رأي ومقالات

تكالب محموم، وحملات مشبوهة نحو علمانية الدولة في السودان

تكالب محموم، وحملات مشبوهة
نحو علمانية الدولة في السودان
(الجزء الأول)
══════ ❁✿❁═════
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وآله وصحبه والتابعين وبعد:
فقد تعالت الأصوات بالمطالبة بعلمانية الدولة وفصل الدين عنها؛ حيث تتبنى ذلك وتنادي به الحركة الشعبية (الحلوية)، واليساريون عمومًا، وفي بيان مشترك صادر عن تجمع المهنيين وما سمي بالقوى المدنية عقب اجتماع مشترك ‏‌أكد الطرفان موقفهما الداعم لفصل الدين عن الدولة وعلمانيتها، ثم انضم إليهم أخيرا المؤتمر السوداني.
أما الحركة الشعبية فمعروف عنها ذلك، بل جعلته شرطًا لتوقيع السلام.
وأما اليساريون في غير الحركة الشعبية فتلك أمنيتهم – أعني إقامة حكم علماني لا يمت إلى دين الناس وأخلاقهم بصلة-.
وأما المؤتمر السوداني فقد صدر عنه أخيرًا تصريح بدعم علمانية الدولة، وقال إنه اتجاه يعبر عن مشروع وطني للأحزاب التي ترفض فرض الدولة الدينية في البلاد، ويجب ألا تكون سببًا لتقسيم البلاد أو استمرار الحروب فيها، وقال إن حياد الدولة تجاه الأديان وبعدها عن استخدام الدين في التفريق والتمييز ضد مواطني البلاد أمر ضروري.
? اتفق هؤلاء على علمانية الدولة وهم في أنفسهم غير متفقين، ولهم نصيب من قول الله تبارك وتعالى: [تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى] [الحشر:١٤]، ومن ورائهم داعمون في الغرب.
ولقد كان عبد العزيز الحلو أصدق هؤلاء وأجرأهم، وكان تجمع المهنيين أخسرهم صفقة، وأما المؤتمر السوداني فكان أكثرهم خيبة.
? وفي رسالة لعبد العزيز الحلو اعترض على رفقائه طرح الدولة المدنية، وقال إنها محاولة واضحة لتجنُّب “غضب” الإسلاميين وتساءل متعجبا: “كيف يجوز لنا أن نُفكِّر في مكافأتهم بـ(إحترام مشاعرهم) وليس مشاعر غالبية السودانيين الذين اكتووا بنيران أفكارهم وممارساتهم الخاطئة ..؟!!، ثم قال: إذا كان مفهوم و مصطلح (الدولة المدنية) يعني عندكم ويُطابق في تقديركم مفهوم ومصطلح (العلمانية) فلماذا نحيد عما نصبوا إليه، والذي يقطع بصورة واضحة بفصل الدين عن الدولة.. و نهرع لنلتف حول مفهوم ملتبس وغير واضح وليست له مرجعيات أو نماذج يُحتذى بها؟”
? وأما ياسر عرمان فقد كان أذكاهم، فهو يرى أن الوقت مبكر للمناداة بالعلمانية لأن هذا من شأنه أن يوحد الإسلاميين، فالعلمانية عنده مشروع حتمي لكنه يحتاج إلى خطة وذكاء ومكر للوصول إليه، وغالب ظني أن كل من تحفظ عن المناداة بالعلمانية في هذا الوقت من الليبراليين هذا مأخذه.
? وكان زهير السراج أكثرهم مراوغة واحتيالًا، فهو قد أكثر الكتابة في موضوع العلمانية، ودافع عنها دفاعًا شديدًا، وهو يسعى لتبرئتها من الإلحاد، ويزعم أن فصل الدين عن الدولة لا يعني فصل الدين عن حياة الناس، وأن العلمانية ليست ضد الدين، إلى غير ذلك من كتاباته الكثيرة والتي رددت عليها في مقالات لم تنشر بعد.
? هذا التكالب المحموم والتسابق المشبوه لفرض علمانية الدولة في السودان ينطوي على مغالطات تاريخية، واصطلاحية، وغمط للحق، وتزوير للحقائق، وتضليل للشعوب، وتغييب للغالبية، وسرقة ألسنة الشعب، واستغلال فساد من أفسد من المسلمين، ولو صدقوا لوجدوا أنفسهم أشدّ فسادًا.
✍ سأناقش هذه القضية من خمس محاور هي:
▪المحور الأول: تاريخ الدولة السودانية القديم والحديث، وعلاقتها بالعلمانية.
▪المحور الثاني: مصطلح “الإسلاميين” والتضليل المصاحب له.
▪المحور الثالث: معنى علمانية الدولة بين الحقيقة والتدليس.
▪المحور الرابع: مناقشة ما جاء في كلام عبد العزيز الحلو، والمؤتمر السوداني.
▪المحور الخامس: السبيل الديمقراطي إلى العلمانية أو الإسلامية.
⬅ المحور الأول: تاريخ الدولة السودانية القديم والحديث، وعلاقتها بالعلمانية:
حَكَم السودان منذ عهد بعيد ممالك إسلامية ليست فيها واحدة علمانية:
? منها: الدولة السنارية وهي دولة إسلامية وتسمى سلطنة الفونج أو السلطنة الزرقاء، حكمت السودان الشمالي الشرقي من حدود مصر الجنوبية وحتى سنار والبحر الأحمر شرقًا ما عدا سواكن التي كانت خاضعة للحكم التركي، أي أنها استوعبت بالتقسيم الحالي ولايات الشمالية، ونهر النيل، والبحر الأحمر، والقضارف، وسنار، والجزيرة، وأجزاء من النيل الأبيض، وشمال كردفان في وقت من الأوقات، وذلك من (1504)م حتى سقوطها على يد الحكم العثماني (1821)م، أي أكثر من ثلاثمائة عام.
? ومنها: مملكة الفور، أو سلطنة دارفور، وهي سلطنة إسلامية حكمت السودان الغربي (ولايات دارفور حاليا) منذ (1603)م وحتى (1874)م بسقوطها على يد الأتراك العثمانيين، أي قرابة الثلاثمائة عام ثم دخلت تحت الحكم العثماني، ثم المهدي، إلى سقوط علي دينار على يد المحتل الإنجليزي (1916)م، على أن فترة الحكم العثماني على ما فيها لم يكن الحكم علمانيا وإن كان أجنبيا.
? وكذلك حكم المهدية لم يكن علمانيا بل وكان وطنيا.
ويمكننا القول أن السودان “دارفور” لم يحكم بالعلمانية في تاريخه منذ نحو خمسمائة عام.
? وقامت في السودان ممالك إسلامية أخرى أشهرها مملكة تقلي، ومملكة المسبعات، التي بسطت سلطتها على كردفان:
ولايات شمال كردفان، وغرب كردفان، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.
? وبالجملة فالسودان منذ دخول الإسلام فيه بصورة واسعة لم يحكم بالعلمانية البتة إلا في فترة الاحتلال البريطاني النصراني، وذلك نحو خمسمائة عام.
وفي تاريخ السودان القريب خرج المحتل البريطاني مُخلِّفًا وثيقة دستورية علمانية، لكن الذين حكموا السودان بعد الإنجليز كانوا رجالًا على الإسلام فلا نادوا بالعلمانية ولا رَوَّجُوا لها، بل عارضوا اليساريين الذين كان حلمهم حكم السودان علمانيًا منذ الاستقلال، وسعوا لذلك عبر الوسائل العسكرية، “الانقلاب العسكري”، والوسائل السلمية “الانتخابات”، ولم يتسن لهم ذلك، ولم تدْعُ الحكومات المتعاقبة على السودان منذ استقلاله عسكرية كانت أو مدنية للعلمانية قط، بل انحازت للإسلام على درجات متفاوتة.
❓ والسؤال هنا لماذا يريد العلمانيون طي خمسة قرون من تاريخ السودان الإسلامي الذي صقل أجياله المتعاقبة وأصبحوا يتوارثون دينهم جيلا عن جيل؟
❓ لماذا يريدون الثورة على تاريخ السودان وعقيدة أهل السودان.
❓ ولماذا تمجد الشعوب تاريخها وماضيها وهم يريدون التنكر له؟
? اعلموا أرشدكم الله أن الدعوة إلى العلمانية، ثورة على دين الأمة وتراثها العظيم وثقافتها الإسلامية وتاريخها المجيد، وهي مكيدة كبرى، وفتنة خطيرة لن يجني منها السودان سوى البؤس والشقاء، وربما تقوده إلى الحرب والاقتتال، ثم التمزق والانقسام.
*⃣ يتبع بإذن الله …

الدكتور: حسن أحمد حسن الهواري
١ ذو القعدة ١٤٤١هـ، الموافق 2020/6/23م

‫2 تعليقات

  1. كل من ينادي بعلمانية الدولة السودانية .. فهو خائن عميل وعدو لنفسه وللسودان وسيكون مصيره مصير فرعون وهامان ..