عبد اللطيف البوني

إذا كان رب البيت …

(1 )
عندما ابتنى تجار الحزب الوطني الاتحادي منزلا من طابقين للزعيم إسماعيل الأزهري في منتصف القرن الماضي، قامت الدنيا ولم تقعد وطرح السؤال الكبير من أين لأفندي ترك الخدمة المدنية وتفرغ للسياسة هذا المبلغ؟ بينما لم يسأل أحد من قبل عن سرايات وأملاك السيدين وذلك لان الشعب يريد أن يرى ساسته الحديثين
مثالا للطهر والنزاهة . بعد أن ثبت للجميع ان منزل الأزهري ليس فيه ولا مليم من الخزينة العامة أخرج لهم الزعيم لسانه قائلا (كلما سألوني من أين لك هذا أجبتهم بطابق آخر) ولكن مهما يكن من أمر فقد كان لبيت الأزهري اثر سالب على شعبيته وسط المتعلمين وعلى مجمل النظام الحزبي فعلى الأقل أظهرت الشغلانة سيطرة التجار على الحزب.
(2 )
عندما سطا نميري على السلطة في مايو 1969 أصر على ان يظهر هو ورفاقه
بمظهر الضباط المتقشفين ليثبتوا اختلافهم عن الذين سبقوهم، فوصل نميري مرحلة التسطيح على ظهر القطر وركوب الدواب وسف التمباك وظل بقية رفاقه في رتبة رائد الى أن انتهى عهدهم . السيد الصادق المهدي عندما أصبح رئيسا للوزراء في 1986 أول شيء فعله هو تبرعه بمرتبه وعندما أثيرت قضية تعويضات آل المهدي تعامل معها بحساسية زائدة فحملها للبرلمان وأوضح ملابساتها بنفسه لكل الشعب .
عساكر الإنقاذ عندما سطوا على السلطة في يونيو 1989 صوروا فطورهم
الجماعي بصحن الفول والبوش وشراب الشاي الجانبقلي كل هذا جريا وراء
المشروعية بإظهار الخلاف عن من سبقهم.
(3)
لا نحتاج للتذكير بالانحرافات القليلة التي حدثت للنميري ونظامه والانحرافات
الضخمة التي حدثت للإنقاذ فنحن هنا مع ضربات البداية وإن شئت قل براعة
الاستهلال بيد أننا نتمنى من القلب وندعوا بإصرار الي وجود الحاكم الزاهد المتقشف الذي يتنازل طوعا عن بعض حقوقه لأن سلوك الحاكم ليس أمرا شخصيا يخصه وحده بل هو أمر سياسي كامل الدسم، فالحاكم يعتبر قدوة وبسلوكه يرسل رسالة لكافة الذين من تحته من الوزير الى أصغر موظف في الدولة، فالحاكم المنضبط العاصر على نفسه يرسل رسالة فحواها انه ليست هناك اية حماية لأي مفسد او متلاعب، الحاكم المنضبط بسلوكه يمزق كل حواضن الفساد . طبعا الأمر
الطبيعي ان تكون قوانين الدولة والمساواة أمامها هي المحصن الأول من الفساد ولكن انحراف الحاكم وتحايله على القوانين وتبذيره يفتح كوة كبيرة للفساد والإفساد فإذا وفر زهد الحاكم الشخصي دولارا واحدا للخزينة العامة فانه يفتح بذلك بابا قد تصل وفوراته المليارات عندما تتنزل الى القواعد فمطالبة الحاكم بأن يكون قدوة ليست تزايدا إنما سياسة لها مردودها الإيجابي السريع.
(4 )
ثورة ديسمبر المجيدة التي نتفيأ ظلالها اليوم كان يلزمها حكومة تتمثل روحها الفتية، فكان ينبغي ان يظهر الحكام الذين حملوا راية الثورة زهدا وتقشفا مبالغا فيه لأن الثورة أصلا كانت على نظام بدد كل ثورات البلاد في الفارغة كان ينبغي على حكومة الثورة ان تظهر حساسية تجاه الفساد لدرجة الإطاحة بمسئول تلاعب في جنيه واحد لأن الثورة المجيدة قامت أصلا ضد الفساد للأسف حكومة الثورة فيما يتعلق بالتقشف ومحاربة الفساد واصلت من الحتة التي وقفت فيها الإنقاذ فركبت
آخر عرباتها وزادتها كيل بعير بالسعي لموديلات أغلى ولم تبد الحكومة اية
حساسية تجاه ما فاضت به الصحف ووسائط التواصل الاجتماعي من فساد مالي ضخم ومع ذلك يتكلم البعض عن سرقة الثورة.

د.عبداللطيف البوني
السوداني

تعليق واحد