رأي ومقالات

قانون جرائم المعلوماتية: تغليظ في العقوبات لا غير

قوي سياسية ومدنية تتخفي وراء الإعلام الإجتماعي


(1) اجري المشرع تعديلات في قانون جرائم المعلوماتية لسنة ٢٠٢٠م، شملت ٣٤ تعديلا وحذف وإضافة في ٤٨ بندا، كانت كلها تشديد للعقوبات بمعدل ثابت زيادة ثلاث سنوات لأي عقوبة أدنى من عشر سنوات، وخمس سنوات لأي عقوبة تصل إلى عشر سنوات، وهى العقوبات المقررة في المواد من (٢٧ وحتى المادة ٣٩) بالإضافة للبند (٣) من المادة (٥) حيث حذفت عقوبة عشر سنوات واستبدلت بعقوبة خمسةعشر سنة، والمادة (٧) البند (٣) وعدلت بذات من ١٠ إلى ١٥ سنوات).
وفي المادة (٣٢) استبدلت العقوبة من عشرين سنة إلى السجن المؤبد.
وتضمنت التعديلات التي نشرت في الجريدة الرسمية أمس الأثنين ١٣ يوليو ٢٠٢٠م، حذف كل عقوبات الجلد، كما تم زيادة العقوبات المتضمنة السجن ٦ أشهر إلى السجن اربع سنوات كما جاء في المادة ١٩ البند ٢ والمادة ٢٦، وبذلك فإن العقوبات اقل من عام تضاعفت.
(2)
إن المنتظر في مرحلة الحرية والعدالة بسط الحريات وتنظيم طرق ووسائل تدفق المعلومات وتعزيز وتشجيع مشاركة الرأي العام وإستصحابه في إتخاذ القرارات وتحفيزه على مراقبة أجهزة الحكم، وتقديم النقد والنصح وهو أمر يبدو أنه لم يكن حاضرا في ذهن المشرع وهو يشدد العقوبات بدلا عن إفساح المجال للمزيد من المنابر لإنسياب المعلومات والحقائق. لقد جري حوار عميق حول قانون المعلومات وتعديله، أواخر عام ٢٠١٨م ووصل إلى مجلس الوزراء وكان الرأي الغالب مراعاة الإدماج في العملية الإتصالية من خلال اصدار قانون شامل للصحافة الورقية والإلكترونية وتشعباتها، وتلك كانت نظرة شاملة.
لقد أصبح للإعلام الإجتماعي ووسائل التواصل دورا أكثر سطوة في توجيه الرأي العام، خاصة مع ضعف مساهمة الإعلام الجمعي والعمومي، وهو أمر يزعج الحكومات والحاكمين، ومجاراة ذلك ممكنة بالمزيد من الإنفتاح والوضوح والشفافية وليس التخويف أو تشديد القبضة.
(3)
ولا يمكن التعامل مع الإعلام بمنظور المرسل والمتلقي، وغني عن القول أن كل مالك جهاز هو جزء من العملية الإتصالية، لابد من التصالح معه، وتوفير بنية آمنة للتعبير عن رأيه أو تلقيه المعلومات والبيانات، فهذه أفضل وسيلة لكبح جماح الشائعات وخطل القول.
ولعل أكثر تحدياتنا السياسية الراهنة، هي نجوم الإعلام الإجتماعي الجديد، ولا نقصد هنا الأفراد فحسب ، وإنما منظمات وقوي سياسية ومهنية وإجتماعية، ودونكم المعركة التي احتدمت بين أطراف تجمع المهنيين يوم ٣٠ يونيو ٢٠٢٠م بخصوص صفحة المجموعة على الفيسبوك، لقد تقلصت الصلات بين المجموعات حتى اقتصرت على مجرد (منبر) للمعلومات، وهذا أمر لا ينفصل عن السياقات السياسية والإجتماعية.
إن كثيرا من القوي السياسية السودانية اسست خطابها من خلال التواصل الإجتماعي وارتبطت بمجموعات اسفيرية بديلا عن تواصل مباشر، كما أن هذه البيئة الإتصالية الجديدة تشكل ملاذا لأفكار وأطروحات جديدة، كما أن هذه القوى السياسية لا تجد حرجا في بث الشائعات والأقوال الجزاف على أفراد ومجموعات لمجرد كونهم على صلة بتجربة سياسية سابقة وفي هذا مجافاة لأي منطق او قانون.
كل ذلك يتطلب معالجات اكبر من زيادة العقوبات وتغليظها.
ان هذه التعديلات تشكل نكسة للحريات ونسفا للشعارات وهروبا من الواقع.. وتعبر عن (خوف) دفين من الحقيقة والرأي الحر.

د. إبراهيم الصديق على
١٤ يوليو ٢٠٢٠م