رأي ومقالات

ملاحظات حول بيان وزارة التربية والتعليم عن ما صدر من مجمع الفقه الإسلامي بشأن المناهج


ملاحظات حول بيان وزارة التربية والتعليم عن ما صدر من مجمع الفقه الإسلامي بشأن المناهج
د. علي أبو الفتح حسين حمزه
عضو مجمع الفقه الإسلامي السوداني
23/شوال/1441ه 15/يونيو/2020م
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فقد اطّلعت على بيان لوزارة التربية والتعليم – بدون تاريخ – على خلفية ما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي السوداني من ملاحظات حول مقرر التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي، ورأيت أن أعلّق على هذا البيان ببعض النقاط التي أراها مهمة؛ خاصة وأن بلادنا تمر بهذه
المرحلة الحرجة من تاريخها مما يستوجب مشاركة الجميع في كل ما من شأنه بناء الدولة ومؤسساتها والتأسيس لسودان قوي جديد متميز بهويته، تسود فيه العدالة والسلم الاجتماعي، وأمر المناهج والمقررات الدراسية من أعظم أسباب هذا الاستقرار والبناء كما لا يخفى.
1/ جاء في بيان وزارة التعليم: أنهم لم يرسلوا الكتاب لمجمع الفقه، وإنما أرسلوه لوزارة الشؤون الدينية؛ لكون الوزير لم يكن حاضراً اجتماع مجلس الوزارء الذي عُرض فيه بعض كتب المقررات الدراسية الجديدة، ولي على هذا أربع ملاحظات:
الأولى: صحيح أن الخطاب لم يرسل للمجمع من وزارة التربية والتعليم، ولكن أرسل الخطاب من وزير الشؤون الدينية إلى مجمع الفقه الإسلامي بخطاب رسمي مرفق معه الكتاب المقرر.
الثانية: لماذا أرسلت وزارة التربية والتعليم الكتاب إلى الوزير؟ هل للاطلاع فقط أم لإبداء الملاحظات؟ بالطبع أرسل إلى وزارة الشؤون الدينية لإبداء الملاحظات عليه، وإلا لما كان هنالك داعٍ أصلاً من إرسال الكتاب، وإنما يكفي أن تسمع به الوزارة أو تراه متداولاً لدى الأساتذة والطلاب!
الثالثة: وزارة الشؤون الدينية – وما يتبع لها من مؤسسات تشرف عليها – لهم الحق في المشاركة في إعداد المناهج ومراجعتها، وذلك بنص ما ورد في قرار مجلس الوزراء الانتقالي رقم (70) لسنة 2019م صفحة (54) في ما يتعلق بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف الفقرة (ب) المهام والاختصاصات بند (8): (المشاركة في إعداد المناهج التعليمية في مجال العلوم الإنسانية والتطبيقية في مستويات التعليم المختلفة)، وهذا يعطي وزراة الشؤون الدينية ومؤسساتها الحق الأصيل في إعداد المناهج ومراجعتها مع الجهات ذات الصلة.
الرابعة: مجمع الفقه الإسلامي أحد تلك المؤسسات التي تشرف عليها وزارة الشؤون الدينية، وأمر المناهج من اختصاصاته – حسب لوائحه – وله دائرة معنية بالمناهج والأصول مكونة من مختصين في هذا الجانب، وهذا يجيب عن أسئلة كثيرين عن علاقة مجمع الفقه الإسلامي بالمناهج، فهو إذن جزء أصيل في هذه العملية وحقُّه مكفول بموجب القانون، فلا داعي للمزايدة حول هذه النقطة.
2/ جاء في بيان وزارة التعليم: أن المتحدث باسم المجمع لا يميز بين المنهج والمقرر، لذلك اعترض على كون المقرر خالياً من الأهداف والغايات، ثم ذكروا بأن الغايات والأهداف لا تظهر في المقرر الدراسي للسنة الأولى. وهنا جملة ملاحظات:
الأولى: رمى المتحدث باسم المجمع بعدم تمييزه بين المنهج والمقرر فيه مجازفة ظاهرة! ذلك لأن مجمع الفقه يختار له الأكْفاء المؤهلون من أساتذة الجامعات وحملة الدكتوراه، ويضم بين دوائره مجموعة مختصين في غالب التخصصات من بينها المناهج، ولا أتصور أن يجهل أستاذ جامعي هذا الفرق! علاوة على أن ما صدر عن المجمع بشأن هذا المقرر ليس أمراً فردياً بل خضع لنقاش مستفيض شارك فيه مختصون في فنون مختلفة.
الثانية: كلٌ من المنهج والمقرر يحتوي على أهداف ولا بد؛ فأهداف المنهج في الغالب أهداف عامة بينما أهداف المقرر خاصة تتناسب مع المقرر المعين، وهذا يعرفه من له أدنى إلمام بأمر المناهج والمقررات.
الثالثة: ما الذي جعل مقرر السنة الأولى لا تذكر فيه أهداف؟ وهل المقرر معنيٌ به الطلاب فقط؟ أم هو مخاطب به الأساتذة الذين يقومون بتدريسه وكذلك أولياء الأمور الذين يتابعون أولادهم في البيوت! لا شك أنه مخاطب به جميع أولئك؛ الأمر الذي يدعو إلى وضع أهداف تبين المقصود.
3/ قالت وزارة التربية في بيانها: إن المتحدث باسم المجمع قرر أن الكتاب لا يصلح، مع عدم إبداء أي ملاحظات وأخطاء عليه، وإنما اكتفى فقط بالدعوة على الإبقاء على المقررات القديمة كما هي. ولي على ذلك عدة ملاحظات:
الأولى: ما صدر عن المجمع بشأن كتاب التربية الإسلامية، وأنه غير صالح للتدريس كانت تلك نظرة كلية لأمر هذا المقرر، اقتضاها السياق الإعلامي الذي لا يحتمل الإسهاب غالباً، وإنما يعطي الفكرة العامة عن المقرر، ولا بد أن يستند هذا الموقف والقرار بعدم صلاحية المقرر إلى مسوّغات، وهي بلا شك معروفة وموجودة لدى المجمع، وسيقوم المجمع بتسليمها مع كل الملاحظات العلمية والمنهجية بخطاب إلى وزير الشؤون الدينية والأوقاف كما صرّح بذلك الأمين العام للمجمع في توضيحه الصادر اليوم 15/6/2020م.
الثانية: لم يقتصر تصريح مجمع الفقه على الإبقاء على المقررات القديمة فقط بل أضاف بقوله: (إلى حين إصلاح المناهج عبر مؤتمر تربوي جامع)، وهذه نظرة صحيحة ثاقبة من المجمع؛ باعتبار أن قضية المناهج ليست أمراً يوكل لمزاج الناس وأهوائهم؛ إنما هي عملية مركبة من مجموع مرتكزات ومعطيات تتشارك فيها جملة مؤسسات.
4/ ذكر في البيان: أن هذه المقررات الجديدة قامت بها لجان من خبراء …. إلخ، وأن مقررات المتوسطة والثانوي تعد في المستقبل وتسبقها مؤتمرات التعليم العام. وأعلّق على هذا بأنه: ما الذي أخرج التعليم العام عن التعليم المتوسط والثانوي في كون الأول لا يقام له مؤتمر للتعليم بينما الآخران يعقد لهما مؤتمر؟! والأمر مخرجه واحد؛ حيث إن جميع مراحل التعليم لا بد فيها من مؤتمرات وتشاركات ودراسات متعمقة ومتأنية؛ لأنها تؤسس لدولة وتبني أمة وتخرج أجيالاً، ولو قال قائل: إن المرحلة الابتدائية أحوج إلى مؤتمر للتعليم أكثر من حاجة المتوسطة والثانوية له لكان محقاً، فعدم هذه المؤتمرات أوقع فيما أشار إليه مجمع الفقه من عدم صلاحية هذا المقرر؛ لكونه لم يراعَ فيه المنهجية المتبعة في تأسيس وإعداد المناهج.
5/ ورد في بيان وزارة التربية والتعليم عن المنهج القديم بأنه: أضْعفَ التعليم العام، وهو المنهج المليئ بالدعوة لقتل السودانيين بدعوى الجهاد! كما أنه يكرّس للعدوان وتهديد الوحدة الوطنية! وهنا جملة ملاحظات:
الأولى: ذكر في بيان الوزارة في البند (4) بأن المنهج الجديد مطوّر ومنقح من المقررات القديمة، وهي بلا شك داخل فيها المنهج الذي وضع في عهد النظام البائد، وهذا أمر بدهيٌ وطبيعي في أن المناهج الجديدة لا بد أن يكون لها مرجعيات ومن بينها المناهج القديمة.
الثانية: ينبغي أن تحقق المناهج التعليمية والمقررات الدراسية وسطية الإسلام وسماحته، والدعوة إلى الاستقرار ورتق النسيج الاجتماعي، والوحدة الوطنية، وهذا ما نطمح إليه في سوداننا الجديد، لكن الذي يقلق في الواقع، ويكرّس للعنف حقاً هو الخطاب الفج السّمج الذي يتفوّه به مدير المناهج مستفزاً به مشاعر المسلمين ومستهجناً فيه دينهم وطاعناً في مسلّماتهم، وكذلك مثل هذا البيان الذي يحتكر حق السودانيين في مناهجهم وحرية اختيارهم لما يرونه متناسباً مع ثقافاتهم ودينهم وأعرافهم.
الثالثة: لا يشك عاقل بصير من تدني المستوى وضعف الطلاب العلمي، وهذا أمر ظاهر ملموس له كثير من الأسباب ليس ضعف المنهج وحده؛ بل توجد عدة عوامل أخرى تتعلق بالبيئة التعليمية لدى الدارسين، وتأهيل المعلم وتوفير استقراره، وغير ذلك، ولا أعتقد أن المنهج الجديد الذي تقوم به الوزارة الآن -حتى لو وضع على أسس صحيحة – لا أعتقد أنه يحقق طفرة في التعليم ظاهرة ما لم يكن إصلاح عملية التعليم شاملة لجميع تلك العوامل.
6/ قرر بيان وزارة التعليم بأنهم: كلفوا المركز القومي للمناهج بإعداد مقررات التعليم كافة، ولن تخضع هذه المقررات ولا مبادئ وفلسفة المنهج لمراجعة أو موافقة أو مساومة أي جهة أخرى. ولي مع هذا التقرير عدة ملاحظات:
الأولى: هذه الفقرة أكثر الفقرات التي تظهر تشنج هذا البيان وخروجه عن المهنية والبيان العلمي الواقعي إلى الحماس والاستعلاء والغطرسة والغرور ومصادرة الحق؛ الذي يوصم به النظام السابق! وأين شعارات الثورة التي زعمت وزارة التعليم أنها بنت عليها منهجها من قيم الحرية والعدالة والسلام، وإنما هذا مظهر من مظاهر العنف والتطرف الذي أعابوا عليه مناهج الإنقاذ ليمارسوه مع مجمع الفقه خاصة وجمهور الشعب السوداني عامة!
مهلاً وزارة التعليم.. فلا تبنى الأوطان بمثل هذا الخطاب، ولا تؤسس المناهج بمثل هذه النظرة الاستعلائية المستهجنة لمكونات هذا الشعب العظيم.
الثانية: ليست وزارة التربية والتعليم أو المركز القومي للمناهج هي وحدها من تمثل الشعب السوداني أو هي وحدها من تنفرد بإعداد المناهج والمقررات؛ بل هي جزء من الشعب ومن مؤسسات الدولة التي يجب أن تعمل بتناغم وتنسيق مع المؤسسات الأخرى في جميع الشؤون ذات الصلة، ووضع المناهج والمقررات تتنازعه مؤسسات أخرى علاوة على المركز القومي ووزارة التعليم كما ورد في المقال أعلاه.
الثالثة: هذا الجو الملبّد بغيوم الاحتكار والمصادرة للحقوق والآراء لا يمكن أبداً ولن يمكن أن يضع ويُعِد منهجاً مستقراً راسخاً يمثل تطلعات هذا الشعب، وإنما إذا خرج منه مقرر لا بد أن يعبر عن ذات التشنج وتلك النظرة الضيقة والاستعلائية وعدم احترام الآخر، خاصة وأن الفترة الانتقالية بطبيعتها لا تتناسب مع القضايا المصيرية للأمة السودانية.
7/ في ختام البيان ذكروا: أن الهجوم على وزارة التربية والتعليم واحد من سلسلة هجوم ممنهج من فلول النظام البائد. وألاحظ على هذا الكلام ملاحظتين:
الأولى: مجمع الفقه الإسلامي ليس من فلول النظام البائد؛ فقد حُلّت عضويته وأعيد تكوينه من جديد على عهد هذه الحكومة الانتقالية بموجب الوثيقة الدستورية، وعلى هذا فليس ما صدر عن المجمع يمثل تعبيراً لفلول النظام البائد، بل هو صادر عن مؤسسة رسمية بالدولة تمارس عملها واختصاصاتها وفق القانون!
الثانية: ليس من المقبول أن ما تقوم به أي جهة رسمية أو غير رسمية أو مواطن من إبداء وجهة نظر أو ملاحظة أو اعتراض على أي مسألة تتعلق بشؤون الدولة أن يرمى بكونه من فلول النظام البائد أو من أنصاره ومعاونيه؛ فهي علة عليلة، وحجة بائن عورها لا تنطلي إلا على السذج.
ختاماً: أدعوا وزارة التربية والتعليم باتّباع المؤسسية والنظم واللوائح المعمول بها في الدولة فيما يخص عمل الوزارة ككل لا سيما المقررات والمناهج، وعلى أن يعلموا أن السودان ليس ملكاً لهم دون غيرهم بل هو للسودانيين كافة؛ فلا مجال لفرض أيدلوجيات أو أفكار لا تعبر عن هوية الشعب السوداني وتطلعاته، أو أن تنفرد جهة ما وتصادر حقوق الآخرين.
حمى الله سوداننا من العبث، وأجيالنا من الضياع، ورفع عنا البلاء والغلاء.
والله الموفق، وهو يهدي السبيل؛؛؛؛؛؛
دكتور علي أبو الفتح حسين حمزة عضو مجمع الفقه الإسلامي