموع وقال : لئن كان حظنا من الدنيا هذا الحطام ، وذهبوا هم في حظهم بالجنة فلقد باينونا بونا بعيدا .

وفي صحيح مسلم وغيره أن عمر – رضي الله عنه – دخل على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في مشربته حين هجر نساءه قال : فالتفت فلم أر شيئا يرد البصر إلا أهبا جلودا معطونة قد سطع ريحها ، فقلت : يا رسول الله ، أنت رسول الله وخيرته ، وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير ؟ قال : فاستوى جالسا وقال : ” أفي شك أنت يا ابن الخطاب، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا”، فقلت : استغفر لي فقال :” اللهم اغفر له”.

مصراوي