الغلاء الانفجاري: التشخيص الخاطئ والعلاج المغلوط
يحدث تضخم الأسعار هذا بسبب الحكومة والحكومة وحدها بواسطة طباعة غير محدودة للمال . من الخطأ والخطير إلقاء اللوم على التجار وشيطنتهم على خطيئة لم يرتكبوها .
إن شيطنة التجار ليست خطأً وكذبًا فحسب ، بل إنها توجه خطير أيضًا. عندما تحشد الحكومة الغضب العام وتجيشه ضد التجار ، يمكن للنسمات العاديين والناشطين البدء في استهداف التجار عبر حملات الكراهية ، وحملات المقاطعة ، وكل هذا يمكن أن يتصاعد إلى العنف ضدهم أو ضد أصولهم في بعض الحالات.
إن ضحايا الأكاذيب لن يكونوا التجار وحدهم ، بل سيخسر كل الشعب ويفقد الاقتصاد أحد أهم ركائزه: شبكات الوساطة والتوزيع والنقل والتخزين المعقدة. واذا تم تقويض أو اهدار هذه الشبكات فان المتضرر الاول سوف يكون هو المواطن المستهلك ومنتجي السلع في مختلف اصقاع السودان الذين سوف يفقدون خدمات لا غني عنها في الدورة الإنتاجية.
التجار في معظم احوالهم لاعبون مهمون في العملية الاقتصادية وأعضاء منتجين في المجتمع ، وهم أجزل إنتاجية بكثير من الشرائح الطفيلية من البيروقراطية المدنية والهرمية العسكرية.
بالطبع ليس التجار تروس في عملية خيرية ، فهدفهم تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح مثلهم مثل كل فرد في المجتمع يحاول ان يبيع قوة عمله بأعلى ثمن في الداخل أو الخارج. أما إذا تصرفوا بجشع فذلك لأن هناك خطأ ما في تصميم سياسة الحكومة توفر فرص الاسترباح المفرط ، والحل يكون في مخاطبة جذور المشكلة وليس أعراضها.
اذا بدا لك أعلاه كتجريد صعب الاتفاق معه تذكر تلك الدول التي تتمتع باستقرار الأسعار والوفرة نسبيا مثل المغرب وإسرائيل وكوريا وفيجي وتيلاند وغينيا بيساو وبنين وحتى مصر . اسأل نفسك هل التجار اقل جشعا في هذه البلدان مقارنة بنظيرهم السوداني؟ العكس هو الصحيح في اعتقادي, فالكائن السوداني عموما ليس طماعا ولا جشعا مقارنة بالاخرين.
خلاصة الامر ان ارتفاع الأسعار وانفلات سعر الصرف سببه السياسات التي تنتهجها الحكومة وليس التجار. التجار يستجيبون فقط للواقع الذي تخلقه سياسة الدولة وبنية الحوافز التي تنبثق عنها.
التشخيص الخاطئ لمشكلة يمهد لسياسات تفاقم المشكلة ولا تعالجها.
د. معتصم الأقرع