رأي ومقالات

محجبة في مسلسل سوري


عند سماع هذه العبارة سيتبادر إلى ذهنك جلباب سادة أسود أو كحلي بأزرار عريضة وإشارب مربوط بفوضوية، أو تنورة جينز قصيرة وقميص فاتح اللون مع إكسسوارات غريبة ومكياج رخيص صارخ، أو _وهو الأسوأ_ نموذج الملايات والمسلسلات الشامية ويا عيب الشوم شاف 0.001 من طرف إيدها.

نتفق جميعاً على أن معظم المسلسلات السورية تُصوَّر في العاصمة دمشق وتعرض جزءاً من واقعها، ومن زار دمشق أو سكنها يستطيع ملاحظة تركيبة سكانها المتنوعة والتفاوت الطبقي بين المناطق، ونسبة من ترتدين الحجاب سواء من أهل المدينة الأصليين أو قاطنيها نسبة كبيرة لا يستهان بها وتتوزع في جميع المناطق وبالتالي تخضع للفروق والتفاوتات ذاتها التي يفرضها الواقع الاقتصادي والاجتماعي والعقائدي المتباين، فلماذا لا نرى هذه التفاوتات في ما يُعرض على الشاشات؟ ولماذا نحجّم فئة كاملة في نموذجين أو ثلاثة من آلاف النماذج؟

وبعيداً عن المظهر الخارجي فإن شخصية المحجبة في المسلسلات تتراوح بين شكلين “مسرّة ورمزية” أي البنت المضطهدة الخانعة مقابل الفتاة متعددة العلاقات التي ينتهي بها الأمر في النوادي الليلية، وهنا لا أعني أنه لا وجود لهذه النماذج على أرض الواقع لكن كم نسبتها؟ وإلى أي درجة يتم التوفيق بين طرح هذه الأمثلة وعرض أمثلة أخرى لأشخاص عاديين بمشاكل أخرى مختلفة؟
على الجانب الآخر في بعض المسلسلات يُقحم الحجاب إقحاماً ربما بغرض إظهار التنوع، أي أنه إكسسوار لا يؤدي غرض درامي باستثناء محاولة إرضاء كل الأطراف، لكن من يعمل على ذلك ينسى أن ينزل إلى الشوارع ويراقب أحوال أهلها فيرسم بذلك صورة لشخصيته، وينشأ لدينا كائن غريب يلبس تنانير مزركشة عريضة ويلف طرحته بموديل قديم لا تطبقه نساء هذه الأيام، وتظهر هذه الشخصية بمظهر المسافر عبر الزمن الذي يرتدي أزياء التسعينيات في ال2015.
والنموذج الأخير والأشيع هو نموذج “اللفاية، زوجة الحارس، من يسكنّ في العشوائيات، شطافة الدرج….” غالباً ما يوكل هذا الدور إلى امرأة محجبة وعادة ما تكون على نياتها أو ساذجة.. ولا نجد تواجد آخر للمحجبات خارج إطار هذه الأدوار في هذا النوع من المسلسلات.
أركّز مجدداً على فكرة التفاوت الطبقي الذي يفرض نفسه على الجميع سواء المحجبات وغير المحجبات، خاصة مع تحوّل الحجاب لعرف اجتماعي أكثر من تطبيقه كشعيرة دينية، فمن تتبضع من الشعلان مثلاً ستختلف أزياؤها والماركات التي ترتديها عن المتبضعات من الأسواق الشعبيةوالبسطات، وبالتالي تتشابه ملابس المحجبة وغير المحجبة اللتين تشتريان من الشعلان أكثر من تشابه ملابس المحجبة الأولى مع الثانية، باختصار أزياء أبناء الطبقة الاقتصادية والاجتماعية ذاتها متشابهة أكثر من أزياء المحجبات من الطبقتين.
تمنيت لو أن واحداً من هذه المسلسلات تكلم عن ارتداء بعض الفتيات الحجاب قسراً وصراعهن مع عوائلهنّ، أو على العكس المحجبات المقتنعات بحجابهن لكنهن يواجهن مجتمعاً يرفض هذه القناعة ويحاربهنّ، تمنيت الحديث عن قضية مهمة حقاً في هذا الصراع ذي الاتجاهين والذي سيظل قائماً ما دامت سياسة التعميم ورسم قوالب جاهزة لصب البشر بها مسيطرة على أدمغتنا.
أحترم المسلسلات التي تحافظ على حيادها في هذا الخصوص، الفصول الأربعة مثلاً مسلسل عن عائلة سورية، لم يتم إقحام اعتبارات دينية أو طائفية أو تنميط لأي فئة من المجتمع فيه، استطاع إيصال رسالته كاملةً لبيوتنا جميعاً على اختلاف انتماءاتنا ولهجاتنا ومناطقنا وبيئاتنا دون أن يلوث الحقائق أو يركّب أُطراً داخل أُطر.. وأحترم أكثر مخرجه حاتم علي الذي أخرج مسلسلات كعمر وصلاح الدين وثلاثية الأندلس وفي الوقت ذاته أخرج أحلام كبيرة وعصي الدمع ومؤخراً قلم حمرة، من شاهد هذه الأعمال سيدرك المدى الواسع الذي تغطيه من أفكار ومفاهيم وأحداث متضاربة ومتنوعة.
على الهامش: في حديث لي مع صديقتي حين كنا في الخامس الابتدائي بعد عرض حلقة من باب الحارة حين يكشف أبو عصام الحديث بين ابنته والفران من شق الباب، صديقتي وقتها بأعوامها الإحدى عشرة أشادت بقرار أبي عصام إذ أن الشاب شاهد شعر ابنته ومن شاهد شعرها لا بد أن يتزوجها!
صديقتي لم تكن من عائلة تتبنى هذه المفاهيم ولكنها توصلت لفكرة كهذه من المسلسل فقط، وتساءلت أنا يومها ماذا لو أن لصاً دخل منزل المسلسل المزعوم و”كشف على فتاته” هل سيتزوجها لهذا السبب؟
ونستغرب إلى اليوم لماذا لا تزال فكرة تزويج الضحية لمغتصبها رائجة وتعتبر حلاً بدل أن تكون جريمة؟ إذا كانت رؤية شعرها وسماع صوتها تستوجب الزواج بها..هكذا قال باب الحارة.

Batoul Juneid