رأي ومقالات

لا يحصده إلا زارعه !


• رجلٌ كبيرٌ ينام في سرير المرض بالمستشفى ، يزوره شابٌ كل يوم ، يبقى معه لأكثر من ساعة ، ينظف له غرفته وسريره ، يساعده على الأكل والشرب وغسل يديه ، ويأخذه في جولة بحديقة المستشفى ، ثم يساعده على العودة الى السرير والإستلقاء ، يراجع أدويته ويشتري الناقص منها ثم يغادر بعد أن يطمئن عليه ويودعه .
• دخلت عليه الممرضة يوماً لتعطيه الدواء فوجدت الغرفة نظيفة ومعطرة والسرير كذلك ، فقالت له : ما شاء الله يا حاج ، حالتك في تحسن كبير ، ربنا يبارك لك في إبنك الذي يزورك يومياً ويقوم بكل الواجبات وزيادة ، نظر الرجل للممرضة واغرورقت عيناه بالدموع وقال لها : تمنيتُ أن يكون هذه الشاب أحد أبنائي !
• سألته الممرضة مندهشة : أو ليس هو بإبنك ؟! قال : لا ، هذا يتيم من أبناء الحي الذي كنا نسكن فيه ، رأيته مرة يبكي عند باب منزلهم بعدما توفي والده ، فهدأته ومسحتُ دموعه واشتريتُ له حلوى ، ونسيتُ الأمر ولم أحادثه منذ ذلك الزمن البعيد ، لكن الواقعة بقيت حية في نفسه ولم تسقط من ذاكرته مع مرور الأيام .
• عندما علم بوحدتي أنا وزوجتي أصبح يزورنا كل يوم ، يتفقد أحوالنا ويلاطفنا ويؤنس وحدتنا ، وعندما لمس ضعف جسدي بسبب المرض ، أخذ زوجتي الى منزله وجاء بي الى المستشفى للعلاج ، ودفع كافة الرسوم ، وعندما سألته : لماذا تتعب وتكلف نفسك يا ولدي ؟ فتبسم وقال : لا يزال طعم الحلوى في فمي .
• قصة بسيطة لكنها ذات دلالات وإشارات مهمة ، لم يُذكر فيها إن كان للرجل أبناء عاقّون أم لا ؟ تأمل أخي القارئ عبارة الشاب “لا يزال طعم الحلوى في فمي” وقارن ذلك بأي موقف مماثل في حياتك ، الإنسان السوي لا ينسى الجميل خاصة إذا وجده في وقت الحاجة ، قال الشاعر : إزرع جميلا ولو في غير موضعه .. لن يضيع جميلاً أينما زُرع . إن الجميل وإن طال الزمان به .. فليس يحصده إلا الذي زرعا .

محمد تبيدي
عسل أزرق – (الدار)
الخميس ٢ أبريل ٢٠٢٠م