استشارات و فتاوي

هل في الإسلام ما يسمى بـ “المعالج القرآني”.. وهل “التثاؤب والدموع” من علامات الحسد؟

في الساعات الماضية ساد الحديث في منصات التواصل الاجتماعي عن “الحسد” بعد وفاة اليوتيوبر مصطفى حفناوي، خاصة بعدما أرجع أحد أصحابه ما حدث له للحسد في منشور كتبه على فيسبوك، إضافة إلى تصريحات المعالج القرآني الخاص به الذي أكد أنه كان محسودًا، فهل هناك ما يسمى بـ “المعالج القرآني” فعلًا وهل هذا من الشرع؟ عدة تساؤلات يثيرها جدل “الحسد” حاور فيها مصراوي أستاذين بالأزهر الشريف وهما الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، والدكتور أحمد الشرقاوي أستاذ الشريعة والقانون بالأزهر أيضًا..

أكد كريمة أنه لا يوجد هناك ما يسمى معالج قرآني، فالإسلام الصحيح الحقيقي جعل الإنسان إذا أراد أن يسوق الله له نفعًا أو يدفع عنه ضرًا قال له في القرآن الكريم: “واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين..”، وقال: “قال ربكم ادعوني استجب لكم” ، فالإنسان يعمل بنفسه الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل والصلاة والصبر الجميل واتخاذ الأسباب فقط.

لكن، من ناحية أخرى يقول الدكتور أحمد الشرقاوي إن ما يوجد في الإسلام يسمى الرقية الشرعية، أما مصطلح “المعالج القرآني” فإن صادف معناه تحقيق الرقية الشرعية الواردة في الإسلام والمنصوص على جوازها شرعًا فلا بأس في ذلك، والرقية هي عبارة عن قرآن كريم وأدعية من الكتاب والسنة ثابتة على وجه اليقين وقد عمل بها السلف والخلف على حد تعبيره، وتكون من صالحي الأمة أو من العلماء والفقهاء المشهود لهم بين الناس بالتقوى والصلاح والعلم والقبول، ومن الممكن ان يرقي المرء نفسه أو يرقي غيره، لا مشكلة في ذلك، يقول الشرقاوي، مؤكدًا أن العبرة ليست بالطلاسم والحروف التي نسمع بها ونراها ولكن فقط القرآن الكريم وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة،أما ما يجري على ألسنة المدعين انهم يعالجون بالقرآن من طلاسم ورموز ومصطلحات وكتابات غير مفهومة أو مقروءة وغير ذلك مما يخالف الشريعة ويناقض أحكامها ويتعارض مع مقاصدها الكلية، فهذا نوع من جدل يجب التحذير منه والبعد عنه، ونبه الشرقاوي على أن الحسد موجود ويؤثر في سلوك وتصرفات المحسود وعلاجه المداومة على الأذكار الثابتة وكثرة الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- والتحصن بسورة الإخلاص والمعوذتين والأدعية المتنوعة الموافقة للكتاب والسنة.

قريت عليه القرآن عنيا دمعت أو عيط وانا برقيه دا محسود.. هل لهذا أصل شرعي؟

يذكر الشرقاوي أن هناك بعض التأثيرات التي يستشف منها وجود حالة من الحسد عند القراءة على المحسود وتحصينة بالرقية الشرعية كما هو شأن الشعور بالتثاوب أو البكاء اللا إرادي أو الإحساس بتنميل الجسد وشبه ذلك فالواقع العملي يشهد أنه عندما تُقرأ على أحد الرقية الشرعية غالبا ما يحدث نوع من التغيرات، هذا ويؤكد الشرقاوي، على ضرورة أن يتوفر لدى الإنسان صدق التوكل على الله وحسن الاعتماد عليه وإخلاص التوجه له وتحصيل الإنابة إليه وأنه لا ضار ولا نافع إلا الله وأن الله وحده – جل شأنه- له مقاليد السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله، فالعين لا تصيب بذاتها وإنما تصيب بأمر الله وأن أخذ بالأسباب واجب شرعي مع الاعتقاد الحازم والقاطع بأن المسبب إنما هو الله- عز وجل-، ويوضح الشرقاوي أن من أفضل الأعمال فى هذا الصدد أن يقرأ المسلم سورة الإخلاص والمعوذتين وألا يترك ليلة حتى يقرأ ذلك فيها وهذا من جملة وصايا النبي- صلى الله عليه وسلم- ، فسور الإخلاص والمعوذتين سلاح وحصن لأي مسلم من أي شر أو حسد.

بعكس ذلك، يرى كريمة أن هذا “كلام فارغ”، مضيفًا أن العالم يلهث إلى حضارة غير مسبوقة فهم على أبواب غزو المريخ، فالعالم يتجه للرقمنة ونحن مازلنا ندور حول اني اروح لواحد يقرأ على رأسي آيات؟ ، القرآن “لينذر من كان حيًا ويحق القول على الكافرين”، فالقرآن كتاب هداية، والطلاسم والتعاويذ خرافات ينهانا الإسلام عنها، والرسول صلى الله عليه وسلم في حياته العملية اخذ بالأسباب فالرسول كان لديه رماه وجنود متدربين وكان المسلمين والعرب يرتحلون في رحلة الشتاء والصيف، وأشار كريمة أنه عندما أخذ المسلمين بالأسباب بزغ علمهم في الأفق، مشيرًا إلى أن من يروج مثل تلك الأفكار التيار السلفي وبعض المشعوذين من المتصوفة “تجارة وسبوبة”، فالقرآن الكريم يقرأه المرء نفسه تضرعًا إلى الله أن يشفيه.

هل يجوز أن يأخذ المعالج بالقرآن أجرًا على ذلك؟

يذكر الشرقاوي جواز ذلك دون مبالغة أو استغلال للناس، مستندًا في ذلك إلى إجازة النبي صلى الله عليه وسلم لما فعله بعض أصحابه في حديث أبي سعيد الخدري وقد جاء فيه أن أحدهم رقى أحد الناس بالفاتحة وأعطاه على ذلك أجرًا، وذلك في الحديث الذي رواه البخاري: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية فرقاه فبرأ فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي قال: لا مارقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى نأتي أو نسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي – صلى الله عليه وسلم- فقال: وما كان يدريه أنها رقية، أقسموا واضربوا لي بسهم.

وفي رواية أخرى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مَرُّوا بِمَاءٍ ، فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَاءِ ، فَقَالَ : هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ ، إِنَّ فِي المَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى شَاءٍ ، فَبَرَأَ ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا : أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا ، حَتَّى قَدِمُوا المَدِينَةَ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ.

وأوضح الشرقاوي أن الفقهاء قد أخذوا من هذه الأحاديث أنه لا بأس من أخذ الأجر على تعليم القرآن أو السنة أو التفقه فيهما أو الرقية، لكن هذا مقيد بعدم المبالغة أو الاستغلال وإلا كان ذلك حراما وكان من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، فالتوازن مطلوب في كل شيئ.

لماذا يرجع الناس كل الحوادث أو أغلبها للحسد؟

“لأنه أسهل الأسباب وأكثرها عدم ملامسة”، يقول الشرقاوي، لأن الحسد فى نظرهم هو أسهل الأسباب وأكثرها هروبا من الواقع فالحسد أمر معنوي غير محسوس، ولو كان أمرًا ماديًا لاستطعنا بسهولة صده أو مقاومته، ولأنه أمر معنوي يعلق أغلب الناس عليه الحوادث والوقائع المختلفة، وضرب الشرقاوي مثالًا على ذلك بأنه إذا كان هناك رجل مثلا لا يحافظ على بيته وأهله وعنده بعض المشاكل الأسرية فدواعي الخصام والفراق هي سبب الخلل عند أحد الطرفين في العلاقة الزوجية أو كليمها وليس ذلك حسدًا، وإذا مرض أحدهم فلم يذهب للطبيب مثلا وتضرر من المرض أكثر وأكثر فالسبب إنما هو الإهمال والتقصير وليس الحسد.

وأضاف الشرقاوي أنه يجب على كل إنسان أن يعمل ما عليه وأن يأخذ بالأسباب ثم بعد ذلك نفكر من منا المحسود ومن منا يحتاج إلى رقية، مؤكدًا أن العبرة أن نعمل كل ما يجب علينا فعله وأن نأخذ بالأسباب التى رتب الله عليها نتائجها تقديرا وقطعا .

“إحنا في العالم الثالث هو دا التفسير” هكذا يرى كريمة أسباب تعلقنا أو تعليقنا للمشكلات على شماعة الحسد، مؤكدًا ان ذلك لا علاقة له بالدين، فيذهب المسيحي للقس واليهودي للحاخام والمسلم للشيخ، “ياناس خدوا بأسباب الحضارة”.

لم ينف كريمة تأثير الحسد، فقال إن العين بالفعل تذهب للرجل القبر، لكن هذا بقدر لله، فالأمور تجري بقضاء الله وقدره، “هو مفيش حسد وعمل إلا في مجتمعات العرب؟ في اليابان بيسألوا الأسئلة دي؟!”. وأكد كريمة أن التوكل على الله والأخذ بالأسباب هو علاج كل شيء، والإنسان يدعو بنفسه فقط.

مصراوي